بقلم د . مجدى شحاته  

بين ايديكم المقال الخامس والاخير ، من سلسلة مقالات متواضعة ، اكتبها كمحاولة صادقة  لمجرد فهم وتفسير وتحليل الهجمة الممنهجة ، الغير مبررة ، المضللة ، والغير منطقية ، ضد قداسة البابا تاوضروس الثانى . هجمة وان كانت تبدو ضد البابا الا انها تهدف فى المقام الاول الى شق الصف وانقسام الكنيسة القبطية ، يقودها شخصيات معروفة واخرى مستترة  ، بغرض تحقيق مآرب شخصية  بحته ، حيث يجندون كتائب الكترونية ، لايدرون ولا يدركون ماذا يفعلون . كتائب تعمل على تضليل الرأى العام ، يلعبون بالنار التى  تحرق الاخضر واليابس . وليدرك الجميع ، سواء الشخصيات المعروفة أوالمستترة منهم ، ان ابواب الجحيم لن تقوى على كنيسة الله المبنية على الصخر ، وكل من يحاول النيل منها يكون هو الجانى على نفسه ، فان هو سقط  على الصخر سيتهشم ، وإن سقط الصخر عليه سيسحقه .      
 
البابا تاوضروس الثانى ، عندما زار البرلمان الاوروبى فى واحدة من زياراته الرعوية ، وكما هو متبع ، سألوا قداسته عن وضع الاقباط المسيحيين فى مصر فأجاب : " تحدث مشكلات كما تحدث فى كل الدنيا ، لكننا نحاول حل تلك المشكلات فى اطار الاسرة الواحدة . فنحن بلد كبير 100 مليون مواطن ، ومن المتوقع حدوث مشكلات كأى دولة فى العالم . المهم كيف نعالج تلك المشكلات ، ونحن نتقدم خطوات للمستقبل " اجابة صادقة واعية حكيمة .     قداسة البابا تاوضروس الثانى ، مثل سائر البابوات السابقون يُعلى دائما من شأن مصر . يرفض بشدة الاستقواء بالخارج . نذكر له عندما تصدى بقوة  لمشروع الكونجرس الامريكى  عندما اقترح أعضاء الكونجرس ترميم الكنائس التى دمرها وأحرقها المتطرفون فى اغسطس 2013 . وقال البابا مؤكدا : " الكنيسة لا تطلب حماية من أحد ، لأن الاستقواء يكون بالله وحده  . وليس بالخارج . " وبالفعل قامت الدولة المصرية باعادة بناء وترميم كافة الكنائس والمبانى المتضررة على أحسن ما يكون .  نفس النهج من الوطنية الخالصة ، لسلفه قداسة المتنيح البابا شنوده الثالث . وهنا يحضرنى أحد المواقف الوطنية لقداسة البابا شنودة :  نقلا عن جريدة " اليوم السابع " فى 13 يناير 2011  والعدد 1139 فى 6  يناير 2011 فى حضور قناتى أغابى  (وسى تى فى ) حيث أشار الانبا أرميا السكرتير الشخصى للبابا شنوده الثالث فى ذلك الوقت ، ان قداسة البابا شنوده الثالث لا يسمح لأى طرف اجنبى بالتدخل فى شئون مصر، واستغلال الاقباط كوسيلة للتدخل فى شئون مصر الداخلية ، حدث ذلك خلال  زيارة السفيرة الامريكية مارجريت سكوبى الى المقر البابوى ،  لتقديم واجب العزاء فى ضحايا الهجوم الارهابى على كنيسة القديسين بالاسكندرية ، الذى سقط فيه عشرات الضحايا . وقال قداسة البابا شنوده  للسفيرة الامريكية : " ان الحادث الارهابى لم يستهدف المسيحيين فقط ، وانما أستهدف النسيج الاجتماعى المصرى من المسلمين والمسيحيين ، مؤكدا ان الاقباط  لا يعانون من اضطهاد . وان هذه الحادثة الارهابية أثبتت ان مصر شعب واحد مسلمين ومسيحيين . وقال قداسة البابا شنودة مقولة قوية للغاية : " اذا كانت أمريكا ستحمى الكنائس فى مصر ، فليمت الاقباط وتحيا مصر " . لقد توقفت أمام هذه العبارة الخالدة كثيرا !! كما توقفت كثيرا أيضا ، أمام عبارة البابا تاوضروس الثانى التاريخية التى قال فيها : وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن " . العبارة الخالدة  لمثلث الرحمات البابا شنودة  الثالث ، تتطابق تماما وتحمل نفس المعنى ونفس المفهوم الوطنى العظيم ، مع العبارة الخالدة التى قالها قداسة البابا تاوضروس الثانى  والتى أشاد بها العالم : " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن " . العبارة التى انقذت البلاد من الانزلاق الى حرب طائفية مدمرة . هكذا يتكلم آباء الكنيسة القبطية الكبار العظماء ، يتكلمون بالحكمة والتريث والعقلانية . هكذا يعرف ويقدر ويثمن آباء الكنيسة القبطية ، قيمه الوطن والمواطنة ، ومدى حبهم واخلاصهم لمصر ، هكذا يُعلِم آباء الكنيسة القبطية العريقة مفهوم ومعنى المواطنة وحب الوطن لكل العالم .    
 
