فاطمة ناعوت
الفاشلون يكرهون الناجحين. والخاملون يحنقون على الفاعلين. والبلداءُ الشاغرون يحقدون على النُبهاءِ الجادّين. حقائقُ معروفةٌ يُثبتُها الواقعُ على مدار التاريخ. وليتَ الأمرَ يقفُ عند تلك المشاعر السلبية من كراهية وحنق وحقد، إذن لدعونا للحاقدين بالصلاح، عسى أن يحبّوا مَن يكرهون، ثم يتخذوا الناجحين الجادّين قدوةً، فيجِدّوا وينجحوا مثلهم. لكن الخطيرَ والمؤسف أن تلك المشاعرَ السلبية تتطوّرُ إلى طاقاتِ عرقلة وتعطيل وتكسير واغتيال معنوىّ وأدبىّ، أملًا من العاطل أن تتوقفَ مسيرةُ الناجح، ويلحق بقطار الفاشلين، فيهنأ الفاشلون بأن ركبَهم قد زاد نفرًا، وأن قطارَ النجاح قد نقُص فردًا. وربما هذا ما قصده د. أحمد زويل حين قال: «الغربُ ليسوا عباقرةً ونحن لسنا أغبياء. هم فقط يدعمون الفاشلَ حتى ينجح، ونحن نحارب الناجحَ حتى يفشل». ولكن أين دورُ الشخص الجادّ من كل هذا؟ ماذا عليه أن يفعل لمواجهة تلك الحروب الرخيصة؟ ربما من المدهش أن أنصحَ ذلك الشخص «الفاعلَ» بأن يكون «سلبيًّا» تمامًا. نعم. الحلُّ الأمثل لمواجهة الحقد والحسد والعرقلة وتكسير المجاديف هو «الصمم» الكامل. سأحكى لكم قصّتين. إحداهما رمزيةٌ، والأخرى حقيقية، كلتاهما تُعطى «روشتة النجاح والتفوق».

أبدأ بحكاية من الفلكلور الرمزى. مجموعةٌ من الضفادع شاركت فى مسابقة لتسلّق جبل إيڤرست الشاهق. وقف الناسُ بالأسفل يهتفون ساخرين: (لن يصل أىُّ ضفدع إلى قمة الجبل! مستحيل!) وبالفعل، بدأت الضفادعُ فى التساقط واحدًا فى إثر واحد، إلا ضفدعًا واحدًا أكملَ السباقَ حتى وصل إلى القمة وحيدًا. وذُهل الجميعُ وبدأوا فى التلويح له بدهشة حين بدأ رحلة الهبوط فى سلام، ونال الجائزة وسط تعجّب الجماهير. وحين سأله الصحفيون كيف حقق المعجزة، لم يردّ، بل أشار بإصبعه بما يعنى أنه أصمُّ لا يسمع. الدلاليةُ الرمزية من تلك الحكاية هى أن «صَمَمَ» الضفدع الناجح قد فوّتَ عليه سماعَ الهتافات المُحبطة التى أسقطت زملاءه الذين سمعوا وصدّقوا وآمنوا باستحالة الفوز، فأخفقوا، وسقطوا. بينما كان الحظُّ حليفًا للضفدع «الأصَمّ»، الذى أكمل مسيرة العمل والجد والكد والكفاح، دون شوشرةٍ ولا ضغائنَ، حتى وصل إلى القمّة، وكأنه سمع مقولة «ڤيتوريو أريجونى»: (الناجحُ إنسانٌ حالم، لا يستسلم أبدًا)، هكذا يفعل كلُّ عباقرة الكون: لا يلتفتون إلى التافهين الذين يقتلون أنفسهم كدًّا وجدًّا، لا للنجاح، بل لإفشال الناجحين.

الحكاية الثانية واقعيةٌ حدثت بالفعل. وتؤكد نظرية «الصَّمَم الجميل»، الذى يحمى الإنسان من الطاقة السلبية التى يضخّها الفاشلون فى روح الناجحين، أو تضعها الظروفُ فى طريقهم، فيحيدون عن جادة النجاح والتفوق والعمل الرصين.

فى نهاية إحدى محاضرات درجة الدكتوراه فى الرياضيات، كتب البروفيسور على السبورة معادلتين (لا حلَّ لهما) فى «التفاضل والتكامل». وقال لطلاب الدكتوراه: (دوّنوا هاتين المعادلتين اللتين أخفق فى حلّهما علماءُ الرياضيات عبر التاريخ، حتى تستوثقوا وتوثّقوا أن العلم أحيانًا يقفُ عاجزًا عن الوصول إلى حلول. اعلموا أن العقل البشرى مازال فى مرحلة الطفولة، ولم يصل إلى النضوج بعد. كذلك العلمُ: مازال ناقصًا عاجزًا عن حل العديد من معضلات البشرية. وهاتان المعادلتان تثبتان ذلك. لم يستطع عقلٌ من أعظم عبقريات العالم أن يجد لهما حلًا. هاتان المعادلتان ليستا للحلّ. وليس مطلوبًا منكم إلا تدوينهما لتتذكّروا قصورَ العلم، ومحدودية العقل البشرى)، وخرج البروفيسور من قاعة المحاضرة، وخرج الطلاب. كان هناك طالبٌ يجلسُ فى آخر الفصل، غارقًا فى نومه. وعلى صخبِ الطلاب فى خروجهم من قاعة الدرس، استيقظ. شاهد المعادلتين على السبورة، فظنّ أنهما واجبُ الغد، فدوَّنهما فى دفتره ومضى. سهر الطالبُ الليلَ كاملًا يحاول حلَّ المعادلتين. وفى الصباح ذهب الطالبُ «النائمُ» إلى البروفيسور فى مكتبه وقال له: (سيدى، حللتُ واحدة، وأخفقتُ فى حل الأخرى). لم يفهم البروفيسور ونظر فى الدفتر وقرأ المعادلة المحلولة، ثم هتف مذهولًا: (مستحيل! كيف نجحتَ فيما أخفق فيه أكبرُ عباقرة العالم؟!!). ما حدث هو أن نومَ الطالب فى المحاضرة قد فوّتَ عليه الإنصاتَ إلى كلمة (مستحيلٌ حلُّها)، فسهر الليلَ وحاول الوصول إلى الحل، ونجح. بينما لم يحاول زملاؤه، ولا حتى أساتذته، لأنهم وضعوا العربةَ أمام الحصان، وقدّموا المستحيلَ على الممكن، وركنوا إلى الركون دون المحاولة، فأغلقوا بابَ الخيال والإبداع.

نصيحةً مخلصةً من ضفدع أصَمَّ أذنيه عن ترهات الحاقدين: (تسلقوا الجبالَ، وحلّوا المعادلات الشاقة، ولا تراهنوا على الفشل، بل استثمروا بكلِّ طاقاتكم من أجل النجاح)، وكما أختتم دائمًا جميع مقالاتى أقول: «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم