چاكلين جرجس
حول الممارسة الصحفية وتفاعلها مع قضايا الوطن ، يحكى لنا الصحفى الكبيرعلى أمين: فى الأسبوع الأخير من أغسطس ١٩٤٧، أنه وضمن القضايا المعروضة على مجلس الأمن كانت قضية مصر، ووقف محمود فهمى النقراشى يعلن حق مصر فى المطالبة بالجلاء، ولم يتوقف رئيس الوفد المصرى عند هذا الحد، بل إنه قدم الوثائق التى حصل عليها مصطفى أمين لإدانة بريطانيا، لترتفع أسهم مصر، وترتفع معها كل الأصوات المؤيدة لحقها المشروع الضائع، وتلقت أخبار اليوم من مراسلها جورج ويليامز فى نيويورك أن الدعاية البريطانية قوية جدًا، وأنه سيكون لها تأثير مباشر، خصوصًا بعد أن كسبت مصر الجولة الأولى بعد عرض الوثائق السرية، التى حصلت عليها أخبار اليوم، والتى أدانت بريطانيا وأيدت حق مصر فى الجلاء.. وكان لابد من أن يصل صوت مصر إلى أمريكا وبسرعة، وفكرت أنا ومصطفى طويلًا وخرجنا بأخطر مشروع دعائى لقضية عالمية، وكان المشروع يعتمد بالدرجة الأولى على أن الرأى العام فى أمريكا لا يتكون بالمظاهرات ولكن بالخطابات، فخطابات الرأى العام فى كل موضوع تدل على اتجاهه ورغبته وتصميمه، إذن هى حرب الخطابات فى مجلس الأمن. أعضاء مجلس الأمن عددهم ١١ عضوًا وهم آنذاك: سوريا، أمريكا، فرنسا، روسيا، البرازيل، أستراليا، بولندا، بلجيكا، كولومبيا، الصين، بريطانيا، مع مصر صوت واحد هو صوت سوريا، المحاولة الآن هى كسب أى صوت من الأصوات العشرة الأخرى إن لم يكونوا جميعا، حتى مع السير أكسندر كادوجان المندوب البريطانى .
 
وكانت «أخبار اليوم» تريد للشعب المصرى كله أن يشعر بهذا الدور العظيم المهم، لذلك أعدت عشر صور «كارت بوستال»، كل صورة باسم مندوب من المندوبين العشرة فى مجلس الأمن، وخرجت «أخبار اليوم» تعلن حملتها الضخمة لكسب الأصوات لصالح مصر، وتحت عنوان كبير قالت «أعلن صوتك فى مجلس الأمن»، كانت فكرة مصطفى تقوم على أن كل هذه الأصوات ستدور فى الأمم المتحدة، وهذه النداءت ستثير اهتمامات أمريكا وصحف العالم كله، ولم تكن الحملة للمصريين فحسب، بل كانت أيضًا إلى قراء «أخبار اليوم» فى فلسطين ولبنان وسوريا وشرق الأردن والعراق والسعودية واليمن وليبيا والكويت والهند والحبشة وأمريكا الجنوبية أيضًا. وقد أحدثت هذه الفكرة الجديدة الجريئة ضجة فى صحف العالم العالم،وكانت البطاقات تقول:- إلى المندوب الأمريكى فى مجلس الأمن: لقد طردكم الإنجليز من أمريكا، فكان لكم عيد الاستقلال، فلماذا لا يكون لمصر عيدها.. حرروا مصر والسودان.
 
واشتركت " آخر ساعة " فى الحملة ونشرت صور البطاقات لتتيح الفرصة لمئات الألوف من المصريين ليعبروا عن آرائهم فى قضية مصر.. وحققت الفكرة نجاحًا ،وأصبحت حديث مجلس الأمن بأكمله، فقد كان بريد مجلس الأمن فى يوم واحد من البطاقات أكثر مما تلقاه من بريد طوال عام كامل، وكتبت جريدة النيويورك تايمز تقول: «إن حملة الشعب المصرى لطرد الإنجليز من مصر والسودان وقنال السويس اتخذت فجأة شكلًا جديدًا.. إن عاصفة من بطاقات الكارت بوستال هبطت على مجلس الأمن، إنها بطاقات عنيفة تهاجم الاستعمار البريطانى، لقد سقطت كالمطر على أعضاء المجلس فى «ليك سكس»، وهى بطاقات مرسلة من جميع البلاد العربية»، وقالت مجلة النيوزويك: «إن حملة أخبار اليوم لإعلان صوت مصر حملة قوية جريئة لصحيفة ناجحة لمحررين ناجحين وقراء يثقون تمامًا فى صحيفته».
 
و بعدها كتب مصطفى أمين فى ٧ سبتمبر يقول: " إن أخبار اليوم ليست لسان أحد، ولا تستوحى سياستها من أية جهة أو حزب، وإنما هى تعبر عن الروح الوطنى العام، وأن أخبارها وأنباءها واتجاهاتها لا تستمدها من أية جهة أو هيئة، بل هى من جهود محرريها ومخبريها ومراسليها"
 
أحببت أن أنقل بإسهاب تلك الذكريات على لسان أحد فرسانها الكبار في زمن تفاعل تاريخي من جانب أهل تلك المهنة العظيمة مع أحداث فترات ساخنة للاقتراب من مدى تفهم أهل تلك المهنة في تلك الفترة لدور الصحافة الوطني والإنساني والمهني في دعم الدولة وتحقيق أهدافها العامة والمرحلية ..
 
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي احتفل به العالم في بداية هذا الصيف ، تحت شعار "صحافة بلا خوف أو محاباة"، إلى أن الإعلام الرسمي استطاع أن يعزز من أجواء الثقة خاصة في زمن كورونا، ولاسيما لجهة الايجازات الصحفية العامة ، والتي كان لها الأثر الكبير في قطع دابر الإشاعة إلى حد ما ونأمل قي المزيد ..
 
لقد وقفت الصحافة المصرية موقفا ‏وطنيا مسؤولا في التصدي لهذه الأزمة، في رسالتهم وتصديهم للأخطار، مترجمين شعار هذا اليوم بصحافة بلا خوف، من خلال تغطيتهم المهنية في المستشفيات، ونقلهم المعلومات الدقيقة للمواطنين. وأوضح أن الإيجاز الصحفي هو من الجوانب المشرقة في تعامل الدولة مع أزمة كورونا، ذلك أن الحكومة حرصت على التواصل بشكل يومي منتظم مع المواطنين، مع أهمية هذا النهج الصحيح في التواصل ونقل المعلومات والحقائق. 
 
الصحفي في أي مجتمع له دور ويضطلع بمهمة ترتقي إلى مهام السياسي؛ لأنه يمارس دور الرقيب والراصد ليضع الرأي العام في قلب الحدث.