تحديات علمية في مواجهة علوم التطور (8)
رأفت تادرس
عزيزي القارئ
في الحلقتين الماضيتين كنا في رحلة سويا الى الشمس حيث تعرفنا على بعض السمات والظواهر الخاصة بذلك المخلوق العظيم ورأينا روعة وابداع تصميمه، والآن دعونا، بما اننا انطلقنا الى خارج كوكبنا الأزرق، نتأمل في بعض الظواهر التي تقابلنا متسائلين كالعادة عن مدلولاتها وهل هي تشير الى كون تطور من ذاته خلال مليارات السنين كما تفترض نظرية التطور ام تشهد عن خالق عظيم صممه وابدع في خلقه، إذن فلنربط الأحزمة ونشحذ الحواس والذهن.

 ذنب المذنبات قصيرة العمر   


تمثل المذنبات معضلة عويصة لدعاة التطور والعمر الطويل للكون، فعمرها، من ناحية، هو من عمر المجموعة الشمسية، ومن ناحية أخرى تشير القياسات ان لها عمرا قصيرا لا يتعدى العشرة آلاف سنة فقط، فهل تقول المذنبات للتطور وملياراته وداعا؟ والآن الى بعض التفاصيل.

بعد منتصف يوليو 2020 ولمدة عشرة أيام استطاع ملايين البشر التمتع بالمنظر الخلاب لمذنب نيووايز (Neowise) بعدما عبر بقرب الشمس حيث كاد ان يتلاشى من حرارتها ولكنه نجا وأكمل سيره مقتربا من الأرض في بعد يسمح برؤيته مع "ذنبه" المشع بالعين المجردة.

يصل عدد مذنبات مجموعتنا الشمسية المكتشفة حتى الآن الى قرب السبعة آلاف مذنب، وكل منهم شاهد على ان عمر المجموعة الشمسية قصير بآلاف السنين.

ما هي المذنبات؟ ومن اين أتت؟
المذنبات هي أجرام فضائية صغيرة وغير منتظمة الشكل يتراوح حجمها بين مئات الأمتار وعشرات الكيلومترات وتتخذ عادة مسارات بيضاوية قصيرة او طويلة، تتكون نواتها من خليط من الصخور والأتربة والثلج، وفوقها طبقة كبيرة متجمدة من ثلج مخلوط بغازات متجمدة مثل ثاني أكسيد الكربون والامونيا والميثان. أهم ما يميز المذنبات هو الذيل المشع "الذنب".

يقسم العلماء المذنبات بحسب طول مداراتها الى "طويلة المدار" وتلك تحتاج أكثر من 200 سنة لتكمل مدارها حول الشمس، وأخرى "قصيرة المدار" وتلك تدور حول الشمس في اقل من 200 سنة بسبب مدارها القصير وهذه عمرها أيضا قصير لسرعة ذوبان ثلوجها. وعدد هاتين المجموعتين متساو تقريبا.

المذنبات لا تتكون او تتجدد ولا تنتج عن انفجار او كبقايا اصطدام والا كان ثلجها سيذوب في لحظة، لذلك يفترض التطوريون انها من بقايا السحابة السديمية التي كونت المجموعة الشمسية وبالتالي فعمرها من عمر المجموعة الشمسية. أما الخلقيون فلا مشكلة لديهم ان رأوا فيها لمسات أصابع القدير.

وما هو ذنب المذنبات؟
تتسبب حرارة الشمس في إذابة الثلج والغازات المتجمدة على قشرة المذنبات عند اقترابها من الشمس، والذنب هو ما يفقده المذنب من غبار وبخار ماء وغازات فتتبخر وتنحل أتربتها وتفقد تلك الطبقة، والذنب المنير هو أثر الأشعة القادمة من الشمس عليه فيما يسميه العلماء "تأين، Ionisation" .

وما هو مصير المذنبات؟
المذنبات بطبيعتها قصيرة العمر نسبيا حيث لا تبقى لأكثر من عشرة آلاف سنة ، ومصيرها هو التلاشي او الهروب او الانجذاب
•    التلاشي: بعد ان تفقد مادتها الثلجية او الغبار حيث تكفي عدة دورات قليلة بقرب الشمس لكي تتحول الى نيزك معتم او تحترق بكاملها في حرارة الشمس تاركه غبارا وأتربة.

