نادر نور الدين محمد
فى تصور غير دقيق صور الصادق المهدى، رئيس وزراء السودان الأسبق، بأن مصر والسودان ارتكبا خطأ حين اقتسما مياه النيل التى تصل إلى الحدود المصرية عبر تدفق حر دون مراعاة لباقى دول المنابع بما أدى إلى تكتلهم حاليا ضد مصر والسودان وهذا غير حقيقى. فالحديث عن أنصبة مائية لمنبعين للنيل ليس بينهما أى ارتباط ولا يمكن لأى منبع فيهما أن يمد المنبع الآخر بالمياه ولا أن يخصص له حصة وبالتالى فلا صحة لحديث توزيع أنصبة على دول غير متصلة بنهر واحد بل بأربعة أنهار، ثلاثة منها تمر بمصر والسودان وإثيوبيا فقط ونهر وحيد يمر بست دول لمنابع النيل الأبيض ومعها مصر والسودان وجنوب السودان. فالنيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا التى تتمتع إثيوبيا بمياهها وحدها على منسوب 1820 مترا فوق مستوى سطح البحر ويخرج منها بانحدار قوى ناحية العاصمة الخرطوم عند منسوب نحو 500 متر فوق مستوى سطح البحر، وعند هذه النقطة يلتقى النيل الأزرق القادم من إثيوبيا من اتحاد نهرى النيل الأبيض والسوبات القادمين من الجنوب، حيث يأتى النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا ثم بحيرة ألبرت على منسوب يبلغ 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، وبالتالى لا يستطيع النيل الأزرق ولا السوبات الاتجاه للخلف وعكس الانحدار ليتجه إلى منابع النيل الأبيض ليمدها فرضا بمياهه أو يخصص لها حصة منه. النهر الثالث هو عطبرة الذى ينبع من أقصى ارتفاع للهضاب الإثيوبية على منسوب ألفى متر ليصب فى النيل الموحد شمال مدينة الخرطوم بنحو 330 كم على منسوب نحو 300 مترا أى أيضا أقل كثيرا من المنسوب خلفة لمنابع النيل الأبيض، وبالتالى فهناك انقطاع تام ينفى أى تواصل بين المنبع الإثيوبى من ناحية وبين منابع النيل الأبيض من الناحية الأخرى.

يضاف إلى ذلك أن القادم من المياه من دول منابع النيل الأبيض قليل ولا يتجاوز 13 مليار متر مكعب فى العام، وبالتالى فلا صراع على تلك الكميات، وأن الدول الست لمنابع النيل الأبيض تكتفى بالثروة المائية الهائلة لمياه البحيرات الاستوائية العذبة وهى بحيرة فيكتوريا أكبر بحيرات إفريقيا والتى تحتوى على أكثر من 550 مليار متر مكعب من المياه وتستفيد منها كينيا وتنزانيا وأوغندا فقط، ثم بحيرة ألبرت ويستفيد منها أوغندا والكونغو وتحتوى على نحو 260 مليار متر مكعب من المياه ثم بحيرات إدوارد وجورج وكيوجا بعشرات المليارات من المياه، بالإضافة إلى دولة الكونغو التى تمتلك أكبر أنهار إفريقيا بتدفقات 1284 مليار م3 سنويا ولا تحتاج لشىء من رافد النيل الصغير الذى ينبع منها (السمليكى)، وأيضا رواندا وبروندى بأنهار كجيرى والعشرات غيرة ودورتى أمطار غزيرة على مدار العام، فهل بعد كل ذلك ستنظر دول منابع النيل الأبيض الست إلى 13 مليار م3 من المياه تتقاسمها مصر والسودان؟! لهذا لم تثر دول منابع النيل الأبيض أى مشكلة مع مصر والسودان حتى عندما ضغطت عليها إثيوبيا للتوقيع على اتفاقية عنتيبى لإعادة توزيع حصص مياه النهر وكانت توعدهم كذبا بالسمن والعسل فى إقناع دول منابع النيل الأبيض بعدم الانضمام لهذه الاتفاقية الإثيوبية المغرضة وتوضح لهم أن مصر لا تمانع فى أى توصيلات ولا سدود عندهم لأن ما يجىء من عندهم لا يستحق الصراع ولأنهم لا يحتاجون لأى قدر من مياه النيل الأبيض وأن إثيوبيا خدعتهم من أجل مستقبل السيطرة على مياه الأنهار الإثيوبية الثلاثة للنيل التى تطمع فيها رغم أن لديها تسعة أحواض أنهار، فأين هذا التكتل الذى تتحدث عنه ضد مصر والسودان فى ستة بلدان تتمتع بالصفاء نحونا وتمتلك مئات المليارات من مياه البحيرات العذبة تغنيها عن هذا القليل من مياه النيل الأبيض، وحتى دولة جنوب السودان تعيش مغمورة تحت الماء ولديها 40 مليار م3 من مياه المستنقعات ولا يمكن أن تكون لها أطماع فى مياه النيل الأبيض التى لا تتجاوز 13 مليارا فقط. هذا الأمر يؤكد أن الدول الست لمنابع النيل الأبيض لم تتكتل ضد مصر والسودان وهى تعى ظروفنا الصحراوية وبالتالى لا يحق أبدا للسيد صادق المهدى أن يتحدث عن تكتل لدول المنابع ضد مصر والسودان.

