بقلم : د . مجدى شحاته

 مضت سنوات قليلة من حبرية قداسة البابا تاوضروس الثانى بابا المدينة العظمى الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية . بابا المواقف الصعبة ، الذى تسلم الامانة فى أوقات عصيبة ومربكة للغاية ، ربما لم تمر الكنيسة القبطية بمثلها من قبل . مضت سنوات قليلة ،  لكنها مملوءة وحافلة بالانجازات والنجاحات المتعددة  الابعاد ، على مستوى البعد الرعوى والمسكونى والوطنى والتعليم الكنسى والادارى . سنوات حملت معها أيضا ، المزيد من الضيقات والازمات فضلا عن سلبيات قديمة متراكمة منذ عقود طويلة ، داخل الكنائس والاديرة .
 
كان لابد لنا من وقفة جادة فاحصة ، نستطلع  من خلالها أهم الانجازات التى حققتها الكنيسة القبطية الارثوذكسية منذ ان تولى قداسة البابا تاوضروس الثانى المسئولية عام 2012 . ونركز فى هذا المقال عن الشأن الخاص ببناء وترميم الكنائس ، وأيضا تقنين أوضاع الكنائس والمبانى الكنسية التى كان قد سبق انشائها بدون تراخيص رسمية ، على مدى عقود طويلة مضت .   
 
عن البعد الوطنى ، قداسة البابا انسان عاشق لمصر ، يفتخر ويزهو بها فى كافة المحافل الدولية ، مؤكدا ان الوطنية والمواطنة ، ليست مجرد أقوالا وشعارات جوفاء . وانما هى أفعال على ارض الواقع وحياة معاشة . فكان صمام الامن والامان لوحدة وتماسك أبناء الوطن الواحد فى كثير من المواقف الصعبة وسط أحداث مأساوية عاصفة كانت تنذر بنشوب نزاع طائفى مدمر لا قدر الله .   التاريخ يسجل  بأحرف من نور ، ويشهد بكل الحق لهذا الرجل بانه أضاف للكنيسة القبطية رصيدا ضخما من الانجازات ، وأحدث تغيرات جوهرية ، لم تشهد الكنيسة القبطية الارثوذكسية مثيل لها منذ نشأتها . والحقائق التالية المشهود لها من الجميع . تثبت وتؤكد ذلك ، حقائق لايمكن ان ينكرها الا انسان حاقد او كاره للحق .      
 
هاجم البعض قداسة البابا ، عندما قال عبارتة التاريخية " وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن " قالها بعد أن تعرضت عشرات الكنائس والمبانى الكنسية للحرق والتدمير عقب فض اعتصامى رابعه والنهضة فى 14 أغسطس 2013 . وأضاف قداسته بكل قوة ويقين ، اذا دمرت كل الكنائس ، سنصلى فى الشوارع وفى المساجد . العبارة التى جنبت مصر من حرب طائفية ، ويفوت الفرصة التى كان يهدف اليها الارهابيون أساسا من حرق وتدير الكنائس ، وهى تدمير مصر بكاملها ، واشعال حرب طائفية فى ربوع الوطن لا قدر الله .  ادرك كل المصريون الشرفاء الاوفياء المخلصين لمصر ، مدى وطنية ومحبة واخلاص هذا الرجل لبلده ، وعلى سعة افقه وعقلانيته وحسن تصرفه فى اصعب المواقف التى مرت بها الكنيسة القبطية فى تاريخها المعاصر ولا ابالغ ان قلت منذ نشأتها . 
 
" وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن " عبارة غيرت الواقع المريرالجاثم فوق الصدور سنوات طويلة الى واقع حلو المذاق . عبارة حذفت المستحيل ، ليصبح أمر واقع . والتاريخ شاهد بذلك . والدليل فى الاسطر القليلة التالية :      
 
 بخصوص بعض الانجازات والاضافات من حيث انشاء وتقنين وتعمير الكنائس ، بجانب بعض المواقف الوطنية ، التى تحققت فى عصر قداسة البابا تاوضروس الثانى ، والتى لم تشهد الكنيسة القبطية مثلها من قبل ، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر : 
 
 اولا : شارك قداسة البابا تاوضروس الثانى مع فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الازهر ورموز من ممثلى الشعب المصرى ، فى تأييد القوات المسلحة المصرية يوم 3 يوليو 2013 ووضع خارطة الطريق لثورة 30 يونيو . جاء ذلك بناء على دعوة وطنية كريمة من الرئيس العظيم صانع مصر الحضارة ، مصرالمستقبل ، الرئيس عبد الفتاح السيسي . الرئيس الذى يبذل جهودا صادقة ومخلصة ، للحفاظ على تماسك الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والاعلاء من قيمة المواطنة .
 
ثانيا :حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على المشاركة فى احتفالات الاقباط بعيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية المرقسية الكبرى لتهنئة الاقباط ، ونشر رسالة السلام والمحبة والطمئنينة فى ربوع الوطن . كانت الزيارة الاولى فى 6 يناير 2015 ، حيث وجه كلمة للشعب الذى فوجئ بحضور الرئيس الى الكاتدرائية اثناء قداس الميلاد قال فيها " كان ضرورى أجيلكم علشان أقول لكم كل سنة وانتم طيبين " .
 
زيارة لها دلالات عظيمة ، وكلمات قليلة لها معانى كبيرة وعميقة . انها أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى لتهنئة الاقباط اثناء قداس ليلة العيد بالكاتدرائية ، بدلا من ايفاد مندب عن الرئيس كما تعودنا عبر سنين طويلة . ويصبح حضور الرئيس شخصيا للكنيسة تقليدا يحرص علية الرئيس كل عام . عندما يقول الرئيس فى كلمته ( كان ضرورى ) تؤكد ان حضور الرئيس لتهنئة الاقباط  كأبناء لمصر ، واجب أخلاقى و مسؤولية وطنية . وعندما يقول الرئيس ( كل سنة وانتم طيبين ) رسالة قوية ترد بكل قوة على المتشددين الذين يحرمون تهنئة شركاء الوطن فى أعيادهم .
 
ويكون رئيس الدولة قدوة ومثالا يحتذى به فى المحبة واحترام الاخر ومعتقداته وان الدين لله والوطن للجميع . 
 
 ثالثا : فى 6 يناير 2017  أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن القيام ببناء أكبرمسجد وأكبر كاتدرائية بمنطقة الشرق فى العاصمة الادارية الجديدة . وفى ليلة عيد الميلاد المجيد عام 2019 تحقق الامل والوعد ، عندما قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، بصحبة قداسة البابا تاوضروس بافتتاح كاتدرائية " ميلاد المسيح " بالعاصمة الادارية الجديدة على مساحة 63 الف متر مربع وتسع 8 آلاف شخص .   
 
 رابعا : قداسة البابا يُعلى دائما من شأن  مصر ، فى كل المواقف والاحداث . وشهد له العالم كله ، عندما رفض و بشدة الاستقواء بالخارج .
 
وذلك  عندما تصدى بقوة  لمشروع الكونجرس الامريكى  ، عندما اقترح أعضاء الكونجرس ترميم الكنائس التى دمرها وأحرقها المتطرفون فى اغسطس 2013 . وقال البابا مؤكدا : " الكنيسة لا تطلب حماية من أحد ، لأن الاستقواء يكون بالله وحده  . وليس بالخارج . " وبالفعل قامت الدولة المصرية باعادة بناء وترميم كافة الكنائس والمبانى المتضررة على أحسن ما يكون ، وفى زمن قياسى .   
 
