بقلم : ماجده سيدهم
"الذرة  لما يتقسم بيضحك " 
 
* كنت لازلت طفلة حين كنت أرى في منزلنا البسيط  وبشكل دائم  جارتنا في ذات البناية .. خالتي  "أم سيد "  هكذا كنا  نناديها ب " خالتي"
 
ولما كنا غرباء في هذه البلدة الصغير  من مدن الصعيد  .تولت هي  مهمة الاهتمام  بنا  بإضفاء مشاعر الألفة  فكانت كأم لأمي ..
 
تأتي صبيحة أغلب الأيام  وبعد خروج أبي وزوجها الطيب "أبو سيد" للعمل ..لتطمئن علينا ..وكثيرا ماكانت  تبتاع معها من السوق  البعض من الخضار  فلم تكن أمي بعد اعتادت البلدة ..
 
تعد القهوة   وتسرد لها  الحكايات الكثيرة عن البلدة  ودائما  تشجعها وتنصحها  " انتي بنتي يام  يوسف   "  فعلمتها فنون الحياكة والتريكو ...وكل   ماتبدأ في عمله  دوما يبدأ بجملتها الأشهر   "سعيد يانبي"    
 ننجح  في الدراسة   أو حين  تري ملابس العيد التى حاكتها لنا أمي كنا نشاهد فرحتها  وهي تقول  "سعيد يانبي "
 
ومتى حاولت أن تتذكر أمرا  كانت  تركز قليلا   "سعيد يانبي  ..سعيد يانبي ..أه افتكرت كنت عاوزة اقولك ..." 
 
مرت أيام  وسنوات كثيرة..آلفنا فيها وجودها الذي يمنح  شعور غريب بالطمأنينة  حين  نتسابق  بمن يحظى بأول حضن   لنمتلئ  من رائحة جلبابهاالمعطر  بالنظافة  والهدوء  الغريب وأيضا بعض من الحلوى التى كانت تخبئها لنا  في طرف طرحتها التل ..وما كانت تفاجئنا به  في زيارة المساء من الذرة المشوي  الذي تقسمه فيما بيننا مع اشقائي "سعيد يانبي الذرة  لما يتقسم ييضحك "
 
ارتبط وجود "أم سيد" معنا  بالبركة. فكل قليل  تحوله لوفرة مفرحة  "سعيد يانبي أهو كفي وفاض "
 
كما ارتبط أكثر  بالشفاء متى مرضت إحدانا فيطرق أبي بابها  مهما تأخر الوقت  لتأتي مسرعة مع زوجها ..وبهدوء شديد  تضع رأس المتعب منا على حجرها و تمسح بيدها في اتجاه واحد بطيء  بحركة  تسحب معها كل طاقة الألم والتوتر  معا .. بينما تكرر بصوت  خفيض  تمتماتها   "ياست ياطاهرة.. يابطن  النور يام النور  ....زيحي الدور وحطي النور ..ياطاهرة يابطن النور .." 
ثم  بيديها تمسح الوجه بقليل من الكحول الأبيض  "هاتي الكراوية يام يوسف "
دقائق ويقطع الصمت والترقب التعافي الجميل "سعيد يانبي اهي بقت كويسة .."
 
" أم سيد " كانت تحرص طيلة حياتها  على صوم العذراء مريم شأن الكثيرات من نساء الصعيد في ذاك العصر ..
بينما يصادف أحيانا تمازج  صوم رمضان مع صوم العذرا فتصوم طيلة نهار رمضان وحين  وقت الإفطار  تفطر طعامها  بالماء والملح بلا زيت .."سعيد يانبي لقمتك في رمضان  حلوة يام النور  "
 
 كبرنا  .. وماخلت زيارتها  الحلوة لبيوتنا من رائحة  الاطمئنان والذرة المشوي الذي تخبئه  لنا ولصغارنا  في طرحتها التل .."   فين الذرة ياستي  "
 
وكبرت خالتي" أم سيد " ورقدت سريرها  المرتب والمشدود ..تحيطه بعدد من الصور لأم النور وسبحة بسيطة تلفها على يدها .. وهناك زهرية الريحان النضر .. وشباك مفتوح  ليدخل ضوء النهار فيعطي احساسا بالقوة والنشاط ..كل شيء معطر بالنظافة والعناية والترتيب ..
 
: " انتي زي الفل ياخالتي  "
 
: " ايوه  .. سعيد يانبي  دا الست أم النور عليها رقوة ..باقوم بعدها عفية "
 
 وتمر  أعوام ..وفي كل موسم لا مذاق لغير  الذرة المشوي الملفوف في طرف الطرحة التل والصوت المبهج  الدافي 
" سعيد يانبي  الذرة لما بيتقسم  بيضحك "