عماد الدين اديب
أصبح من المتعارف عليه فى ثقافة المصريين الشعبية أن يتم إطلاق مصطلح «الفنكوش» على أى «مشروع نصب» يهدف للاحتيال والابتزاز!

وحينما نقول هذا «فنكوش»، فإنه يعنى أنه «شىء وهمى يهدف للخداع»، وحينما نقول: «دى آخر فنكشة» يعنى أن الاحتيال قد وصل إلى منتهاه! والمصطلح انتشر بعد ظهور فيلم «واحدة بواحدة» عام 1984 بطولة الزعيم عادل إمام وميرفت أمين وإخراج نادر جلال.

وبهذا التعريف يمكن أيضاً تعريف «الفنكوش التركى» الذى يصنعه الآن رجب طيب أردوغان فى غرب ليبيا! فهو يمارس «الفنكوش» على الطريقة التركية!

تعالوا نستعرض حقيقة الموقف للإجابة عن السؤال الكبير: هل عملية غرب ليبيا، التى يقودها ويديرها «أردوغان»، تنطبق عليها حالة «الفنكوش»؟

باختصار عملية ليبيا «فنكوش» ولّا مش «فنكوش»؟ «نصب واحتيال» أم موقف سياسى وعسكرى حقيقى؟

فى الفيلم، كانت الفكرة أن البطل (الزعيم عادل إمام) تورط فى الإعلان عن منتج ليس له وجود فى الحقيقة، فقام من خلال الاحتيال باختراع منتج لبيعه إلى الرأى العام.

فى الحقيقة، أى فى الواقع الليبى، علينا أن نناقش ماذا فعل «أردوغان»؟ وكيف قام بأكبر عملية احتيال سياسى ومقاولة صراع، واختراع توتر عسكرى من خلال تعبئة الهواء السياسى فى زجاجة ساخنة ومحاولة بيعها للعالم؟!

من أين بدأت القصة؟

فى نوفمبر 2019 يخترع التركى خارطة بحرية جديدة بالمخالفة لما هو مستقر عليه فى ترسيم الحدود البحرية فى الاتفاقية الدولية للحدود البحرية.

وبمنطق «الفنكوش» تم اعتبار الساحل الليبى امتداداً للساحل التركى، الذى يعتبر امتداداً لساحل قبرص التركية التى يحتلها منذ 46 عاماً بقوة السلاح.

وبمنطق «الفنكوش» تم توقيع اتفاقية مخالفة للقانون البحرى بين «الفنكوش» التركى، ونظيره «الفنكوش» الليبى «السراج»، الذى انتهت ولاية حكومته، ولم يحصل على موافقة برلمان بلاده عليه.

وبمنطق «الفنكوش» تم توقيع اتفاق تعاون عسكرى بين التركى «غير الجار» مع الليبى «غير الشرعى».

وبمنطق «الفنكوش» تم نقل 16 ألف إرهابى قاتل مطارد دولياً له سجل إجرامى من سوريا إلى تركيا.

وبمنطق «الفنكوش» تم تدريب الإرهابيين وتسليحهم ونقلهم إلى غرب ليبيا.

وبمنطق «الفنكوش» سكتت أوروبا وحلف الأطلنطى والولايات المتحدة التى لا تسمح بمرور ذبابة فوق شرق المتوسط إلا بإذن خاص، لكنها بمنطق «الفنكوش» سمحت بجسر جوى طوال خمسة أشهر دون اعتراض فوق ممرات جوية فوق أراضى إيطاليا واليونان وقبرص ومالطة، ولم يتدخل أحد!

وبمنطق «الفنكوش» تم تحويل مبالغ من البنك المركزى الليبى الموجود فى طرابلس، والمسيطر عليه من حكومة السراج، تصل إلى 15 مليار دولار للبنك المركزى التركى والبنك الزراعى التعاونى فى «أنقرة».

وبمنطق «الفنكوش» تم تمويل عملية ليبيا من تسليح، وتدريب، ونقل وإعاشة وإسكان للإرهابيين، من قبَل قطر وليبيا.

وقبل أن يمارس «أردوغان» سياسة «الفنكوش» على ليبيا، فهو -«كتر خيره»- بدأ «تعميم الفكر الفنكوشى» داخل تركيا.

من سياسات «الفنكوش» أن يصرح «أردوغان» بأن تركيا قررت إقراض صندوق النقد الدولى، وتبين أنه فنكوش كذّبه الصندوق رسمياً.

فنكوش آخر، حينما تحدث عن فائض فى الموازنة، وهو أمر نفاه وزير ماليته علناً.

