القمص رافائيل افا مينا
+ من المتعذر علينا حقاً أن نقترب من شخصية البابا كيرلس السادس إذا لم تكن لنا خبرة حقيقية بحياة الشركة مع الله. ولا يمكننا بالتالى أن نفهم حياة هذا الرجل القديس، ما لم نكن نعرف معنى الصلاة بالروح والحق.. لقد كان قداسته دائب الصلاة .. يصلى ولا يمل.. لا يفتر لحظة عن التسبيح.. فى قلايته.. أو فى مقابلاته..  أوفى سيره، أو عند تناول الطعام.. دوماً يتلو المزامير، رافعاً لله عقله، وقلبه، وكل حواسه..

+ كانت الصلاة مصدر تعزياته، ووسيلته لحل ما استعصى من المشاكل.. والمرشد لاتخاذ القرار الحاسم

+ فهناك فى قلايته بعيداً عن الأعين كان يقضى أوقاتاً طويلة فى صلوات عميقة طارحاً أما الله كل المشاكل طالباً من أجل أولاده، ومن أجل الكنيسة والبلاد

+ لقد كانت حياة البابا كلها صلاة. وكانت الصلاة أيضاً هى حياة البابا. كان البابا يبدأ عادة فى الثالثة صباحاً مهما تأخرت ساعة إيوائه للفراش.. يقوم ليصلى مزامير نصف الليل، وبعدها يتجه إلى الكنيسة ليؤدى التسبحة التى يشبهها بالمن الذى كان يجمعه بنو إسرائيل قبل شروق الشمس، والذى إذا ما أشرقت الشمس يسيل ولايمكن جمعه.. وكان يصليها فى قلايته إذا كان متعباً، ولا يقوى على مغادرتها.. وكنت أسمعه يرددها بتمعن وتلذذ عميق.

+   وروى قداسته واقعة حدثت لمرتل بيعة فى إحدى قرى المنوفية ليبين أهمية هذا الطقس - شأنه فى ذلك شأن كل طقوس البيعة - كان لذلك المرتل ابن كسول لا يريد حفظ صلوات التسبحة فكان يعاقبه. وذات مرة ضربه ضرباً موجعاً وحبسه فى الكنيسة، وجلس الولد يبكى حتى جاءته امرأة وربتت على كتفيه، وقالت له: "مالك يا ابنى؟" فقال لها: "أبويا ضربنى دون أن أعمل شيئاً" فقالت له : "يا ابنى أبوك عايزك تتعلم وتبقى كويس زيه .. اسمع كلام أبوك وأنا هساعدك"، وانصرفت المرأة، وبعد قليل رجع المرتل إلى ابنه ليراجع معه بعض الألحان التى سبق أن تعلمها، فوجده قد أتقنها فجأة، ولم يعرف الابن سر هذا الإتقان. ولكن أبوه إذ كان رجلاً تقياً

سأل ابنه: "ألم يحضر لك أحد ؟ " فقص الابن قصة المرأة التى حضرت له، فقال له " أنها القديسة العذراء مريم أم النور، سلام الرب له".

+   أما صلاة القداس الإلهى فقد كانت هى الكنز الذى يفتحه يومياً ليغترف منه التعزيات الإلهية، وليطرح أمام "حمل الله" كل متاعبه وآلامه.. كان يصليه فى هدوء وعمق بصوت منخفض، ووجه مطرق إلى أسفل، ويغمض عينيه.. وتكاد صلاته بلا لحن.. وفى وقار وخشوع ولم يكن يسمح لنفسه أن يتكأ على المذبح أو يخاطب أحداً..ومع صلاة القداس يزرف الدموع الغزيرة .. فالدموع هى بنت الصلاة، وكنا جميعاً كشمامسة نجد أنفسنا نبكى معه. والحقيقة أن قداسة البابا كان يميل إلى إقامة صلاة القداس كاملة بمفرده، ليشعر بالعزاء الأكبر: ولعلنا جميعاً قد لاحظنا فى بعض الأحيان أنه كان يحضر فى ليالى الأعياد القداسات المذاعة على الشعب، وأحيانا لا يشارك فيها لانه كان يقيم قداس اخر بعد ذلك ينتهي قرب الفجر.