سحر الجعارة
تحاول قنوات «الجزيرة» وأخواتها (الشرق، مكملين.. إلخ) إشعال الحرائق فى مصر بورقة «الدين»، إنها الورقة الرابحة التى يجيد الإخوان واللوبى التركى- القطرى توظيفها لتكفيك الأوطان.. وهى القنبلة التى فجّرت بلداناً مثل العراق وقسمتها على أساس عرقى- دينى، وهى التى تفتعل حرباً سنية- علوية لتفتيت الجيش السورى.. وهكذا ستجد أتفه ما يتعلق بأمور الدين، حتى لو كان محسوماً، هو بالضرورة لغم ينفجر فى وجوهنا ليعرقل جهود التنمية وتكريس الدولة المدنية.

تجيد «الجزيرة» تزييف الصورة، واختلاق وقائع مزيفة لضرب استقرار الشارع المصرى، ومن باب التضليل بثت الجزيرة فيديو تدّعى فيه أن مصر هدمت المساجد حول كنيسة توجد وسط طريق الإسكندرية لإزالة تعديات وإنشاء مشروعات، بينما تركت الكنيسة دون أن تزيلها، وأوضح تقرير لقناة «إكسترا نيوز» أنه بالعودة للفيديو الذى بثته الجزيرة تبين أنه لا يوجد أى مساجد على الإطلاق أمام الكنيسة (!!).

المهم أن البالونة الضخمة انفجرت وتناثرت الشائعات، وتم تدشين الهاشتاجات على مواقع السوشيال ميديا.. والحقيقة أننى أحار أحياناً: لماذا علينا أن نثبت للعالم أننا «دولة متدينة» ولسنا كفاراً، وأن نزايد على جماعة إرهابية ونلعب على أرضهم رغم علمنا بأن الثأر بيننا وبين الإخوان نتيجة إسقاطهم عن الحكم.. وأنه كان ولا يزال صراعاً على السلطة وليس صراعاً لنصرة الإسلام!.

أنا شخصياً أتمنى لمصر أن تصير دولة «علمانية» حديثة، يحكمها الدستور والقانون، ولا تخضع لسطوة كهنة الدين، ولا خزعبلات الفتاوى التى أغرقتنا فى جدل لا ينتهى.. لا بد أن نفك الاشتباك بين «دين الدولة ونظام الحكم وأدواته».. لنحل إشكالية «الإسلام دين ودولة» التى يرفعها الإخوان على أسنّة الرماح.

فى مصر «الإسلام» هو دين الدولة لأنه يمثل الأغلبية، لكن نظام الحكم فى الدولة ديمقراطى بموجب القانون، النظام يباشر سيادته على «الوطن» ويستمد شرعيته من آليات مدنية، فلا توجد بمصر حكومة دينية ولا يخضع لحكم الكهنة الثيوقراطية Theocrac.. ورغم ذلك ففى كل خطوة لا بد أن نحتكم للمرجعية الدينية، (تطبيقاً للمادة الثانية من الدستور)، بل وأحياناً للاحتماء بها من الغوغاء والدهماء.. وشائعات وأكاذيب الإخوان التى لا تختلف كثيراً -فى رأيى- عن آراء معظم علماء الأزهر!.

وهكذا كان لا بد أن نعود لرأى كبار العلماء فى قضية بناء المساجد على أراضٍ مغتصبة أو مملوكة للدولة.. الأسبوع الماضى كنت فى مداخلة هاتفية مع الإعلامية «عزة مصطفى»، فى برنامج «صالة التحرير» المذاع على قناة «صدى البلد»، حول نفس الأزمة.. قبل المداخلة فتشت عن أصل لهذه القضية، فوجدت فتوى قديمة على موقع دار الإفتاء، الفتوى حملت رقم 2381 بتاريخ 15 /1/ 1979، ويقول فيها فضيلة الشيخ «جاد الحق على جاد الحق»، شيخ الأزهر الأسبق، رحمه الله: «إن فقهاء المذهب الحنفى نصوا على أنه لو اعتدى شخص على أرض واتخذها مسجداً، ثم استحقت هذه الأرض للغير؛ نُقضت المسجدية، وإن الصلاة مكروهة فى الأرض المغصوبة، وكذلك فى المسجد المقام على أرض مغصوبة».