 خامسا : بناء على قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريح 26 يناير 2017 ، تم تشكيل اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس برئاسة السيد رئيس الوزراء وعشرة أعضاء ، من بينهم ستة وزراء . وتختص اللجنة بتقنين أوضاع الكنائس والمبانى الكنسية غير المرخصة ، واصدار التراخيص الرسمية المسجلة المعترف بها . وبالتالى القضاء على مشاكل متأصلة ومتراكمة  لعشرات ومئات السنين . وقد تقدمت الكنائس المختلفة ب 3730  طلب لتقنين اوضاع كنائس ومبانى ملحقة فى كافة أنحاء البلاد .
 
وحتى ابريل 2020  تم توفيق أوضاع  1568 كنيسة ومبنى كنسى  على مستوى الجمهورية تشمل 937 كنيسة و631 مبنى كنسى . وكانت  لمحافظة المنيا النصيب الاوفر حيث تم توفيق أوضاع 286 كنيسة ومبنى ملحق ، بعدها محافظة الجيزة والقليوبية 138 وسوهاج 131 والاسكندرية 123 فالشرقية 98 كنيسة ومبنى كنسى .     
 
 سادسا :   خلال عام 2016 صدر القانون رقم 80 بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها . القانون الذى كان يراود أحلام الاقباط منذ عقود طويلة ، لينهى كابوس قانون الخط الهمايونى منذ العهد العثمانى ، الذى كان يجسد مشكلة ازلية تكرست عبر تاريخ ممتد لعشرات وعشرات السنين . حيث كان الحصول على قرار ببناء كنيسة قبل ثورة 30 يونيو أشبه بالمستحيل وكان قرار الانشاء اومجرد الترميم يحتاج موفقة رئيس الجمهورية . 
 
     سابعا : أصدرالرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهات صريحة ، بضرورة انشاء كنيسة فى كل مدينة جديدة يتم التخطيط لها ، وقد تم وفقا لذاك ، الاعلان عن تخصيص 41 قطعة أرض لبناء الكنائس فى المدن العمرانية الجديدة دون الحاجة لتقدم الكنيسة بطلب البناء ( وهو الاجراء الاول من نوعه فى تاريخ الكنيسة القبطية ) .
 
وقد أصدرت وزارة الاسكان فى ظل توجيهات رئيس الجكهورية ، ببناء 37 كنيسة جديدة فى مختلف المدن خلال فترة لم تتجاوز 4 سنوات . ومن أبرز المدن التى تم تخصيص كنائس جديدة بها : مدينة العبور ، الفيوم ، طيبة الجديدة ، القاهرة الجديدة ، العبور الجديدة ، اكتوبر ، حدائق اكتوبر ، قنا الجديدة . العاشر من رمضان ، الصالحية ، اسيوط الجديدة ، اسوان الجديدة ، 15 مايو ، المنيا الجديدة ، بدر ، سوهاج الجديدة ، السادات ، العاصمة الادارية .
 
 ثامنا : قيام الدولة بترميم وتطوير 13 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية .
كما تم الاعلان عن ترميم وتطوير 42 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية . 
 
     تاسعا : احلال وتجديد 18 كنيسة وملحقاتها بمحافظة المنيا قامت بها الدولة بتكلفة مقدارها 40.4 مليون جنيه . 
 
  عاشرا : قيام الدولى  بترميم وتجديد كنيسة السيدة العذراء " المعلقة " الاثرية بمصر القديمة بتكلفة مقدارها 101 مليون جنيه . كذلك ترميم دير الانبا " بطابا " بنجع حمادى بتكلفة مقدارها 3 مليون جنيه .
 
   حادى عشر : تشكيل لجنة مختصة لأدراج مسار العائلة المقدسة على قائمة التراث غير المادى لهيئة اليونيسكو . كذلك تطوير موقع " شجرة مريم " بالمطرية واضافتها لقطاع الآثار .
 
 بعد أن خلق السيد المسيح عينان للرجل المولود أعمى ، سأله الفريسيون : " ألعلنا نحن أيضا عميان ؟ " وهنا اجابهم يسوع : " لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ، ولكن الآن تقولون اننا نبصر فخطيئتكم  باقية " ( يو 9 : 41 ) .  والى لقاء آخر ان شاء الله .