ماجد سوس
يوما تصور التلاميذ انهم فقط من يملكون مفاتيح السماء، متفكرين في قلوبهم علَّ الرب يمتدحهم على هذا، قائلين له يا معلم، رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك فمنعناه لأنه ليس يتبعنا، فقال يسوع لا تمنعوه لأنه من ليس علينا فهو معنا . 
 
هكذا نفعل نحن في هذه الأيام كلا منا مع الآخر حين نتصور أننا فقط من يملك الحقيقة الكاملة، متناسين أن مدينة أورشليم السمائية سيسكن في أحياءها من كل الأمم ، من كل القبائل ومن كل الشعوب.
 
في القديم وشى أحدهم بالقديس يوحنا ذهبي الفم إلى البابا ثاؤفيلس البطريرك الثالث والعشرين ، فعقد مجمع سُميَ مجمع السنديان وأتهم ذهبي الفم بتسعة وعشرين اتهاما وقد تم حرمان القديس يوحنا ذهبي الفم ومنع كتبه وكان يحضر هذا المجمع القس كيرلس المقاري الذي كان تلميذا للبابا ثاؤفيلس وعلى الأغلب قد قام بالتوقيع على قرارات المجمع.
 
بعد نياحة البابا ثاؤفيلس اختار المجمع والشعب بالإجماع القس كيرلس المقاري ليكون البابا كيرلس البطريرك الرابع والعشرين الملقب بالبابا كيرلس الكبير أو كيرلس عامود الدين والذي قام برفع الحرمان وألغى الحكم الذي حكم به البابا السابق على القديس يوحنا ذهبي الفم وأعاد له كرامته ووضع اسمه في مجمع القديسين.
 
تذكرت هذه الأحداث التاريخية مع ما فعلته الكنيسة القبطية مؤخراً مع الدكتور جورج حبيب بباوي العالم اللاهوتي القبطي والذي حوكم بمجمع محلي في عام ٢٠٠٧ دون حضوره أو سماع دفاعه وقدمت فيه تسعة وعشرون اتهاما أيضاً . 
 
وأنا هنا لست بصدد مناقشة أفكاره أو الدفاع عنه أو الهجوم ضده . فقد أصدر عدة كتب ومقالات ورسائل صوتيه ومرئية فند فيها كل الاتهامات التي وجهت إليه وقد طالب مرارا وتكراراً بمحاكمة علنية تناقش فيها كل أفكاره .
 
أسند قداسة البابا تواضروس الثاني ملف الدكتور بباوي لنيافة الأنبا رافائيل السكرتير السابق للمجمع المقدس وقد دارت بين نيافته وبين الدكتور جورج مكاتبات ورسائل محبة، طالب فيها نيافته الدكتور جورج بتصحيح صورة الكنيسة أمام الناس ، حيث أن الدكتور جورج أُتهم ليس فقط في أفكاره بل أتهم بأنه ترك الكنيسة ، الأمر الذي أزعجه جدا وقد قدم بالدليل أن هذا لم يحدث .
 
المشكلة تكمن أن الدكتور جورج في دفاعه عن نفسه اتهم الكنيسة بأنها ظلمته وبالطبع قد يكون خانه التعبير في بعض الكلمات الذي تفوه بها بحدة ليبرأ ساحته .
 
لذا طالبه الأنبا رافائيل بكل محبة بالاعتذار عن هذا حتى لا يعثر أحد في الكنيسة ورجالها وقد كتب نيافته للدكتور جورج : " مطلوب فقط أن حضرتك تكتب كلمة طيبة في حق الكنيسة يفرح بها قلب المسيح ... بعد الكتابة طبعا قداسة البابا يمنحكم الحل" . 
 
أثناء هذه المكاتبات تدهورت صحة الدكتور جورج وكثرت عدد مرات غسيله الكلوي مع كبر السن فأرسل لقداسة البابا طالبا إعطاءه الحل بالتناول في نهاية عمره فتأثر البابا صاحب القلب الذهبي مستنداً إلى قوانين مجمع نيقية والتي وافق عليها البابا ديونيسيوس والبابا لاون الاول والتي لا تمنع الافخارستيا لمن اعتلت صحتهم حتى وان كانوا تحت عقوبات كنسية ومتماشيا أيضاً مع ما سطره البابا شنودة الثالث والذي عوقب الدكتور جورج في عهده في كتابه "لماذا نرفض المطهر قائلا: " في قانون الكنيسة كل العقوبات الكنسية تنتهي عند الإشراف على الموت وحينما كانت الكنيسة تمنع إنساناً لمدة معينة من سر الإفخارستيا، بسبب خطيئة قد ارتكبها، كان إذا أشرف على الموت ترجع الكنيسة عن عقوبتها وتمنحه لسرالمقدس ".
 
لذا طلب البابا تواضروس من الاسقف الانبا سيرافيم اسقف انديانا وميشيجن باصطحاب الكاهن الاب اسطفانوس وذهبوا لمناولة الدكتور بباوي حيث مارس سر الإعتراف المقدس وقرأ الأسقف له الحل وناوله من الأسرار المقدسة .
 
رغم أن المحكمة الإدارية العليا في مصر قد تعجبت من حرمان الدكتور جورج كنسيا دون حضوره المحاكمة الكنسية وإبداء دفاعا عن نفسه وقد وآشارت إلى هذا في حكمها مؤكدة أن قرار المجمع يعتبر إهدار لمبدأ الحريات العامة التي أقرها دستور الدولة المصرية، وإهدار حقٍّ أصيل من حقوق الإنسان، وهو إعطاءه فرصة الدفاع عن النفس. 
 
ومع تحفظنا من خطورة تدخل المحاكم المدنية والادارية في ادارة الكنيسة إلا أنها قد تكون علامة من الله ان تعيد كنيستنا العظيمة النظر في المحاكمات الكنيسة بتنظيمها تنظيماً قانونياً يضمن تلاقي الحق والرحمة والعدالة معا حتى تعود الكنيسة لتكون نبراساً للمجتمع في حقوق الانسان 
 
ما يؤخذ للدكتور جورج أنه لم يشهر هذا الحكم في وجه الكنيسة ولم يطالب بتنفيذ الحكم لكنه فضل أن يلتمس حلاً للتناول من البابا تواضروس والذي يثبت يوماً بعد يوماً أنه جدير بأن يطلق عليه ذهبي القلب