الدكتور نجيب جبرائيل
منذ أكثر من ثمانية وعشرون عاماً أو تزيد على وجه التدقيق فى عام 1973، وكنت حينذاك طالباً فى كلية الحقوق عين شمس، وعهد إلى بصفتى أميناً للأسرة الإتصال بالمتكلمين، فمنذ ذلك التاريخ بدأت معرفتى باللاهوتى العالم المتبحر مثلث الطوبى الأنبا غريغوريوس، عندما دعوته لإلقاء كلمة فى أسرة الكلية، فأختار نيافته أن يكون عنوانها (المحامى والحق)، وكيف انتهى فى تفصيل هذه المحاضرة من أن السيد المسيح هو المحامى الأعظم، ومنذ ذلك التاريخ وبدأت علاقاتى بنيافته عندما تخرجت وإبان عملى كوكيل نيابة، وقاضى ورئيس محكمة كنت أتردد عليه بين الحين والآخر، ولم تكن جلساتنا تقل عن ساعتين أو ثلاث، حتى كنت أفضل أن أختار آخر ميعاد، فيمتد بنا اللقاء إلى اقتراب موعد الفجر، نتناقش فى أمور وموضوعات شتى منها اللاهوتية والقانونية والاجتماعية حتى أحداث الساعة .
 
وأذكر أن ذهبت إليه ذات يوم وكنت أطلب لقاءاً على عجل لبحث أمر هام، وكان ذلك تقريباً فى أوائل الثمانينات أثر صدور حكم من محكمة الزقازيق الإبتدائية، فجر مشكلة هامة، وهو جواز تعدد الزوجات فى المسيحية، تلك المشكلة التى حسمتها محكمة النقض فى عام 1979، فذهبت إليه كى أعرض عليه صورة مذكرة كتبتها للرد على هذا الحكم، فوجدته حجة قانونية أبرع من أساطنة القانون وأمهر من سدنه العدالة، فكتب مذكرة ممتلئة بالشواهد الكتابية والدعائم القانونية، إلى أن إنتهى الأمر فى محكمة الإستئناف بفضل نيافته إلى إلغاء هذا الحكم، عهدت نيافته رغم بساطته وتواضعه أنه مدققاً فى كل شئ .
 
وأذكر يوم عندما انتهيت من مؤلفى الشهير بطلان الزواج وأسباب التطليق فى الشرائع المسيحية، فوددت أن يكون تقديمه بقلم الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات القبطية والبحث العلمى، فلم يتردد نيافته فى أن يقدم هذا الكتاب، ولكن الملفت للنظر أن أوراق هذا الكتاب ظلت فى مكتب نيافته لأكثر من شهر، يبحث كل سطر كل كلمة حتى وجدته عالماً أيضاً وبليغاً فى اللغة العربية وأسلوب البلاغة، فإذ به يصحح بعض الأخطاء فى اللغة العربية فى بعض أجزاء الكتاب .
 
عرفته مشجعاً ومحفزاً على الإشتراك فى العمل الوطنى، فعندما أردت أن أتقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب عن دائرة شبرا، فقلت فى نفسى أستشير وآخذ رأى نيافته فى هذا الأمر، فتناقشنا فى الأمر وكان لتشجيعه لى أكبر الأثر فى الحصول على نسبة عالية جداً من الأصوات، عرفته مخلصاً ومدافعاً عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وعلى الأخص وقفته العظيمة إبان وضع قداسة البابا شنودة الثالث فى دير الأنبا بيشوى قيد التحفظ أمام الرئيس الراحل السادات، هذا هو الأنبا غريغوريوس فى محبته وتواضعه وبساطته ودقته وعلمه، نفعنا الله ببركة صلواته فى الكنيسة المنتصرة.