أما «الفنكوش» الكبير فهو ما أعلنه حزب العدالة والتنمية عن تقديم هبة تقدر بألف ليرة لغير القادرين، وحينما ذهب البسطاء، بحسن نية، إلى الحزب، اكتشفوا أن العملية فنكوش كبير يهدف لأخذ بياناتهم وتسجيلهم -دون إرادتهم- أعضاء فى الحزب، ثم تلا ذلك بيان حزبى يتحدث عن الزيادة الهائلة فى رغبة الأتراك فى الانضمام بأرقام غير مسبوقة فى الحزب!

إنها أعلى درجات «الفنكوشية» السياسية!

المشكلة فى عمليات النصب والاحتيال أن القانون لا يعفى المغفلين من العقوبة ومن المسئولية.

فى عملية «الفنكوش» المسئولية ليست على التركى وحده، ولكن على الذين باعوا أنفسهم له، والذين دعموه، والذين صدقوه.

لا يمكن عمل شىء شريف ونزيه بوسائل غير شريفة وأساليب احتيال.

لا يمكن للتجارة فى السلاح، وفى المرتزقة، وفى الدماء، والتعاون مع القتلة والإرهابيين، أن تؤدى إلى إقامة خلافة عثمانية جديدة تقوم على أسس دولة عصرية متقدمة.

ما يقوم به «أردوغان» فى عملية «الفنكوش» هو «قرصنة بحرية على ثروات شمال المتوسط، وعملية بلطجة سياسية ضد الاتحاد الأوروبى، وتهديد إرهابى لدول الجوار الليبى».

«عملية الفنكوش» هى كيف تبيع سلاحاً وتؤجر خبراء وتستولى على أموال الليبيين، وتسيطر على بترول وغاز بواسطة قوات مستأجرة لتهديدهم وتبتز غيرك!

وبمنطق «الفنكوش» قام «أردوغان» بتهديد الجميع، بمن فيهم أى تدخل مصرى، رغم أنه لا يوجد له على الأراضى الليبية أكثر من 3000 عسكرى تركى.

بمنطق «الفنكوش» يتحدث «أردوغان» عن حرب وتدخل، وإعادة لمشروع الخلافة العثمانية فى ليبيا، رغم أنه يحارب بقوات وميليشيات ليبية ومرتزقة من سوريا وتونس والصومال.

وبمنطق «الفنكوش» يهدد «أردوغان» بخرق خط سرت - الجفرة، إذا لم تنسحب منه قوات الجيش الوطنى، هكذا دون قتال!

وبمنطق «الفنكوش» يقوم «أردوغان» بالاستيلاء على الهلال النفطى الليبى حتى يحصل على نفط تاسع أكبر مخزون نفطى فى العالم، وعلى أرصدة البنك المركزى، وحسابات هيئة الاستثمار الليبية، ويحصل على مقاولة إعادة إعمار ليبيا بواسطة الشركات التركية، وليذهب الجميع إلى الجحيم!

بمنطق «الفنكوش» عند «أردوغان» كيف تحقق بأموال غيرك (قطر - الخزانة الليبية) الاستيلاء على بترول وغاز غيرك، بواسطة قوات عسكرية لغيرك (ميليشيات ليبية - إرهابيين) بسلاح تركى مدفوع ثمنه بشكل مبالغ فى أسعاره، مقابل مقاولة تدريب مدفوعة فاتورتها، لقوات تم نقلها بطائرات تركية تمتلكها شركة قريبة من آل أردوغان، كى يبتز اليونان وقبرص وسوريا وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا كى يكون له حصة فى كعكة ثروات شرق المتوسط تحت أكذوبة حماية المنطقة، وإقامة الخلافة والحفاظ على الشرعية الليبية!

بمنطق «الفنكوش» تحصل على أموال قطر لتهديد الحدود الغربية لمصر، بواسطة ميليشيات ليبية وسورية إرهابية مرتزقة بسلاح تركى!

إذا كان -كما قلنا- منطق «الفنكوش» هو منطق «النصب والاحتيال»، فهل هناك فى التاريخ المعاصر ما هو أقوى من «فنكوش رجب طيب أردوغان»؟!

معلومة صغيرة إضافية: «كرر رجب طيب أردوغان، وهو يسرد ذكريات الطفولة، أنه كان يحلم بأن يكون لاعباً لكرة القدم، وعندما لم ينجح كان يحلم أن يكون ماذا؟ كان يحلم أن يكون ممثلاً! إى والله!

هذا هو الفنكوش التركى!
نقلا عن الوطن