حمدي رزق
عظيمة يا مصر يا أرض النعم
يا مهد الحضارة يا بحر الكـرم

ماذا كان سيكتب المؤلف الوطنى «أحمد علام» أكثر عظمة من هذه الكلمات الوطنية وهو يتابع عن كثب الجسر الجوى المصرى لإغاثة إخوتنا فى لبنان الشقيق، عشر رحلات جوية حتى الأربعاء الماضى، ولايزال الكرم المصرى متصلا بلا مَنًّ وَلَا أَذًى.

لافت أن الأغنية الخالدة من تلحين وغناء صاحب الصوت الصافى «وديع الصافى»، صدفة تاريخية أن تواكب أغنية عمرها ٤٤ عاما، وشدا بها العم وديع فى احتفالات نصر أكتوبر المجيدة، ما هو حادث، الله يرحم الجميع كان لديهم عاطفة وطنية جارفة، واستشراف لما تجود به الأيام.

لو كتبت الأغنية اليوم لقالوا تطبيلا، ولو غناها جورج وسوف (بالمناسبة لقبه لبنانيا أبو وديع) لقالوا فيه كلاما معيبا، الأيام الخوالى تفيض علينا بدروس الماضى، خلاصته كما غنى عبد الوهاب من كلمات أمين عزت الهجين «حب الوطن فرض عليه /أفـديه بروحـى وعينيه».

عظيمة يا مصر وهى تغوث المتضررين من السيول فى السودان، وتعين إخوتنا على ما جرفه النهر فى طريقه، عظيمة وهى تصل أهلنا فى جنوب السودان بالأشقاء فى الشمال، وتقيم مركزا صحيا بمواصفة عالمية فى عاصمة الجنوب «جويا» لتوفير الرعاية الصحية لمن داهمتهم الأمراض.

مصر العظيمة لا تتأخر عن العون ما استطاعت إليه سبيلا، مصر الكريمة تقول للأحبة نحن فى ظهوركم، ومن «الكتف ده زاد.. والكتف ده ميه».. مصر لا تنتظر حتى استغاثة الغوث، تتحرك من فورها، بكرمها، بشرفها، تلقى وراء ظهرها بالإحن والمحن، لا تحسب الحسابات ولا تتحسب، ولا تنتظر مقابلا..

معلوم الكريم يبتدع أسبابًا للعطاء..

الكرم المصرى من صنف فاخر، الكرم الحقيقى هو أن تعطى أكثر من استطاعتك، وعزة النفس هو أن تأخذ أقلّ مما تحتاج، والكرم هو أن تعطى ما أنت بحاجة إليه فعلاً.. مصر التى تعانى لا تبخل باللقمة، تطلع اللقمة من فم الفقير تطعم بها من ضاقت بهم سبل العيش الكريم، مصر ليست غنية بالمقاييس الاقتصادية، ولكنها كريمة بالمواصفات الأخلاقية، والغنى غنى الله.

مصر كبيرة قوى، وحضنها حنين قوى، وشعبها كريم قوى، لم يصدر منها حرف فى قرار يخص أحبتنا فى ديارنا، ورغم ضيقة الجائحة لم تتبرم من الجاليات العربية المقيمين فيها، السورى له مثل المصرى، والسودانى يأكل من نفس الطبق، والفلسطينى له ما لنا وعليه ما علينا، والليبى.. إذا ما شالكم المكان تشيلكم العيون.

مصر الكبيرة لا تتبرم بمن فيها، وتكرم وفادة من لجأ إليها، ولا تفرق بينهم والمصريين، وصاروا كما يقولون كلنا فى الهم مصريون، فى قلوبنا مسكن، وفى عيشنا مأكل، هذه طبائع المصريين، ويصدق فيهم القول العميق «الكريم لا يضام»..

فيضان النيل علم المصريين العطاء من فيض الكريم، عطاء بلا حساب، وأجود من الريح المرسلة فى الجوائح، التى تفقر البيوت، لم يشعر غير المصرى بأنه غريب، بل حبيب، يستشعر محبة فى حله وترحاله، وفرصة العيش الكريم، مصر ليس فيها «مخيمات لاجئين»، مصر تفتح البيوت للمحبين، ليس بيننا لاجئون، نبغض هذا الوصف على إخوتنا، ولا نتاجر بهم، ولا نطلب من الاتحاد الأوروبى يورو أو دولارًا، ولا نتنطع على الوكالات لقبض ثمن بعد الرؤوس، بل نربت على الظهور.
نقلا عن المصرى اليوم