المنبع الثانى المستقل بذاته والذى تسير به المياه مع الانحدار لا يمكنها إلا المرور على السودان ومصر فقط دون غيرهما من باقى دول المنابع ولا يمكن أن يعطيها أنصبة من مياهه ضد وعكس الانحدار، وبالتالى فالحديث عن تكتل هنا أيضا أو توزيع أنصبة لا معنى له لأنه لدولة واحدة هى إثيوبيا ضد تكتل مصر والسودان. يأتى من إثيوبيا النيل الأزرق الذى يمثل 58% من إجمالى مياه نهر النيل ومعه نهرا عطبرة والسوباط ويشاركان بنسبة 27% من إجمالى مياه النيل الموحد وبإجمالى 85% من إجمالى مياه النيل البالغة 84 مليارا أى يأتى من إثيوبيا نحو 72 مليار متر مكعب سنويا عبر أنهارها الثلاثة وهى التى عليها العين والمتابعة من مصر والسودان وأيضا تثير الكراهية والحقد من إثيوبيا رغم الأنهار البديلة العديدة فى إثيوبيا والتى توفر لإثيوبيا 51 مليار م3 بعيدا عن مياه النيل ورغم أنها أقامت سد تاكيزى على نهر عطبرة ليحجز 10 مليارات تستفيد منها مع ماء بحيرة تانا (50 مليارا) التى ينبع منها النيل الأزرق بإجمالى 60 مليار متر مكعب لإثيوبيا وحدها وأمطار تقارب الألف مليار، فأين الكراهية وأين التكتل للزعيم السودانى وإثيوبيا تحصل وحدها من أنهار النيل على 60 مليارا ولديها ستة أنهار تعطيها 51 مليارا بإجمالى 111 مليارا ثم يحدثنا الصادق المهدى عن مظلومية إثيوبيا ودول منابع النيل الأبيض التى تحصل على عشرات أضعاف حصتى مصر والسودان؟!

للتذكرة للصادق المهدى أن كل قوانين المياه العالمية تنص على أن التقاسم يكون فى كل موارد النهر من أمطار وبحيرات عذبة ومياه جوفية وأنهار ومستنقعات، وبالتالى فإن ما فعله السيد صادق المهدى هو مجرد جلد للذات وتعمد ظلم بلده وبلدنا، ومتناسيا أيضا أن حتى اتفاقية 1959 بين مصر والسودان والتى انتقدها تنص على أنه عند طلب لدول المنابع لحصة مياه توافق عليها السودان ومصر فورا وتخصم مناصفة من حصتى البلدين فكفانا أوهاما والسباحة ضد التيار وضد الوطنية أيضا.