هاني لبيب
من الطبيعى، أن يخرج علينا البعض، كل عام، خلال ذكرى ثورة يوليو 52، إما للهجوم الضارى عليها، أو الإشادة المفرطة بها، دون أن يحاولوا الوقوف على حقيقة ما بها من إيجابيات وسلبيات.

رؤساء ما بعد ثورة يوليو 52 هم محط احترام النظام الحالى وتقديره – باستثناء مرحلة محمد مرسى – رغم اختلاف نظام السيسى'> السيسى جذرياً عما قبله، فلكل مرحلة سياق تاريخى وسياسى، لا يمكن تفسيره، حسب الأهواء الفكرية والسياسية، وربما الشخصية.

وبالقطع، لكل مرحلة أخطاؤها، ويجب تقييمها فى سياقها السياسى والثقافى والاجتماعى دون اجتزاء، فنحن لا نعتقد أن عبدالناصر أو السادات أو مبارك كانوا منزّهين عن الأخطاء، ولكنهم دون شك كانوا زعماء وطنيين أصابوا وأخطأوا بدرجات مختلفة. وإذا أردنا تقييم أى مرحلة أو تجربة.. يجب أن نفعل ذلك، وفق رصد حقيقى للإيجابيات والسلبيات، لا الشكليات، كما يجب أن نقيّم عوامل أخرى، ولا نتجاهلها، مثل: دور النظام كله، ودور المثقفين، ودور التدخلات الدولية بصورها العسكرية والاقتصادية المختلفة، وبجنسياتها المتعددة الإنجليزية والأمريكية والروسية.

فى تقديرى، ستظل مراحلنا بعد ثورة يوليو 52 محل اتفاق واختلاف، غير أن الاجتهاد فى تفسير بعض هذه الأحداث سيظل هو المنطق الأساسى فى إضاءة تاريخنا، خاصة ونحن نفتقد إلى منهج علمى منظم فى حفظ تراثنا السياسى، وللأسف كُتب علينا أن نقرأ الكثير من تاريخنا بأقلام غربية أجنبية غير مصرية.

قراءة تاريخ ثورة يوليو 52 هو واحد من أهم الروافد التى نستطيع من خلالها قراءة واقعنا الحالى، لأن الخط الرفيع الذى يفرق فيما بينهما هو الذى يقودنا إلى رسم الملامح الاجتماعية بشكل خاص للمجتمع المصرى الآن. وهو ما يؤكد أهمية السماح بالاطلاع على جميع وثائق ثورة يوليو بعد مرور أكثر من 50 سنة عليها، خاصة اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وقد كانت بمثابة تشكيل نظام الحكم حينذاك، وهى مادة علمية خام للدراسة والبحث والتحليل، تشجيعاً لإعادة اكتشاف تاريخنا على حقيقته من خلال باحثينا ومؤرخينا وكتّابنا، وليس بالترجمة عن الإنجليزية والفرنسية.

أعتقد أنه قد آن الأوان لكى يتخلى مؤيدو ثورة يوليو 52 وخصومها عن توجيه الاتهامات لشخص عبدالناصر وحده، وكأنهم هم وحدهم – أى المثقفين والمفكرين – الصوت الصارخ فى البرية، وتناسى العديد حقيقة صورهم، فبعضهم كانوا لفترة طويلة ينتمون إلى نمط «المثقف المهادن»، وبعضهم الآخر إلى نمط «المثقف المؤيد»، وفى كل الحالات لم يكونوا متمردين بقدر ما كانوا صامتين، والغريب أنهم قد انقلبوا فجأة على المرحلة الناصرية، وكأنها عار عليهم، وتناسوا أنهم جزء منها.

نقطة ومن أول السطر..
لا يمكن الحكم على ثورة يوليو 52 بأدوات الحاضر فقط، وهذا لا يمنع السلبيات والملاحظات عليها، كما لا يمكننا أن نحكم على ما يحدث فى الحاضر استناداً إلى استنتاجات مسبقة وموجهة لمجرد الهجوم على الدولة.
نقلا عن المصرى اليوم