•    الهروب: بعض المذنبات تخرج الى ما وراء المجموعة الشمسية ولا تعود ثانية،

•    الانجذاب: والبعض الآخر يقع فريسة لجاذبية الشمس او كواكب أخرى كالمشترى وغيره، مثل مذنب شوماخر ليفي الذي اصطدم بكوكب المشترى سنة 1994

كيف يفسر التطوريون وجود النيازك بتلك الوفرة؟
فشلت كل محاولات التطوريين في إطالة عمر المذنبات، فكل فرضياتهم في هذا الإتجاه تحطمت على ما تسجله البيانات الواردة من المراصد الفضائية وغيرها. وحتى لو صحت الاعمار التي يفترضونها التطوريون، تبقى الاعمار بآلاف السنين فقط بما لا يقدم أي تفسير لوجود النيازك حتى الآن بعد مليارات السنين المفترضة بواسطة نظرية التطور.

المحاولة الأخرى التي قدموها هي الادعاء بوجود "مخازن" هائلة تحوي ملايين بل وتريليونات من المذنبات في الفضاء الخارجي، وهذا ما يسمونه "حزام كويبر" و "سحابة اورت"

حزام كويبر وسحابة أورت (تحت طاقية الإخفاء)


رسم توضيحي يبين الموضع المفترض لسحابة اورت وحزام كويبر حول المجموع الشمسية

أبرز التفسيرات التي قدمها التطوريون للرد على غياب التفسير لوجود المذنبات هي محاولة قدمها العالمان الهولنديان Gerard Kuiper في 1951 ثم Jan Oort في 1961  فيما يعرف الآن بحزام كويبر وهو الذي ينتج مذنبات قصيرة المدار أي تكمل دورتها في أقل من 200 سنة، وسحابة أورت التي تنتج المذنبات ذات الدورات الطويلة، وافترضا وجود تجمع هائل لأجرام ثلجية في الفضاء بها ملايين او مليارات (البعض وصل الى مئات التريليونات) من تلك الأجسام التي تمثل "معمل انتاج" للمذنبات، وقالا ان مكان هذه التجمعات هو الحافة الخارجية للمجموعة الشمسية حيث تحفظ درجة الحرارة المنخفضة بعيدا عن الشمس المذنبات في حالة كمون او خمول، وتفترض النظرية ان مرور الاجسام الفضائية الكبيرة بقرب النيازك تنشطها وتجعلها تغادر مدارها متخذة مدارا آخر، واحتفل علماء التطور بهاتين الفرضيتين كحل لمشكلة العمر القصير للمذنبات ونادوا بأن هناك مخزونا كافيا لإنتاج المذنبات وتعويض ما يختفي او ينتهي عمره منها. 

الاعتراضات على حزام كويبر وسحابة أورت
•    مرور جسم كبير عبر تلك المنطقة سيحرك الملايين من المذنبات قصيرة الدورة مقابل كل مذنب طويل الدورة، هذا عكس ما نراه.
•    لا تستطيع تلك النظرية تقديم تفسير مقبول للشكل المميز لمدارات المذنبات.

•    قدم العالم الأمريكي Danny Faulkner بحثا في 2017  تساءل فيه عن سبب عدم تصادم تلك الأجرام سوية مثلما ما يفترضونه عند تكون الكواكب والشمس وقال انها لا يمكن ان تستمر كل تلك المليارات من السنين بدون ان تصطدم ببعضها.

•    طاقية الإخفاء على رأس المارد الهائل:
هل تتذكرون الفيلم المصري القديم "طاقية الإخفاء" عن تلك الطاقية السحرية التي تخفي من يرتديها وتجعله غير مرئي؟ قدم التطوريون دليلا دامغا على وجود تلك الطاقية السحرية بادعائهم وجود "كويبر" و "اورت"، فظاهرة على مثل هذا القدر الهائل من الكثرة والضخامة تبقى "مخفية" بدون أي أثر ولو ضئيل، فالحديث هنا عن اجرام سمائية بالمليارات وقد تصل الى مئات التريليونات عددا ولكن تبقى كلها بلا أثر او صورة او دليل بالرغم من وصول المراصد الفضائية الى قرب تلك المنطقة وفقدان أي دليل على وجودها! هي كيان موجود فقط في اوراقهم البحثية بدون ان علاقة بالواقع وانما فقط بهدف انقاذ عقيدتهم التطورية والسماح برفض الخلق والخالق.

