كتب : مدحت بشاي 
medhatbeshay9@gmail.com
 
قد لا يكون من المقبول ــ بل هو مرقوض ــ العودة و اللجوء إلى أي فعل سابق ثبت وتم تجريمه لأنه كان مغايرًا لشعائر الإنسانية منافيًا لنصوص ألأعراف والقوانين المرعية حيث تكون عاقبته وبالاً ، ومغبته نكالاً ، ولذلك أتت جميع الضوابط  الحاكمة للعلاقات و السلوكيات المتعارف عبيها في الدول التي تنشد التقدم و التمدين معنية بأمر حسن علاقات الأفراد بعضهم ببعض و تحضر شكل علاقاتهم بالدولة والمجتمع ..
 
ولا شك أن الأمر قي هذا السياق يزداد أهمية في أزمنة حلول الأزمات و النكبات .. فترويج الإشاعات الكاذبة وادعاءات البطولات المزيفة و كل فعل من شأنه المساس بحقوق المواطنة الكاملة وتهديد حالة السلام والأمن الاجتماعي مما  يصل بنا إلى حالة فشل للدولة وتهديد لأمر جودة الحياة ,,
 
والغريب و المدهش أن كل تلك المفاهيم نعلمها وبشر بها الإعلام المصري المتمثل في الصحافة متذ ما يقارب القرن من الزمان ..و أستأذن القارئ العزيز والمتابع لمواد و أطروحات موقعنا الرائع " الأقباط متحدون " لعرض بعض سطور من الأعدادالأولى لجريدة " المؤيد " و هي من أولى الإصدارات الصحفية التي عرفها الناس في بلادي قي أول العقد الثالث من القرن الماضي ..
 
 جاء في المقال الافتتاحي للجريدة :  لقد ظهر من الإحصاء عند جميع الأمم أن الجنايات آخذة دائمًا في الازدياد رغمًا عن استعمال القسوة والتشديد في الأحكام وأن جميع الاحتياطات القانونية لم تأت إلا بعكس ما قصد منها كأن العقاب لا يؤثر فيمن يقع عليه بل يكون بردًا وسلامًا عليه لأنه لا يلبث الشخص أن يعاقب بسبب فعل منكر حتى يأتي بغيره غير مبال ببطش القانون وسوء المنقلب .ولقد هال هذا الأمر جميع الأمم المتمدنة وأخذ فحول رجالها في اعمال الفكر واجهاد القريحة لجلب الدواء الشافي ، والعلاج الوافي ، لاستئصال هذا الداء العضال المقوض لأركان السلم المبيد لدعائم الأمن .فذهب بعضهم إلى أحسن طريقة هي إصلاح دائرة السجون بوضع كل مجرم في حبس على حدته وعدم اختلاطه أبدًا بغيره إذ من البديهي أن اجتماع جملة مجرمين في محل واحد مع اختلافهم في الأخلاق وتفاوت درجات آثامهم قد ينجم عنه أضرار فادحة فيصبح السجن بسبب المعاشرة مدرسة الفساد يخرج منه طالحًا من دخله صالحًا ويتكدر بذلك صفو الراحة العمومية ، والذي أرى أن أعظم ضامن وأكبر كفيل لبلوغ الطلب ونهاية الأرب هو تحسين السجون بهذه الكيفية مهما كانت القناطير المقنطرة التي تصرف في سبيل ذلك .
 
ويضيف المحرر : ولا شك أن نصراء هذا المذهب أصابوا المرمى واستحقوا ثناء كل من يهمه الصالح العمومي إذ من المعلوم أنه لا فائدة في العقوبة إن لم يعتن بتنفيذها ولا فائدة في التنفيذ إن لم يكن رادعًا فيلزم على هذا أن يكون ترتيب السجون بحيث يوضع فيها كل آثم في المحل الذي يناسب جسامة ذنبه مع أخذ الاحتياطات اللازمة المانعة لكثرة اختلاطهم مع بعضهم لا كما هو حاصل الآن من وضع كمية عظيمة منهم في محل واحد .فأرى أنه إن لم يتيسر والحالة هذه وضع كل جان في محل على حدته نظرًا لما يستلزمه من النفقات الطائلة فلا أقل من تنظيم السجون على حالة تلزم المحكوم عليهم بالسجن والحبس بقتل الوقت في حرفة أو صناعة يشتغلون بها عن سواها فتعود عليهم في المستقبل وعلى الحكومة بالنفع العميم لأنه من المعلوم أن البطالة مجلبة الفساد ، ومضرة بأخلاق العباد ......
 
وأرى أيضًا أن أنجع طريقة وأنفع وسيلة للوصول للغاية المطلوبة هو استعمال التساهل مع من حسنت سيرته وتصادف وقوع فعل مخالف منه يترتب عليه عقاب قليل قصير الأجل لأن وجوده بين أناس تعودوا على اتيان المنكر واتخذوا قعل الموبقات ديدنًا لهم مما يغير طباعه ويفسد أخلاقه ويجرئه على استحسانه هذه الخطة دون غيرها وذلك بخلاف الذين لا يبالون ببطش الحكومة وأحكام القوانين فهؤلاء كعضو أشل في جسم الهيئة الاجتماعية يلزم المبادرة إلى قطعه وإلا سرى الداء في جميع الأعضاء فيعم الفساد ، وتزول راحة العباد .
 
ولا أقصد من هذا التساهل اغضاء النظر كلية عن أي فعل مهما قلت أهميته وعدم محاكمة الجاني بالمرة وإنما أقصد أنه إذا صدرت هفوة من شخص حسن السيرة والسريرة ولا سوابق له فلا يستعمل معه التشديد بوضعه في الحبس أسوة أهل الشرور لأن هذا لا يأتي بالفائدة المطلوبة .