د. مينا ملاك عازر

مع الخطاب الذي ألقاه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قاعدتنا الجوية بالمنطقة الغربية، وبالتحديد في سيدي براني، علينا أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة على قاعدة هامة، أننا وإن كنا قد نجحنا في تحرير رجالنا ومواطنينا المحتجزين في ليبيا بالتفاوض، وفشلنا في التفاوض مع أثيوبيا العازمة على ملء السد، ضاربة بكل مبادئ الإنسانية والقانون والجيرة والعلاقات التاريخية عرض الحائط، إلا أننا اخترنا الحل العسكري في حدودنا الغربية، ولم نلوح به علنا في حدودنا الجنوبية، السؤال إذن، لماذا؟ الإجابة ببساطة لأنه الأخطر والأقرب للنفاذ والتأثير علينا، أما إثيوبيا فهي أمامها وقت طويل لتملأ السد الملء المؤثر علينا، فجسم السد للآن لم يكتمل بحيث يمكنه الملء بكامل سعته الممكنة، فأقصى ما يمكن ملء السد هذا العام تقريباً خمس مليار متر مكعب، ما لا يؤثر تأثير عنيف على حاجة مصر حالياً، بعكس ليبيا التي تقع سرت الخط الأحمر- كما وصفها الرئيس السيسي- تحت وطأة طائرات الأتراك في القاعدة الجوية التي سيطروا عليها مؤخراً، أقصد قاعدة الواطية، وثمة سبع قطع بحرية تركية في خليج سرت ما يؤكد قرب وقوع النزال ولا شك في أنه قريب.
 
المسألة الأهم، هل الخيار العسكري في حالة أثيوبيا متاح بحسب المسافة بين قواعدنا الجوية وأسلحتنا البحرية، والسد مثلا وهو الهدف الأولى بالاستهداف خاصة إن وضعنا في اعتبارنا أمرأهم، وهو وجود منظومة صواريخ إسرائيلية تحمي السد، كل هذا بالطبيعي ينزاح جانباً فور نظرنا لليبيا، فلا تواجد إسرائيلي بشكل مباشر، وإن وجد في شكل تركيا التي تقوم كبديل لها في المنطقة، وبالأخص في ليبيا وتعاملها واشنطن نفس معاملة إسرائيل إذ تحمي لهم مصالحهم البترولية والغازية في ليبيا، وتطمعهم فيها لاحتلال سرت، ما يفتح الباب نحو مدن الهلال النفطي الليبي – راس لانوف وأجدبيا وبريقة وبشر والزاوية- ما يعني أن الاشتباك في ليبيا أولى لقربه وضرورته وشرعيته، وهي المسألة الأهم التي يتفهمها العالم بأثره، فبوصول تركيا للشرق تهدد حدودنا الغربية مباشرة بجحافل الإرهابيين المنقولين من سوريا بعد أن فشلت في نقلهم إلى سيناء مباشرة، كما أنه كسر للكرامة المصرية ولكرامة الكثير من الدول التي طالما أيدت حفتر الذي انزاح جانباً من حساب الرئيس السيسي وباتت السيطرة كلها منصبة على السيد عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المنتخب، شرعية بشرعية، شرعية انتخابات أمام شرعية اعتراف دولي بالحكومة، شرعية تدخل تركيا غير مقبول ولا مبرر في حين تدخل مصر العسكري مقبول، فهي تهديد لحدودنا.
 
والسؤال هنا، ماذا عن شرعية عمل عسكري ضد إثيوبيا؟ أرى وبوضوح أن الوصول له تسعى له مصر من خلال قرار لمجلس الأمن الدولي يمنع أثيوبيا، وإذا لم تستجب إثيوبيا حينها، وحينها فقط ستقوم مصر بعمل عسكري لتنفذ القرار وتقف خارجيتنا تقول ما قاله وزيرنا السابق حسن الزيات في الأمم المتحدة إبان حرب اكتوبر أننا أخذنا على عاتق قواتنا المسلحة تنفيذ كل قرارت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التي لم تنفذ في القضية الفلسطينية، وهذه المرة ستقال على المسألة الإثيوبية وسد النهضة.
 
السؤال الأخير، هل اقتصادنا الذي يعاني من كورونا ومستشفياتنا التي تكابد من ويلات ازدياد أعداد المرضى وقلة الأطباء، وعدم وجود أسرة لمرضى كورونا قادر الان على خوض حرب، انا لا أشكك، ولكني أتساءل، هل صنعنا اقتصاد خلال السنوات الماضية قادر على أن يدخل في ثلاث حروب في آن واحد غرباً وجنوباً وداخلياً نمنع الإرهاب وكورونا، والأخيرة كما ترون اثنين في واحد، هل الجنيه سيصمد أمام الدولار؟ هل مخزوننا من الغذاء قادر أم أننا سنحتاج للاستيراد؟ هل شعبنا سيتحمل المزيد من الضغوط على صحته وجيبه؟ أقول هذا بالرغم من استيعابي التام لضرورة بل حتمية خوض نزال عنيف مع القوات التركية التي تركناها إلى أن استفحلت وتزايد ضغطها في ليبيا حتى باتت مهددة بشكل مباشر لأمننا وكرامتنا.
 
المختصر المفيد يجب أن تكون الحرب في ليبيا خاطفة وسريعة وحاسمة ومؤثرة، حتى لا نتأثر بتبعاتها الاقتصادية لنستطيع الاستمرار في مقاومة كورونا والالتفات لمحبس أثيوبيا.