قصّة للأطفال : زهير دعيم
  في كُلِّ صَباحٍ ، عِنْدَما أَجْلِسُ عَلى شُرْفَةِ بَيْتي لأَشْرَبَ قَهْوتِي ، أُشاهِدُ الْمَشْهَدَ نَفْسَهُ . دَجَاجَةٌ سَوْداءُ ذاتُ رِيشٍ نَاعِمٍ ، تُقَرْقِرُ وَتَنْبُشُ الأَرْضَ بِرِجْلَيْها بَحْثًا عَنِ الطَّعامِ، 
 
  ثُمَّ تَمْضِي إلى حَنَفِيَّةِ الْجِيرانِ أَلّتي تَنْقِطُ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ ، وَتَبْدَأُ تَشْرَبُ مِنْهَا وَهِيَ تَرْفَعُ رَأْسَها أِلى السَّماءِ وَكَأَنَّهَا تَشْكُرُ اللهَ.
 
  وَكَالْعَادَةِ يَأْتِي بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةِ أَلْقِطُّ الرَّمَادِيِّ ذُو الْعَيْنَيْنِ  الْحَمْراوَيْنِ ؛  يَأْتِي هُوَ الآخَرُ بَاحِثًا عَنْ طَعَامِهِ ، فَيَفْتَحُ السَّلَّ الصَّغِيرَ وَيَبْدَأُ التَّفْتِيشُ لَعَلَّهُ يَجِدُ شَيْئًا يَأْكُلُهُ . وَكَثِيرًا مَا يَعُودُ هَذا الْقِطُّ مِنَ السَّلِّ عَاثِرَ  الْحَظِّ.
 
  قَدْ يَجِدُ الْقِطُّ الرَّمَادِيُّ طَعَامًا وَقَدْ لَا يَجِدُ ، وَلَكِنَّهُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ لا يَنْسَى أَنْ يَهِجُمَ عَلَى الدَّجَاجَةِ السَّوْدَاءِ ، وَيُطَارِدَهَا فَتَهْرُبَ مِنْهُ مَذْعُورَةً ، وَتَقْفِزَ فَوْقَ الْحِجَارَةِ وَالْأَشْواكِ.
 
  مَنْظَرٌ جَميلٌ اعْتَدْتُ عَليْهِ ، لَكِنَّهُ سُرْعانَ ما اخْتَفى مِنْ حارَتِنا ، فَها يَمُرُّ أكْثَر مِنْ عِشْرينَ يَوْمًا ، لَمْ أَرَ فِيها أَثَرًا لِلْدَجاجَةِ السَّوْداءِ.
وَتَساءَلْتُ : أَيْنَ ذَهَبَتِ الْدَجاجَةُ يا تُرى ؟
 
أَيَكونُ قَدْ ذَبَحَها أَصْحابُها ؟ أَمْ يَكُونُ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْها الْقِطُّ الرَّماديُّ وَأَكَلَها ؟
 
  إلى أَنْ جاءَ يَومٌ ، وَكَالْعادَةِ كُنْتُ أَجْلِسُ عَلى شُرْفَةِ بَيْتي أَشْرَبُ قَهْوتي ، وَإِذا أَرى الدَّجاجَةَ السَّوْداءَ تَنْبُشُ التُّرابَ بِرِجْليْها ، وَحَوْلها يُتَكْتِكُ خَمْسَةٌ مِنَ الصِّيصانِ الصَّغارِ .
 
صيصانٌ جَميلَةٌ مُلوَّنَةٌ ، فَهذا أَسْوَدُ الْلَونِ تَمامًا كَما أُمِّهِ ، وَذاك وَرْدِيُّ الْلَونِ ، وآخَرُ بُنْيُّ الْلونِ وَرابعٌ  أَبْيَضُ كالْثَلجِ وَخامِسٌ بِلوْنِ الشَّمْسِ.
  وَراحَتْ تُغنّي وَتَقول : 
يا صِيصاني يا حِلْوينْ
يا بَهْجَة قَلبي والعينْ
أِلْحقوني مُسْرعين 
نُوكُل قَمَحة وحَبّة تِينْ
أنْتو أَمَلي ، أنْتو حُبّي
أنْتو الْغَلا يا غاليينْ
وَيَرُدُّ الصّيصانُ : 
ماما  ماما يا حَياتي
إِنتِ لَحني ونغماتي
مَعْكِ بنسهَر 
مَعْكِ بنكْبَر 
الْيوم وبُكْرا والآتي
  نَظَرْتُ إِّلى الدَّجاجَةِ ، فَإِذا هِيَ سَعيدَةٌ ، رافِعَةُ الرَّأْسِ ، تَنْبُشُ التُّرابَ تارَةً ثُمَّ ما تَلْبَثُ أَن تَتَلَفَّتُ حَوْلَها تَطْمَئِنُ عَلى صِغارِها.
 
  وَفَجْأَةً ظَهَرَ مِنْ بَعيدٍ الْقِطُّ الرّمادِيُّ ، فَرَأَى الدَّجاجَةَ وَصيصانَها ، فَاقْتَرَبَ مِنْها على غَيْرِ عادَتِهِ ، فَقَدْ تَعَوَّدَ أَوْلًا أَنْ يَزورَ سَلَّ الْقُمامَةِ الصَّغيرِ ، وَلَكِنَّ مَشْهَدَ الدَّجاجَةِ والصِّيصانِ أَنْسياهُ السَّلَّ.
  قُلْتُ في نَفْسي : لَقَدْ عَلِقَتِ الْمِسْكينةُ ، فَكَيْفَ تَهْرُبُ وَتَتْرُكُ صيصانَها خَلْفَها ، لَقَدْ عَلِقَتْ.
 
  وَهَجَمَ الْقِطُّ مِنْ بَعيدٍ ، وَلَكِنَّ الدَّجاجَةَ لَمْ تَهْرُبْ هَذِهِ الْمَرَّةَ كَعادَتِها ، فَقَدْ جَمَعَتْ بِجَناحَيْها صيصانَها خَلْفَها ،  وَوَقَفَتْ عَلى رِجْلَيْها ، وَفَتَحَتْ مِنْقارِها وَزَعَقَتْ في وَجْهِهِ ، وَكَأَنَّها تَقولُ لَهُ : اقْتَرِبْ ..اقْتَرِبْ.
 
  وَلَمْ يَقْتَرِبِ الْقِطُّ  في  هَذِهِ الْمَرَّة ، بَلْ جَمَدَ في مَكانِهِ دَهِشًا . وَلَكِنَّ الدَّجاجَةَ لَمْ تَتْرُكْهُ بَلْ هَجَمَتْ عَليْهِ وَأَخَذَتْ تَنْقُرُهُ هُنا وَهُناكَ وَهُوَ يَهْرُبُ وَلا يُصَدِّقُ ما يرى.
 
 عادَتِ الدَّجاجَةُ  تُقَرْقِرُ وَتدعو صيصانَها بِتَكْتَكَةٍ جَميلَةٍ  وَتقول والصّيصانُ تُرَدِّدُ خَلْفَها :
ها ها ها 
خافْ الْقِطُّ وطارْ
وصارْ مثل الْفارْ
يُركُض شْمال
 يُرْكُضْ يَمين
عَ طولِ النَهارْ 
 ثُمَّ مَشَتْ أَمامَهُمْ رافِعَةَ الرَّأْسِ نَحْوَ حَنَفِيَّةِ الْماءِ.