رسايل وتعليقات كتير جدا وصلتنى أخيرا بتسأل: هو ازاى بنى آدم يبقى إرهابى؟ إيه اللى بيدور فى عقل المجموعات والجماعات الإرهابية وفى نفوس أفرادها؟ إيه تركيبة الخاين لبلاده، ومروج الشائعات عنها، والرافع عليها السلاح؟ ازاى أحمى نفسى وابنى وبنتى من إنهم يتعملهم غسيل مخ فى يوم من الأيام بهذا الشكل؟

فى زمن يطل فيه الإرهاب بوجهه القبيح علينا كل صباح.. وفى خضم حرب شعواء مع الإرهاب والإرهابيين على الأرض.. وفى العقول.. وعلى السوشيال ميديا.. وعلشان أحد أهم أدوار الطب النفسى هو التوعية النفسية المجتمعية.. عن أمراض النفس والعقل والروح..
هنتكلم ونحلل ونكتب عن «سيكولوجية الإرهابى».
 
(2)
الإرهابى وعلاقته بالحياة وبالموت
طبيعى جدا يكون جوانا غريزة للحياة.. دافع للبقاء.. حاجة بتحرك كل واحد فينا للاستمرار فى الدنيا.. غريزة الحياة دى بتعبر عن نفسها بطرق كتير جدا.. منها الجوع.. اللى بيدفعك إنك تاكل علشان تمد جسمك بشوية طاقة كل كام ساعة، والعطش.. ال بيخليك تروى خلاياك بوقود الحياة طول الوقت، والجنس.. اللى بيمنحك متعة جسدية ونفسية هائلة تساعدك على تحمل بعض مشاق المعيشة، وفى نفس الوقت بيحافظ على استمرار النوع البشرى على الأرض إلى ما شاء الله.
 
مش بس كده.. الحب.. هو وجه من وجوه غريزة الحياة.. لأنه بيقربك من الناس.. وده فى صالح الحياة واستمرارها وجودها.. الصداقة.. وجه تانى من وجوه غريزة الحياة.. علشان بتخلى حواليك صمام أمان من العلاقات الصحية اللى ممكن تحميك نفسيا وقت اللزوم.
الشغل.. السفر.. الاكتشاف.. الإبداع.. النجاح.. الفرحة.. وغيرهم.. وغيرهم.
 
وجوه الحياة وغرائزها كتير جدا.. وكل ده طبيعى ومفهوم.
 
زى بقى ما فيه جوانا غريزة للحياة.. فيه برضه جوانا غريزة للموت. ورغم غرابة ده للوهلة الأولى، لكنه منطقى وحقيقى جدا.. وأول من طرحه كان عالم النفس الشهير (سيجموند فرويد). الناس اللى بتنتحر مثلا، دول ناس انتصرت فيهم غريزة الموت على غريزة الحياة.. والناس اللى بتقتل، دول قاموا بتوجيه غريزة الموت اللى جواهم إلى خارجهم.. والناس اللى بترهب غيرهم أو ترعبهم، دول برضه ناس بيعبروا عن غريزة الموت اللى جواهم بهذا الشكل المؤذى الفج.
 
الإرهابى ــ أو مشروع الإرهابى ــ هو شخص علاقته بالموت أقوى بكتير من علاقته بالحياة.. شخص بيحتقر الحياة بكل تجلياتها، وبيمجد الموت بكل تجلياته.. يعنى شخص بيكره الجمال، بيزدرى الفن، بيشوه الحب.. لكنه ــ وفى نفس الوقت ــ بيعشق القبح، وبيميل إلى السوداوية، وبيتغذى على الغضب.. هو فعلا بيتغذى على الغضب.
 
شخص.. القتل عنده أسهل من القول.. والانتحار عنده أقرب من الأكل والشرب.. وحتى الجنس عنده هو فعل ملىء بالعنف والابتزاز.
 
أقولك مفاجأة بقى.. علشان تشوف وتعرف نماذج وأمثلة واضحة جدا وقريبة جدا، ومن مجتمعنا وثقافتنا شخصيا، لمعنى (علاقة قوية مع الموت)، و(علاقة ضعيفة مع الحياة).. وكلها ــ بلا استثناء ــ قادرة فى أى لحظة من اللحظات على تفجير نفسى ذاتى مؤلم، أو انفجار حانق غاضب فى وجه أى آخر، أو الذهاب فى سكة اللى يروح ميرجعش.
 
احنا ــ فى ثقافتنا الحالية ــ لما نضحك بنقول «اللهم اجعله خير».. لما نستمتع بأى حاجة بنحس بالذنب.. لما نوصل 50 سنة من العمر بنقول «ياللا حسن الختام».. دى علاقة قوية بالموت..
 
احنا بنعدى الشارع بين العربيات السريعة بمنتهى الأريحية.. بنط من الأتوبيس وهو ماشى.. بنروح المقابر يوم العيد.. دى برضه علاقة قوية بالموت.
احنا مش بنهتم كتير بصحتنا، مش بتروح للدكتور غير لما المرض يتفاقم، واللى بيروح مش بينتظم على العلاج، واللى بينتظم بيبطل الدوا لوحده بمجرد ما يحس بتحسن.. احنا بنهمل فى نفسنا وفى حياتنا بمنتهى اللامبالاة.. «ما حدش واخد معاه حاجة».. و«هانموت هانموت».. و«كله رايح.. كله رايح».. إذا ماكانش ده علاقة قوية بالموت، يبقى إيه؟
 
لو عاوزين أعماركم تطول، وصحتكم النفسية والجسدية تتحسن.. حبوا الحياة.
 
لو عاوزين تستمتعوا بوجودكم ووجود أهاليكم وأحبابكم حواليكم.. حبوا الحياة.
 
لو عاوزين تحموا أولادكم من إنهم يكونوا مشاريع قتلة.. أو محترفى دمار.. أو إرهابيين ذابحيين لرءوس البشر.. خليهم يحبوا الحياة..
اتفقنا؟؟
تابعونا.