وأضاف فضيلته: «ويستوجب لإضفاء وصف المسجدية على مكان أقيم فيه مسجد، أن يكون المكان مملوكاً لمن أقام المسجد، وإذا لم يكن ملكاً له، بأن كانت الأرض مغصوبة، بمعنى أنها أرض معتدًى عليها، نقضت عنها صفة المسجدية، ولا تصبح لهذا المكان حرمة المساجد، ولمالكه الشرعى أن يزيله».

هل تحتاج أكثر من هذه الفتوى «السابقة على حكم الإخوان»، وعلى اغتصاب «أردوغان» لكنيسة «آيا صوفيا» وتحويلها إلى مسجد، بينما جماعة الإخوان الإرهابية تشرعن لها الحرام وتحلل الصلاة على أرض مغتصبة؟!.

لقد أكدت -فى مداخلتى- على ضرورة الانتباه إلى أن الحرب بيننا وبين الإرهاب لا تزال مستمرة، وأن تلك «الزوايا» البعيدة عن سطوة وزارة الأوقاف قد اتخذتها جماعة الإخوان منابر لها، تبث من خلالها الأفكار المتطرفة وتحرض على الدولة المصرية، وتكفّر الحكم تمهيداً لتجنيد الشباب للعمليات الإرهابية.

ومن هنا أجدد مطالبتى للدكتور «محمد مختار جمعة»، وزير الأوقاف، الذى يحرص على تنقية صفوف الدعاة والوعاظ من المتطرفين، أطالبه بضم جميع الزوايا المنتشرة بالأقاليم والريف والصعيد لوزارة الأوقاف.. إنها ثغرات تهدد حصانة المجتمع وتتسلل منها كل الأفكار الشاذة والمتطرفة.. إنها بؤر إخوانية لبث الفتن.

لست مضطرة للحديث عن عدد المساجد التى افتتحتها الدولة على «محور المحمودية»، فما أراه جديراً بالذكر هو جهود التنمية ذاتها والنقلة الحضارية لمصر.. أنا لن أقف فى «خانة الدفاع» ولن ألعب على أرضية دينية مع جماعة إرهابية مهووسة بالدم والعنف.

على العكس سوف أسأل عن عدد المدارس والمستشفيات التى بنتها الدولة فى مقابل المساجد والكنائس؟.. ما يهمنى هو ما تم من نقل سكان العشوائيات إلى مراكز سكنية آدمية، هو التركيز على بناء «إسكان متوسط» بشروط ميسرة للشباب.

أنا فخورة بالمستشفيات الميدانية التى بنتها القوات المسلحة فى ظل أزمة جائحة «كورونا».. وهو ما يدفعنى للقول بأن «عقل الإنسان» أولى من مسجد مهجور لا يطرقه المصلون إلا نادراً، بل تُعقد فيه ندوات واجتماعات السلفيين والمتطرفين!

ما يهمنى هو ميزانية التعليم والبحث العلمى والصحة فى مقابل ميزانية الأزهر (حوالى 16 مليار جنيه).. هذا هو جسر التنمية الحقيقى «تنمية الإنسان».

لقد طالب الرئيس «عبدالفتاح السيسى» من قبل بإعادة بناء «الشخصية المصرية»، وهذا ما نحتاجه اليوم بالإضافة إلى تنمية «الكوادر البشرية».

دينى لى.. ومسجدى وكنيستى.. وطنى لى.. وللإنسان الغد.
نقلا عن الوطن