فهل يلومون إيماننا بالإله المصمم الرائع الذي لا يحتاج الى مليارات السنين بل الكل قائم بكلمته، بينما يطالبوننا بالإيمان ب "طاقية الإخفاء"؟

الحقيقة النابهة عن المذنبات واذنابها
المذنبات تشهد عن قصر عمر الأرض والمجموعة الشمسية وانه فقط منذ آلاف قليلة من السنين، فلا وقت للتطور بل الكل كائن بكلمة فم الخالق المبارك

جريرة المجرات


ما اقصده هنا بالجريرة هي أذرع المجرات التي تلتف حولها وتأخذ في أغلب الحالات شكلا حلزونيا ملتفا حول المجرات، والمجرات الحلزونية Spiral Galaxies ذوات الأذرع الملتفة هي النوع السائد من المجرات بنسبة حوالي 72% من كل المجرات المكتشفة حتى الآن ، والوقت لا يلعب لصالح تلك الأذرع التي لا تحتاج الا الى بضعة آلاف من السنين لتختفي بالتبعثر او بإحكام الالتفاف حول المجرة.

 لماذا توجد للمجرات أذرع؟
تمتد تلك الأذرع من المجرات بسبب ان النجوم قرب مركز المجرة تلتف حول المركز بسرعة أكبر من النجوم على الاطراف، لذلك تأخد النجوم التي بقرب حافة المجرة شكل الأذرع الممتدة. المشكلة هنا هو ان هذا الشكل الحالي يشير الى عمر قصير للمجرات، أما العمر الطويل فكان سيجعل النجوم في أذرع المجرات ستتبعثر او ستكون الأذرع قد التفت تماما حول مجراتها ملتصقة ببقية نجوم المجرة. والآن الى بعض التفاصيل.

تاريخ نظريات أذرع المجرات
بدأت المشكلة في ثلاثينيات القرن الماضي عند رصد المجرات وتحديد اشكالها وسرعة دورانها مما دعا العلماء الى وضع نظريات عن كيفية تكون المجرات بهذا الشكل ووجدوا ان هذه الاشكال مع السرعات التي رصدت لا يناسبها الا ان تكون المجرات صغيرة العمر.

يمكن التعرف سريعا على اذرع المجرات لأن بها الكثير من النجوم الزرقاء وتلك ساخنة وشديدة التوهج مما ينير الأذرع المشبعة بالغبار الكوني.

أثبتت نماذج الحاسوب ان مركز مجرة مثل مجرتنا "درب التبانة" يدور حول محورها في عدة آلاف من السنين، بينما تحتاج أطراف المجرة الى حوالى 200 ألف سنة لتكمل تلك الدورة، وهذا الفرق هو الذي يجعل الأذرع تتشكل قبل اكتمال الدورة الأولي للمركز في بضعة آلاف من السنين فقط قبل ان تتبعثر نجومها او تحكم التفافها على المجرة بعد مرور زمن أطول، فكون عمرها 13.2 بليون سنة لا يناسب ذلك على الاطلاق لوجود الاذرع.  ويمكن التأكد من هذا بتجربة بسيطة بوضع رمال فاتحة اللون في وعاء عميق ثم رش طبقة خفيفة من رمال أخرى داكنة اللون عليها، فعند محاولة تقليب الرمال من المركز مثلا باستخدام معلقة كبيرة ستجد انها تأخذ شكلا حلزونيا بعد اول نصف لفة قبل ان تتمازج تماما بعد لفتين فقط.
محاولات الرد من التطوريين

قدم علماء التطور عدة محاولات لتفسير وجود أذرع المجرات بهذه الصورة، هذه نبذة سريعة عن أهمها:
•    نظرية قدم الضوء القادم من المجرات: رد التطوريون هنا بأن الضوء القادم من المجرات قديم ولا يعكس الصورة الحالية. لاقى هذا التفسير العديد من الاعتراضات من قبل التطوريين ذاتهم لعدة أسباب اهمها ان العديد من المجرات البعيدة جدا التي تبعد مليارات السنين الضوئية تعطينا نفس الصورة التي نراها في المجرات القريبة مع ان الفارق المفترض في مليارات السنين حتى يصل الضوء الينا كان سيعني بالضرورة تباينا في شكل المجرات.

