22 دم العهد
كمال زاخر

"هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا"
مازلنا حتى هذه السطور نجول مع الكاتب فى مروج الكلمات التى قالها الرب لتلاميذه ـ ولنا ـ على مائدة العشاء، وهو مزمع أن يسلم نفسه للموت "عن حياة العالم"، واللافت أن كنيستنا الملهمة نجحت فى أن تنقل لنا عبر ليتورجية الإفخارستيا ـ الكلام والطقس ـ أجواء هذا العشاء، الى درجة أن من يصفى ذهنه ويتابعها لا يملك الامتناع عن التقدم للتناول، والاشتراك فى "مائدة الرب". فى موقف مهيب يترجم نداء الشماس:

"أيها الإكليروس وكل الشعب؛ بطلبة وشكر بهدوء وسكوت، ارفعوا أعينكم إلى ناحية المشرق لتنظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه. والملائكة ورؤساء الملائكة قيام، السيرافيم ذو الستة الأجنحة والشاروبيم الممتلئون أعينا يسترون وجوههم من بهاء عظمة مجده غير المنظور ولا منطوق به يسبحون بصوت واحد صارخين قائلين: قدوس، قدوس قدوس رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس. "

بعود بنا الكاتب إلى أجواء عشاء الرب، ويقف بنا عند قوله "هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26 : 28) "المسيح هنا يعلن ذبيحته على مستوى سمائى، قبل أن تُستعلن على مستوى الحوادث الزمنية وحُكم قيافا وبيلاطس. الجسد يُرى مكسوراً بمشيئة الله قبل أن يتمزق على الصليب بمشيئة الناس، والدم يُقدم مسفوكاً بمسرة الآب والابن قبل أن ينسكب على الصليب بمسرة رؤساء الكهنة."
ويواصل الكاتب "هنا الإفخارستيا تحمل صورة الصليب على مستوى السر والنبوة، بل تحمل القيامة والصعود أيضاً".

يذهب الكاتب إلى أحداث موسى'> خروج موسى، ويقف معه على جبل سيناء حين أبرم الله عهده مع شعبه بدم ذبيحة، بعد أن سلمهم الناموس على يد موسى، عندما بنى موسى المذبح وأمر الشعب أن يقدموا ذبائح محرقة وذبائح سلامة.

ويرقب الكاتب ما صنعه موسى آنذاك؛ الذى "أخذ نصف دم الذبيحة ورشه على المذبح ـ إى قدمه أمام الله أولاً ليكون عهداً من قِبَل الله نحو شعبه، ثم أخذ النصف الآخر ورشه على الشعب ليكون عهداً من قِبَلهم نحو الله".

ويلفت الكاتب نظرنا إلى "أن هذا العهد لم يكتف بختم الدم فقط بل اعتمد فى اساسه على طاعة كلمة الله "كتاب العهد" (هوذا دم العهد الذى قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال) وكان موسى قد قرأها لهم قبلاً"

يربط الكاتب بين هذه التفاصيل وبين ما صنعه المسيح مع تلاميذه ، ومعنا، واستيعاب الكنيسة له، فيقول :
"حينما قدم الرب "دمه" لتلاميذه، كان قد انتهى معهم لتوِّه من تقديم "كتاب العهد" أى تعاليمه وأقواله على مدى ثلاث سنين، الذى اعتبره الرب كعملية تطهير أساسية بالروح والقلب "أنتم أطهار من أجل الكلام الذى كلمتكم به" (يو 15 : 3)"

ويمد الكاتب بصره للكنيسة فيجدها "تحرص على أن تقدم قداس الكلمة (قداس الموعوظوين) قبل قداس الإفخارستيا (قداس المؤمنين). لأن هذا هو المهوم الروحى للتطهير الداخلى، أى القلبى والذهنى، "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12 : 2). وهكذا دائماً تتم شروط العهد بين الله وشعبه فى العهد الجديد؛ بالاتحاد مع الله أولا بالكلمة، ثم بدم المسيح.

لكن الكاتب ينبهنا ونحن نربط بين ما صنعه موسى وما صنعه المسيح إلى أن "موسى ليس كالمسيح، فالعهد الذى قدمه موسى، قدمه كوسيط بين طرفين هما الله وشعبه، أمَّا المسيح فقدم عهداً من طرف واحد، لأنه قدَّمه من قِبَل الله كابن (انظر غلاطية 3: 19و20). لأن الدم الذى قدمه هو دمه، ودمه هو دم ابن الله، والعهد الذى قطعه معنا هو عهده، وعهده هو عهد الله."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• "لمغفرة الخطايا"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى ظنى أن مغفرة الخطايا هى شغف الإنسان بعد السقوط، لأنها تزيح العائق القائم بينه وبين الله، لهذا كان التجسد والموت على الصليب والقيامة، وهى بحسب توصيف الكاتب "طابع العهد وجوهره، من خلال عشاء الرب".

لم تستطع "ألوف الذبائح القديمة" أن تزيح هذا الحاجز أو حتى تخترقه، فبحسب تعبير الكاتب "الخطية كانت تحجزنا إلى الأبد عن الله ... وعجز الإنسان يصرخ أمام الله طالباً أن يسد العجز ويدفع الغرامة والدين. فكانت كثرة الذبائح شاهداً بحد ذاتها على أن الحاجة مستمرة إلى من يرفع الخطية (الحاجز المتوسط بتعبير القداس) ويصالح الإنسان بالله."

ويواصل الكاتب كشف سر قوة دم المسيح واستعلانه فى "عشاء الرب" فيقول:
"المسيح جاء بالدم القادر على أن يغفر الخطايا، دم ذبيحة أبدية قادرة على أن ترفع خطايا كل العالم."
"من أجل ذلك كانت مسرة الآب أن يبذله لأجل حياة العالم."
"ومن أجل ذلك نزل إبن الله من السماء وتجسد من العذراء مريم"
"وهكذا اقتنى دماً له فصار هو دم الكلمة ابن الله الذى بلاهوته ـ أو بروح أزلى ـ يستطيع أن يقدس ويطهر إلى التمام ويغفر خطايا كل من يتناول منه".
"وحينما أعلن الرب وقت العشاء، عهد الله الجديد معنا بدمه هذا، الذى سيسفكه على الصليب لمغفرة الخطايا اعتُبر ذلك تأسيساً لسر الخلاص والمصالحة الذى استعلنه الرب بعد ذلك على الصليب بالموت جهاراً"

والكنيسة الملهمة ادركت سر العشاء وفى هذا يقول الكاتب "لقد استلمت الكنيسة عشاء الرب ومن داخله عمل الصليب والسفك الفعلى للدم والموت، أى كل مقومات غفران الخطايا، ثم أيضاً القيامة والصعود والجلوس عن يمين الآب، وحتى المجئ الثانى للرب.... هكذا رأى بولس الرسول هذا كله فى هذا السر حينما قال (فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ ـ 1كو 11 : 26).

ويختتم الكاتب طرحه بأن "العهد الجديد أصبح بواسطة ذبيحة المسيح غفراناً دائماً للخطايا أمام الله، لكل من يتقدم بذبيحة المسيح، لأنه جاء لكى يحمل خطايانا ويتحمل أوجاعنا "وآثامهم هو يحملها" (إش 53 : 11) "هوذا حمل الله الذى يرفع خطايا العالم" يو 1 : 29.

خلاصة القول عزيزى القارئ :
"ثق أن الله لن يذكر بعد خطايانا بسبب ذبيحة ابنه التى قدمها عن خطايا العالم كله "... أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد (إر 31 : 34)."
يتبع