سحر الجعارة
من أين يبدأ تجديد الفكر الإسلامى أو الخطاب الدينى، «سمه ما شئت»؟.. أعتقد أنه يبدأ بالاعتراف بذنوبنا وخطايانا فى حق الإسلام.. بالاعتذار عن الاغتيال المعنوى وتكفير «المجددين» بزعم أنهم زنادقة مهرطقون، وأن باب الاجتهاد مغلق إلا على من أسماهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور «أحمد الطيب»: «الراسخون فى العالم».

هذا تحديداً مفتاح عدة حلقات متتابعة، حاول فيها المفكر «إسلام بحيرى» تقييم الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى'> مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى، وهو المؤتمر الذى حلّق فى آفاق «الخيال العلمى»، من وجهة نظرى، ورسم لنا «المدينة الفاضلة»، كما يتصورها شيخ الأزهر داخل أسوار المشيخة!.

«إسلام بحيرى» فى حد ذاته نقطة فارقة فى تاريخ علاقة المؤسسة الدينية الرسمية بالمثقفين والمجتهدين، «إسلام» عنوان القهر وليالى السجن الباردة فى معتقل الجمود الفكرى والتخلف والرجعية، إنه «رمز» لفاشية المؤسسة الدينية، التى تغولت على الدولة وسيّست قانون «ازدراء الأديان» لتصفية خصومها، بكتائب حِسبة ممنهجة تقف أمام القضاء وهى تعلم يقيناً أن «مجمع البحوث الإسلامية» سيقدم قرار الاتهام والتصفية المعنوية تماماً، كما حدث لـ«إسلام»!.

قال «إسلام» -فى تصريح سابق على الحلقات- إن ما يفعله الرئيس «عبدالفتاح السيسى» هو «تنوير حقيقى فعلى على أرض الواقع»، علاوة على مطالبته فى الكثير من المؤتمرات واللقاءات التى ترأسها بضرورة الابتعاد عن بعض النصوص القديمة التى تبيح قتل غير المسلمين.. إذن، هذه النصوص المنسوبة زوراً وبهتاناً إلى الرسول (ص) هى نقطة الخلاف الجوهرية فى الخصومة، بل الأدق: فى «الحرب» بين المثقفين وعلماء الأزهر.

بصوت هادئ ولهجة راقية ونبرة واثقة، تحدث «إسلام» إلى فضيلة الإمام.. متسائلاً أحياناً ومندهشاً أو حزيناً فى أحيان أخرى.. وطرح تساؤلات لم يجب عنها مؤتمر سُمى بالعالمى، وانتهى به المطاف لتحريم «المخدرات»، سأحاول أن ألقى الضوء على بعضها رغم استحالة عرضها أو شرحها فى هذه المساحة:

تساءل «إسلام» موجهاً خطابه لفضيلة الإمام: لماذا أغلق باب التجديد، وهو مستنبط من القرآن الكريم بعد القرن الثالث؟.. واستطرد قائلاً: المشكلة فى التراث وأهله الذين رأوا هذا القانون القرآنى «التجديد» وتركوه وعاكسوه وأغلقوه تحت عناوين كبيرة يعلمها كل دارس.. إذن يا فضيلة الإمام، الأزمة فى «التراث» وليس كما قلت فضيلتك بعدها بيومين بأنه لا مشكلة فى التراث، والحقيقة أنك أكدت أن التجديد أمر من القرآن، ثم قلت إن أهل التراث أغلقوا باب الاجتهاد، إذن المشكلة فى فهم وتصور وقدسية ما أقره أهل التراث من القرون الثلاثة الأولى، وهذا ما أقررته أنت بنفسك يا فضيلة الإمام!!.

أشار «إسلام» إلى أن الإسلام الحقيقى اختفى تماماً وراء كتب الحديث والفقه، قائلاً: من 1400 سنة والتراث يلوث سمعة الإسلام.. من الذى حكم بالردة وقتل تارك الصلاة أليست المذاهب الأربعة؟.. من الذى جعل المعاصى «كفراً»: الجماعات المتطرفة، أم كتب التراث؟.. من الذى حكم على التيار الإصلاحى بحكم الكفار واستند فى حكمه على أحكام كتب التراث؟.. بينما «النصوصُ القطعيةُ فى ثبوتها ودلالتها» هى نصوص القرآن الكريم فقط.

