يراهن العشرات من العلماء والأطباء المتخصصون في مختلف دول العالم على ملاحقة تفشي جائحة كوفيد-19، التي مازال الخط البياني لخطرها يواصل جنونه في العالم، وفيما لا يوجد حتى الآن دواء خاص لعلاج فيروس كورونا المستجد، إلا أن هناك العديد من الدراسات والأبحاث حول جدوى بعض العلاجات القديمة في علاج المرضى المصابين بالفيروس، والبعض منها أثبت قدرته على التخفيف من أعراض وآلام كورونا، وأنقذ حياة ضحاياه.

 
وعقار "ديكساميثازون" أحد هذه العلاجات، التي حققت مؤخرا نجاحا في هذا الصدد، إذ يؤكد خبراء في المملكة المتحدة إن العلاج باستخدام جرعة قليلة منه أتى بنتائج تعتبر تطورا كبيرا في المعركة ضد الفيروس القاتل، وثبت فاعلياته في تقليل عدد وفيات كورونا بمقدار الثلث بين المرضى الذين تم وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي، وبمقدار الخمس في المرضى الذين يحصلون على الأكسجين في غرف الرعاية المركزة، وذلك بحسب ما صرح به الدكتور محمود الشربيني، خبير العناية المركزة والحالات الحرجة، والطبيب المصري المغترب في المملكة المتحدة.
 
وفيما أثبت هذا العقار فاعليته، أشار الشربيني إلى أن أزمة كورونا جاءت لتزيد من وقع الأسباب، حيث تكالب الناس على شراء هذا العقار من الصيدليات دون وصف أو استشارة الطبيب، ظنا منهم أن تناوله يكسبهم مناعة ضد الإصابة بفيروس المرض، مشددا على أن هذا اتجاه خطأ تماما ومكلف، ويتسبب في نقص الدواء في الأسواق، الأمر الذي يجعل المستشفيات وغرف العناية المركزة تعجز عن تدبيره للمرضى المحتاجين إليه بالفعل لإنقاذ حياتهم خاصة هؤلاء الموضوعين على أجهزة التنفس الصناعي.
 
وفي حديث خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط من لندن عبر الواتس أب، حذر خبير الحالات الحرجة في مصر وبريطانيا من التناول العشوائي للعقار في أي من أشكاله الصيدلية سواء أقراص أو أمبولات حقن دون وصف أو استشارة الطبيب، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بما يعرف طبيا بظاهرة "عاصفة المناعة" التي ترافق الإصابة بفيروس كورونا، بل إنها ترافق مجموعة من الأمراض الأخرى كالسرطان ونوبات القلب ومجموعة الأمراض المتصلة باختلال عمل جهاز المناعة كالروماتيزم.
 
وشدد الشربيني على أن هذا العقار يستخدم فقط في علاج الحالات التي تحدث فيها "عاصفة المناعة"، وأن هذه الحالات موجودة في المستشفيات وفي غرف الرعاية المركزة، وأن اعتقاد العامة بأنه يمنح الجسم مناعة ضد الإصابة بفيروس كورونا خطأ طبي فادح، إذ يحدث العكس ويتسبب في تثبيط المناعة في حالات الكورونا البسيطة والمتوسطة والتي يتم علاجها عبر العزل المنزلي، حيث يحتوي العقار على مادة الكورتيزون، التي لا تستخدم في تلك الحالات.
 
وأشار إلى أن استخدام عقار الديكساميثازون بدأ تجربته منذ حوالي شهرين في عدد من المستشفيات البريطانية على المرضى الذين حدث لديهم نوع من (العاصفة المناعية) الشديدة جدا، ونتج عنها فيضان في دم المريض أو المصاب بمواد الالتهاب، والمعروفة علميا "بالسيتوكينز" وهي مواد مسببة للعاصفة المناعية، وتأكدت فاعليته في تقليل حالات وفيات الكورونا، حيث يحول الحالات الصعبة إلى متوسطة بنسبة تصل من 20 لـ30 %.
 
وعقار الديكساميثازون، هو نوع من أنواع الكورتيزون (كورتيكوستيرويد اصطناعي طويل المفعول)، بحسب وصف الشربيني، الذي أكد أنه يمنع إفراز المواد المسئولة عن الالتهاب، ويغير من استجابة الجسم المناعية. ويتم استخدامه في علاج العديد من الحالات منها، المشاكل الروماتيزمية، وعدد من الأمراض الجلدية، والحساسية الشديدة، والربو، وداء الانسداد الرئوي المزمن، ويمكن تناوله عن طريق الفم أو حقن عضلي، أو عن طريق الوريد.
 
وغالبا ما تظهر تأثيراته في غضون من يوم إلى ثلاثة أيام تقريبا، وقد ثبتت فعاليته في علاج بعض الحالات الشديدة من كوفيد-19.
 
وعن المقصود بعاصفة المناعة، شرح الدكتور محمود الشربيني أنها رد فعل قوي ومغلوط ومبالغ فيه، يصدر عن جهاز المناعة في الجسم، ففي الوضع الطبيعي، يتولى جهاز المناعة الدفاع عن الجسم وأعضائه وأنسجته وخلاياه. ويفعل ذلك بطريقة دقيقة، بمعنى أنه يصنع خلايا وأجساما مناعية مضادة، تعمل ضد ما يهدد الجسم، وعند غزو أي ميكروب للجسم، يستنفر جهاز المناعة ويضرب بالخلايا والأجسام المناعية المضادة ذلك الميكروب كي يخلص الجسم منه.
 
وعند اضطراب هذه العملية ينقلب جهاز المناعة ضد صاحبه، فيضرب خلاياه وأنسجته، ويصبح مصدرا للمرض، وفي حالة كورونا، يتحرك جهاز المناعة كي يضرب الفيروس، ويكون ضده أجساما مناعية، لكن المشكلة تأتي عندما يبالغ جهاز المناعة في رد فعله، وينتج الجهاز فيضان من الخلايا والأجسام المناعية، التي تعمل بطريقة "اعتباطية"، فتكون أشبه بعاصفة هوجاء.
 
وعندها تضرب عاصفة المناعة الجسم وتصيبه بأمراض، على غرار إصابة الرئتين بالتهاب رئوي حاد قد يصل إلى حد توقفهما عن وظيفتهما الأساسية المتمثلة في تزويد الجسم بالأكسجين، وبذلك يصبح المريض بحاجة إلى الحصول على الأوكسجين بواسطة أجهزة التنفس الاصطناعي، لإسعافه حتى لا يموت.