كتب : مدحت بشاي 
 
رغم ظروف المعاناة من تفاقم أحداث انتشار وباء " كورونا" إلا أن عدم الامتثال للتعليمات الإدارية والصحية التي تقرض الحظر لازالت البيوت تطلق أولادها في الشوارع يلعبون ويلهون بأصوات عالية باعتبار أنهم في عطلة دراسية بإهمال تربوي وغباوة غير إنسانية وعدم تقدير لكل تلك الظروف ..ويبدو أن حدوتة عدم التزام الناس بالمعايير الأخلاقية مرض وعلة قديمة نتوارث أعراضها ، وتعالى عزيزي قارئ موقعنا الرائع " الأقباط متحدون " لتصفح بعض سطور دراسة اجتماعية وتربوية للكاتب والباحث يعقوب فام بعنوان " دراسات في الأخلاق....بحث وتحليل لحالات خاصة في تربية الصبيان " قام بإعداداها منذ أكثر من 70 سنة ..
 
يقول " فام " ويبدي دهشته ،  كيف أن الفرد في البلاد الراقية يحرص كل الحرص على راحة " الناس " واحترام شعورهم وإرادتهم ، وأن للجماعة حقوقًا على الفرد ، وأن الفرد مطالب بأداء هذه الحقوق .
 
ويحكي : كنا مسافرين على سيارة أحد الأصدقاء ما بين بلدة اسمها هارفارد وبين شيكاغو بالولايات المتحدة ، وكان صديقي صاحب السيارة موكلاً بقيادتها ، وكان منوطًا بي أن أسدد المصباح الكهربائي القوي إلى الطريق ، ومن خصائص هذا المصباح أنه متحرك فيمكن تسديده إلى أي جهة تريدها ، ولأنه قوي جدًا كان ينير لنا الطريق على مسافة ميل ، وكانت الساعة الثانية صباحًا تقريبًا ، ولما كنا متأخرين جدًا وكانت المسافة طويلة وكان علينا أن نقطع مائة ميل قبل أن نصل إلى شيكاغو ـ كنا نسير بسرعة خمسين ميلاً في الساعة تقريبًا ـ وبسبب هذه السرعة كان تسديد المصباح يخرج عن طوقي في بعض الحالات ، وكان يقع على نوافذ بعض البيوت في الطريق ، فما كان من صديقي إلا أن قال لي في عجلة وفي توكيد كبير " احترس من ذلك " ولما استوضحته السبب أجاب أن النور قد يوقظ النائمين إذا ما نفذ إلى حجراتهم ، قلت " وماذا علينا من ذلك ؟ " ماذا يحدث لو نفذ إلى حجراتهم وأيقظهم ؟ " قال " يكون من ذلك أن يلومنا الناس ، وليس ذلك فقط ، بل قد يقاضوننا إذا أرادوا ، ولهم الحق في ذلك ، لأنه من حق الجمهور أن يستريح ومن واجبناأن نسعى وراء راحة الجمهور ، وليس هذا فقط بل لا يحل لنا أن ننفخ في نفير السيارة ليلاً ، وأما إذا اعترضنا أحد في طريقنا فنوقف السيارة بدلاً من أن نستعمل النفير " .
 
ولا يظن القارئ أن القوانين هي التي تحمي الجمهور في مثل هذا النظام ، كلا لأن من طبيعة القوانين أنها توجد لتثبيت العرف والمتبع ، فليست توجد القوانين لإيجاد شيء معدوم أصلاً ، كلا بل توضع لتكسب ما كان موجودًا صيغة التوكيد ، وإذن فليس يحرص الأفراد على راحة الجمهور هنالك لأن القوانين تنص على ذلك فقط بل لأن الأفراد هنالك ليسوا فرديين بالشكل الذي نجده عندنا أو بشكل يقرب منه ، فالناحية الاجتماعية من أخلاق الأفراد قوية ومتمكنة منهم بشكل يجعلهم يحسبون للجماعات حسابًا .