فهل يخرج فضيلة الإمام علينا بتشكيل هيئة مماثلة لما فعلته السعودية، لمراجعة وتنقية الأحاديث النبوية.. بالقطع لا تتوقعوا هذه الخطوة المستحيلة، فجزء كبير من سطوة علماء الأزهر هو أحاديث ضعيفة تلهى الناس بالجدل حول (فقه الطهارة والتفكير فى نجاسة الكلب وهو ضياع كامل للأمة) هذا بخلاف أدبيات الجماع، وتحذيرهم من أن «لحوم العلماء مسمومة» وإرهابهم بعذاب القبر والثعبان الأقرع.. بل وأقول أيضاً وتهديدهم بما حدث لإسلام بحيرى نفسه.. من تهمة ازدراء الأديان المطاطة وقانونها الفضفاض الكفيل بنزع الحرية أو الروح ممن يشاءون!.

قدم «بحيرى» نموذجاً من التراث وهو «جهاد الطلب» الموجود فى المذاهب الأربعة، وطالب الإمام الأكبر بتفسيره فى عصرنا الحالى وكيف يُفسر؟.. وأكد أن (الأزهر لن يجدد وهذا حقه أن يرى ما يرى، وجاء الآن دور التيار الإصلاحى أن يقدم حلولاً ورؤية ومنهجاً للتجديد).. وأضاف «بحيرى»: أن مؤسسة الأزهر ليست لها وصاية على المجتمع، فالمجتمع لديه كامل الحق فى رفض ما يرفضه، لأن الأزهر، بنص الدستور، هو مجرد مؤسسة استشارية، وبحسب الدين لا يكون كهنوت لدينا فى الإسلام.

لكننا -بكل أسف- نصرخ فى الصحراء، لا أحد يسمعنا، وإن سمع لا يستجيب، وحده الرئيس يراهن على الأزهر، ثم على المثقفين، ثم على «مجلس أعلى لمواجهة التطرف والإرهاب».. بينما أصحاب التوكيلات الحصرية من السماء ينثرون بخورهم الفاسد ليكتم على أنفاس الناس، مؤكدة أن المسيحى ذمى، «وهو تعبير فقهى»، وأنه «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».. وهذا الحديث كان يذم أم المؤمنين السيدة عائشة، حسبما قال «إسلام».

نحن أمام حالة عداء سافر من المؤسسة الدينية للدولة المدنية بمفكريها ومجدديها ومثقفيها، أمام حالة تعنت وصلف وتمسك أعمى بتراث «أكل لحم الأسير ونكاح المتوفاة»، رغم ما فى الإسلام من رحمة وتسامح ووسطية.

يقول «بحيرى» لفضيلة الإمام الأكبر مندهشاً: كيف علم فضيلة الإمام ما فى قلوب هؤلاء الناس الذين وصفهم «بأنهم متربصون بالإسلام»؟.. والقرآن الكريم قد خص هذه الصفة لله سبحانه وتعالى فقط، وقال: «إن الله عليم بذات الصدور»!!. وضرب «إسلام» المثل بحرب الأزهر على الشيخ على عبدالرازق عام 1925 بسبب كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، فكفّره قيادات الأزهر وعزلوه من مشيخة الأزهر، باعتباره مُهرطقاً، قائلاً: «هذه الكيفية التى يتبعها التنويريون المزيفون فى حربهم على الإصلاحيين الحقيقيين»!.

ومن «عبدالرازق» إلى «بحيرى» لم تختلف ثقافة التكفير فى مشيخة الأزهر، ونفى الآخر، لأنه مجدد أو مسيحى أو امرأة.. هذا هو تراثهم وعقيدتهم الراسخة وأداتهم السحرية لغزو المجتمع!.
نقلا عن الوطن