هاجموا قداسة البابا تاوضروس واتهموه  بالخروج عن الايمان الارثوذكسى  ، حينما سمح لوفد كاثوليكى قادم من الفاتيكان ، باقامة قداس  داخل دير السريان بوادى النطرون فى يونيو 2018 . هجوم سافر لا يمكن ايجاد أى مبرر له ، سوى انه هجوم  رخيص يؤكد مدى التفكير المتدنى ، وان الهدف هومجرد تلفيق اى اتهام ، حتى لو كان زورا ، وبهتانا  وكذبا ، وتدليسا ، بغرض التأثير على عقول البسطاء ، وتشويه صورة البابا بأى شكل ، والعمل على اتساع الهوة بين الطوائف المسيحية . ان اقامة قداس كاثوليكى فى دير ارثوذوكسى  ليس  بدعة  ولا هرطقة ولا تفريط فى العقيدة ولا خروج عن الايمان . ان الأمر تقليدى وعادى جدا . فكثيرا ما أقامت وتقيم وستقيم ، الكنيسة القبطية الارثوذكسية قداسات فى كنائس كاثوليك او كنائس انجيلية فى دول  المهجر واوروبا ، باستخدام اللوح المقدس المدشن  بالميرون ، اذا دعت الضرورة  لذلك  .
 
انتقدوا قداسة البابا عندما قام بزيارة الفاتيكان فى زيارة رعوية  مسكونية  التقى فيها مع قداسة  البابا فرنسيس بابا الفاتيكان ، وذلك فى مارس 2013  . وقد قام قداسة البابا فرنسيس برد الزيارة ، فى ابريل 2017 ، فكانت زيارة تاريخية ، نالت أهتمام العالم . وقد استقبلت مصر البابا فرنسيس استقبالا رسميا حافلا كرئيس دينى وأيضا كرئيس دولة . حيث استقبلة الرئيس عبد الفتاح السيسي وكبار رجال الدولة فى قصر الاتحادية . وقد اتسمت الزيارة بالصفات الحوارية والرعوية والمسكونية . فلاشك ان تبادل الزيارات بين الكنيسة القبطية الارثوذكسية والفاتيكان ، يأتى تعبيرا عن قوة وتماسك ووحدة  الايمان . " ليكون الجميع واحدا ، كما انك أنت أيها الآب فى وأنا فيك ، ليكون هم أيضا واحدا فينا " ( يو 17 : 20 ) . ان الوحدة ليست مجرد فضيلة ، او تفاعل انساتى راق ، بل هى أساس لاهوتى بدونها لا يكون الانسان مسيحيا .   
 