الخلقيون لا يرون هنا مشكلة لأن الأبحاث الحديثة تثبت تغير سرعة الضوء بالتباطؤ والتسارع الشديدين وكذلك نكتشف ان المجرات تتباعد بسرعة أكبر كثيرا من توقع العلماء. ولهذا الأمر حديث طويل يحتاج مناقشة مستقلة.

   •    فرضية المادة المعتمة Dark Matter (العلبة دي فيها ايه؟ فيها فيل)
يدعي علماء التطور أن نظريات المادة المعتمة ظهرت منذ القرن السابع عشر، أما التطور الحديث لتلك النظرية فبدأ في سنة 1933 عندما قدم عالم الفلك السويسري فريتز تزفيكي Fritz Zwicky نظرية "المادة المفقودة Missing Matter" التي تطورت فيما بعد لنظرية "المادة المعتمة Dark Matter"، وهذه تقول أن المادة المعروفة والمرئية حاليا في الكون تمثل مجرد 2% من المادة الموجودة بالفعل، واما ال 98% فهي مادة معتمة لم يمكن اكتشافها حتى الآن! ظن علماء التطور انهم وجدوا "الحل السحري" في تلك المادة المعتمة التي جعلوها مسؤولة عن إبطاء حركة أذرع المجرات لتبقى على شكلها هذا.

رد علماء الخلق على فرضية المادة المعتمة:
يقول علماء التطور انهم لا يعرفون ما هي المادة المعتمة، فهي لا تعكس الضوء وليس لها اشعاعات ولا يمكن قياسها ولكننا لا بد ان نؤمن بأنها موجودة وإلا صرنا جهلة وأغبياء ومضادين للعلم!  اما عن مصدرها، فبعضهم يقول انه "طاقة معتمة Dark Energy" وتلك بالطبع لا يمكن قياسها! هم يؤمنون بما لا يرونه أو يقيسونه مع انه يمثل 98% من الكون ويفتخرون بأن نظريتهم منذ القرن 17 لكنهم بعد تلك القرون لم يكتشفوا تلك المادة الخفية، ثم يتهموننا نحن بأننا نؤمن ايمانا أعمى بما لا نراه! على غرار "طاقية الإخفاء" السحرية أتذكر جملة الفيلم المصري العبقري "العلبة دي فيها ايه؟ فيها فيل" ما أجملها من عبارة تصلح لحل مشاكل التطور!

ويبقى أهم دليل على تلك المادة المعتمة هو مئات رسائل الدكتوراه التي تناقش المادة السحرية الخفية.

القول البهارات في أذرع المجرات
ادعاء ان أذرع المجرات موجودة وثابتة حتى بالمادة الداكنة هو خطأ وإلا كان سيؤدي الى اختفاء أذرع المجرات مباشرة مع بداية تكوينها بسبب مقاومة تلك المادة المعتمة. وبهذا فشكلت كل محاولات تفسير بقاء أذرع المجرات.

وبناء عليه يكون عمر المجرات والكون كله قصيرا جدا ولا يوجد حل بديل الا ان يكون الله خلق الكون بمجراته بهذا الشكل هكذا ومع بداية تحركها منذ آلاف السنين اتخذت الأذرع شكلها الحالي.

عزيزي القارئ
ما زال هناك الكثير جدا مما نراه في الخلق العظيم للسماء والكون المهيب، ولعل لنا عودة ثانية اليه، لكن اسمح لي ان نعود معا ليس فقط الى الأرض، بل الى أدق اجزائها وهي الذرة، سنرى أعاجيب الذرة وتكوينها ونتساءل عن القوة التي صممتها وكونتها وهل هو "الانفجار العظيم" الذي صممها ومنحها خصائصها، ام هي لمسة أصابع خالق فائق الحكمة اعتني بتفاصيلها بكل دقة؟
فحتى ذلك الحين، ابقي سالما

المراجع
   موقع د. غالي http://drghaly.com/articles/display-media/html/12182
   موقع استرونومي https://astronomy.swin.edu.au/cosmos/C/Cometary+Gas+Tail
   موقع ويكيبيديا https://en.wikipedia.org/wiki/Comet
   موقع سبيس https://www.space.com/19855-shoemaker-levy-9.html
   https://answersingenesis.org/astronomy/comets/oort-cloud-no-evidence-required/
   موقع د. غالي http://drghaly.com/articles/display-media/html/12187
   موقع سبيس https://www.space.com/22382-spiral-galaxy.html