أحمد مصطفى
 يستغرب البعض من موقف الغرب، وتحديدا قواه الرئيسية كالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، من ممارسات تركيا/أردوغان ليس فقط في المنطقة شرق وجنوب المتوسط بل أيضا في القوقاز وعلى تخوم الاتحاد الأوروبي. وكذلك موقف الغرب أيضا من الجماعات الإرهابية، وجذرها الرئيسي تنظيم الاخوان وحملاته التلفيقية ونشر الدس المعلوماتي وتأجيج سبل الفتنة والصراع على أسس من الكراهية والعنصرية.

تلعب عوامل عدة دورا في جعل الغرب يغض الطرف عن تصرفات أردوغان العدوانية خارج حدود تركيا، وانتهاكه لكل المعايير الأوروبية داخل بلاده من تستر على فساد وتقييد لحرية الرأي وقمع للمعارضين. ليس أهم تلك العوامل عضوية تركيا في حلف شمال الاطلسي (ناتو)، فتلك العضوية تقوم على أسس جيوسياسية ولأسباب عملياتية لا تهتم كثيرا بمدى حسن سلوك الأعضاء، ولا كون تركيا ممر للغاز الروسي إلى أوروبا، ولا حتى أنها وجهه سياحية رخيصة تحمل عبق الشرق لسكان أوروبا.

قد يرى البعض أن انتهازية أردوغان تجعله يستغل ورقة المهاجرين، وإمكانية فتح حدود بلاده ودفع المهاجرين السوريين وغيرهم عبرها ليغرق دول أوروبا بهم كي يضمن سكوت الأوروبيين وقبولهم بما يقوم به، لكن حتى ذلك له حدود، وما كان يوفر له ذلك الغطاء الأوروبي الذي يصل أحيانا إلى حد الدعم غير المباشر. إنما العامل الأهم الذي يستغله أردوغان، وهو ما يحكم موقف الغرب من الإخوان ومشتقاتها الإرهابية، فهو الدين، وبشكل لا يختلف عن الاستغلال الصهيوني لعقدة أوروبا بشأن محارق النازي لليهود، رغم أن الغرب لم يرتكب محارق مماثلة بحق المسلمين.

لا يشعر الغرب بعقدة ذنب تجاه المسلمين، لكن الطهر السياسي Political Correctness يجعله حساسا تجاه الخوف من الاتهام بالإسلاموفوبيا. وللأسف لا تضر الإسلاموفوبيا سوى المسلمين المعتدلين الملتزمين بالقانون ولا يستغلها سوى الإرهابيين وأنصارهم وإعلامهم في انتهازية تضر الجميع. هذا التخوف الغربي هو ما يجعل موقفه من الإخوان وأردوغان كما نراه الآن.

ويتاجر أتباع جماعات الإرهاب والدول الراعية لهم في المنطقة بالجاليات المسلمة في الدول الغربية، بما يجعل حكومات تلك الدول في حرج من اتخاذ مواقف قوية تجاه تلك الجماعات ومموليها ورعاتها.

لكن الأمر لا يقتصر على "الحرج" والطهر السياسي فحسب، ففي النهاية تبيح مصالح الغرب وأمنه كل شئ حتى التجاوز فيما يدعو إليه من حرية وحقوق إنسان أحيانا إذا تطلبت مصالحه ذلك. وتلك المصالح هي العامل الأهم والأكثر حسما في موقف الغرب من تلك الجماعات والدول التي تقف وراءها.

على مدى عقود ساهم مفكرون وباحثون، ممن يوصفون بخبراء الحركات الإسلامية ومستشرقي العالم العربي والإسلامي، في ترسيخ فكرة أن جماعات ما يسمى "الإسلام السياسي" هي البديل الأفضل في المنطقة لحماية المصالح الغربية والتعايش مع إسرائيل (التي تبنت رسميا وضع الدولة الدينية لتصبح هي وإيران فقط رسميا في العالم بهذه الصفة)، وبنى كثير من هؤلاء تصوراتهم الأولى على أساس تحليلات إسرائيل بشأن الدول العربية التي دائما ما خلصت إلى أن تنظيم الإخوان هو الأكثر قدرة تنظيمية ويحظى بتعاطف واسع على أساس ديني.

تلك التحليلات الاستخباراتية الإسرائيلية من القرن الماضي لم يعاملها أي من هؤلاء المؤثرين في صياغة فكر صانع القرار بأي نقد أو تمحيص. وساعدت تجربة "المجاهدين"/الإرهابيين في مواجهة الاحتلال السوفييتي في أفغانستان قبل 4 عقود على تعزيز تلك المقولات، وأنشئت في الجامعات وعلى هامش الحكومات مراكز أبحاث ودراسات لدعم متخذي القرار تصب اهتمامها على ذلك الطرح حتى وصل الأمر حد التخمة بتلك السرديات، ولعل أبرز من عملوا على ذلك، غير الأميركيين، كانوا الفرنسيين والإيطاليين والبريطانيين طبعا.

رغم ما قد يبدو من اكتواء الغرب من نار الإرهاب، فإن الفكرة السائدة ما زالت أن هناك تيارات معتدلة وغير متطرفة. وهذا ما يسوقه أردوغان وغيره من الداعمين للإرهاب وتدعمه أيضا إسرائيل حتى الآن ويبلعه الغرب لأنه ما زال مفيدا له.

ورغم لفظ الناس في المنطقة لتلك التنظيمات، خاصة بعدما وصلوا للحكم في مصر لمدة عام كان كارثيا على الجميع، فإن الغرب لا يعبأ كثيرا بما يهم الناس وإنما تهمه مصالحه، وما زال كثيرون يرون أن مصلحتهم في وجود تلك التنظيمات، وربما حتى الإرهاب والعنف باعتباره أفضل وسيلة لهم لاستمرار التدخل والهيمنة والتربح المباشر وغير المباشر.
نقلا عن سكاي نيوز عربية