كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
أمر طيب أن يكون أمر مراعاة القيم الجمالية في الشارع المصري ، حكاية ووضع يشغل اهتمام الرئيس ورعايته ، والمتابع للمشاريع الأخيرة وتعاليم السيد الرئيس الاهتمام بالشكل والرونق العام للمباني والشارع المصري ..ولعل القرار الأخير بأن يقوم أصحاب البيوت بطلاء مبانيهم ( حديثة أو قديمة ) وألا تترك الجدران على الطوب أو الحجارة خير مثال على توجه الإدارة المصرية وأجهزتها للتعامل مع مناطق القبح ، وتفعيل مؤسسات النظافة والتجميل والتنسيق الحضاري لأداء دورها ، ولعل أمثلة الأحياء البديلة للعشوائيات وإخراجها بهذا القدر من مظاهر الجمال المعمارية ما يؤكد على تلك الإرادة الجديدة للإدارة المصرية  ..
 
رُوي عن " مايكل أنجلو " الفنان العبقري العالمي في ختام حياته أنه سُئل يوماً: إلى أين تمضي هكذا سريعاً وقد غطت الثلوج شوارع المدينة ؟ فما كان منه سوى أن أجاب بقوله: إنني ذاهب إلى المدرسة، فلا بد لي من أن أحاول تعلم شيء قبل أن يفوت الأوان!
 
قد يكون في استطاعة متعمد العجلة و السرعة أن يحصل على " بطاقة أو كارت موافقة " لاجتياز وعبور أي ميدان من الميادين الحياتية ، اللهم إلا ميدان إبداع الفنون ، فليس من طبيعة الانتاج الفني أن يكون محصلة لسلوكيات وطباع العجلة والتسرع واللهفة والاندفاع، وعليه ليس من طبيعة التذوق الجمالي أن يتولد عن النظرة السريعة التقليدية العابرة، أو القراءة الخاطفة، أو الاستماع السريع.
 
ولهذا يؤكد علماء الجمال أنه لا بد لطالب المتعة الفنيّة من أن يعود إلى العمل الفني مرة بعد أخرى، حتى يستطيع أن يستشف ما فيه من جوانب غامضة، غابت عنه في المرات السابقة، فما كان للعمل الفني أن يبوح بسره للمتأمل العابر، أو الناظر المتعجل، وهو الإنتاج البطيء الجهيد الذي لم يولد إلا بعد صراع عنيف ضد المادة.
 
لقد عرف الفيلسوف " سنتيانا " الفن بأنه متعة جماليّة، أو لذة جماليّة، وغيره الكثير من الكتاب المحدثين يربطون بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال، أو القدرة على توليده، أو المهارة في استحداث ما يطلق عليه متعة جماليّة.
 
ومن اتجاه أخر يفرّق " كنت " بين الفن الذي هو نشاط تلقائي حر، غير أن المهنة صناعة مأجورة تهدف إلى المنفعة، وترمي إلى الكسب. و يعرّف المفكر الألماني " لانج " الفن بأنه مقدرة الإنسان على إمداد نفسه وغيره بلذة قائمة على الوهم، وليس له أي غرض شعوري يرمي إليه سوى المتعة المباشرة.
أما الذي رفض إدخال مفهوم الجمال أو اللذة في تعريف الفن فهو الروائي الروسي تولستوي، بل حمل بشدة على المذاهب التي نحت هذا المنحى، مؤكداً أن تعريف الفن بالاستناد إلى ما يتولد عنه من لذة أشبه ما يكون بتعريف الطعام بالاستناد إلى ما يسببه لنا من متعة أو لذة في حين أن المهم هو معرفة الدور الذي يؤديه في حياة الإنسان أو الإنسانيّة بصفة عامة، فهو مظهر من مظاهر الحياة البشريّة، وإحدى وسائل الاتصال بين الناس، وهو لا يقل أهمية عن الكلام، لأنه لو لم تكن لدينا تلك المقدرة على التعاطف مع الآخرين عن طريق الفن، لبقينا متوحشين، منعزلين، يحيا كل منا بمنأى عن الباقين.