 لم يسلم البابا تاوضروس من النقد أيضا ، حينما التقى فى أول لقاء تاريخى والاول من نوعه  مع العاهل السعودى جلالة الملك سلمان عبد العزيز خلال زيارته للقاهرة . اللقاء الذى مهد الطريق بكل مودة ومحبة ، ليسافر نيافة الانبا مرقص مطران شبرا الخيمة ، الى المملكة العربية السعودية  ، ليقيم اول قداس للكنيسة القبطية الارثوذكسية فى تاريخ المملكة العربية السعودية .   
       
هاجموا قداسة البابا تاوضروس ، واتهموه  زوراً وبهتاناً بالتهاون فى الايمان ،  لمجرد مشاركته فى اجتماع بطاركة الكنائس الارثوذكسية ( السريان والهند والارمينية ) فى 2018 والى هذه اللحظة لا أعرف ما هو الخطأ فى لقاء بطريرك الاقباط الارثوذكس مع بطاركة السريان والهند والارمن الارثوذكس ؟؟؟  ألم اقل من قبل ، اناس يتربصون للسقطة واللقطة  ؟؟ ويتصدرون فى الفارغة والمليانة !! الهدف تحريك مشاعر الناس البسطاء ، ليصدقوا هذه الاكاذيب وتلك الضلالات . مجرد سهام مسمومة فى جسد الكنيسة .. حملة مسعورة  من خلايا الكترونية لا ترعى ضميرا ولا تستحى خلقا ، مدفوعة من رؤس كبيرة  لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة ، يؤازرهم شخصيات مخفية خلف الستار . ولا يخفى عن القاصى والدانى ان لهؤلاء أهداف خفية ، يسعون لتحقيقها من خلال  اشعال حدة الخلافات بين تيارين فكريين داخل الكنيسة ، تيار مستنير غير متشدد يسعى للتنوير وعدم الانغلاق ، وتيار تقليدى منغلق يميل الى الرأى الاحادى المتشدد .    
 
لاشك ان من أخطر الحروب الشرسة التى تهدد امن وسلامة الاوطان ، هدم الرموز الدينية . خاصة لو كانت رموز وطنية مخلصة للوطن ، ولها دور وطنى فى الحفاظ على وحدة ابناء الوطن الواحد . فى حديث لقداسة البابا لقناة ( اكسترا نيوز ) بتاريخ 26 يوليو 2020 . قال عن الذين يهاجمونه عبر وسائل التواصل الاجتماعى  : " أعلم الكثيرون منهم فى مصر ، الا ان من بينهم شخصا أو اثنين من رجال الاكليروس ، وهى حالة نادرة . " وأضاف البابا قائلا : " لا أرى تبريرا للهجوم ، ان يخرج شخص ويقتطع كلمة تقال و ( يلوى ) معناها . فواضح أن وراءها خبثاً وأُناسا منتفعين . ولدينا بيانات لبعض الناس بأدلة وأماكن ، ولكننا لم نلجأ الى القضاء . " وعن عدم اتخاذ البابا إجراءات قانونية ضدهم . رد قائلا : " انتظر ممن يقوم بالهجوم بأن يتوب ويرجع لنفسه ، لأن عواقب الامور خطيرة . وأحد عيوب السوشيال ميديا انها أعطت للانسان إحساسا بانه يملك الدنيا "  هكذا يرد ويتعامل قداسة البابا تاوضروس الثانى ، طيب القلب ، الوديع ، المحب ،  المتسامح ، العطوف ، المستنير ، مع كل من يهاجمونه ، بكل العنف وبكل القسوة ، بلا رحمة وبلا احترام وبلا حياء .الاحباء الذين خارج الصف الذين يتطاولون ويهاجمون  قداسة البابا تاوضروس ، عليهم ان يرجعوا  للتاريخ ، ويرجعوا لأنفسهم ، ففى التاريخ عبرة ، ودروس مستفادة ، لندرك من التاريخ أيضا ، ما الذى كان يمكن ان يحدث مع هؤلاء الاحباء .