د.جهاد عودة
 في نهاية الحرب العالمية الثانية، استخدم الكاتب الإنجليزي جورج أورويل الحرب الباردة ، كمصطلح عام : " العالم يعيش في ظل التهديد:  بالنظر إلى العالم ككل ، فإن الانجراف لعقود عديدة لم يكن نحو الفوضى ولكن نحو إعادة فرض العبودية .  لكن قلة من الناس لم يفكروا بعد في آثارها الأيديولوجية - أي النوع من وجهة نظر العالم ، ونوع المعتقدات ، والبنية الاجتماعية -   انها حالة دائمة من "الحرب الباردة" مع جيرانها."  وأول من استخدام للمصطلح لوصف المواجهة  جيوبلوتكيه المحددة بعد الحرب بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة جاء في خطاب برنارد باروخ ، أعلن ، "دعونا لا نخدع: نحن اليوم في خضم حرب باردة".  أعطى كاتب العمود في صحيفة Walter Lippmann المصطلح "عملة واسعة النطاق" مع كتابه "الحرب الباردة" . والحرب البارده لا تعنى عدم وجود اتفاقات او تفاهمات بين اطراف الحرب البارده ولكن والاهم هو عدم وجود نوايا  خالصه للاتفاق الاستراتيجى فى مواجه معضهم البعض.  الامر الذى يعنى ان الدوله دائما فى ترقب وحذر واستعداد للقتال  والمواجه العسكريه المستمره.  الحرب البارده هى التهديد الدئم بالحرب والقتال والحرب احيانا طالما ليس هناك اتفاق شامل للسلام على كل الجبهات وعلى مختلف القضايا. فنقل ان هناك  بشكل اولى مسرحيين اقلميين اولها المسرح الاسترايجى الجنوبى ويضم نهر النيل والساحل والصحراء وثانيهما المسرح الاستراتيجى الشمالى الذى يضم شرق المتوسط . وحدود المسرحيين ليست صارمه ولكن لان الدول الداخله فى الصراع الاستراتيجى فى الاساس اقليميه وليست عالميه  فهناك حرص دائم على المتيز بين المسرحيين لاداره صراع اقليمى كفء  وقادر على توليد نتائج مقاسه ومحدده. نحن  هنا نتعامل مع المسرح الاستراتيجى الجنوبى الاقليمى بالتركبز على مصر واثيوبيا وتركيا فى المساحه الممتده  التى تشمل حوض نهر النيل ومنطقه الساحل والسحراء. 

أثار تصديق البرلمان الإثيوبي مؤخرا 05.04.2015 على اتفاقية الدفاع المشترك مع تركيا العديد من التساؤلات تتعلق بمدى تأثيرها على سد النهضة وعلى العلاقات المصرية الإثيوبية، وخاصة أن تركيا تعتبر المستثمر الأجنبي الأول في إثيوبيا، متفوقة بذلك على الصين والهند، حيث يبلغ حجم الاستثمارات التركية بإثيوبيا  3 مليارات دولار، وتتركز في إثيوبيا نصف الاستثمارات التركية بالقارة السمراء، وحاليا يوجد بها 350 شركة تركية، دخلت منها 120 شركة في 2014، ويعمل بها أكثر من 500 ألف إثيوبي.  وقام بجولات أردوغان لدول القرن الإفريقي (أثيوبيا والصومال وجيبوتي).  إن اتفاقية الدفاع المشترك بين إثيوبيا وتركيا يستهدف مصر في المقام الأول فبين البلدين مسافة بعيده وكلًا منهما في إقليم مشترك فبالتالي لا يستدعي توقيع هذه الاتفاقية إلا إذا كان لها مدلول آخر،  أمام مشروع إثيوبي للتمدد وفرض نفوذ من داخل منطقة القرن الأفريقي لكي يشمل حوض النيل على حساب مصر كما أمامنا أيضًا المشروع  الكولونالى التركى والذي يري في المناطق التي كان يسيطر عليها سابقًا من الدول العربية مناطق نفوذ تاريخية يجب أن يتوسع ويتمدد فيها والعائق الأساسي هو الدولة المصرية وبالتالي هناك رغبة مشتركة بين تركيا وإثيوبيا على إضعاف الدور المصري.  أن هذه الاتفاقية هي حصيلة لزيارات سابقة لرئيس الوزراء التركي داود أوغلو إلى أثيوبيا حينما كان وزيرا للخارجية وصدر البيان الختامي ينص على أن تركيا تتقل خبراتها لإثيوبيا في بناء السدود وتساعدها أيضًا في الدفاع عن السد ضد أي تهديد. وتأتى الخطوة متزامنة مع إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة بين مصر وأثيوبيا والسودان بهدف خلق حلول لأزمة سد النهضة، وبدا من نصوص الاتفاقية أن هدفها الخفي يرمى إلى تقوية شوكة إثيوبيا أمام القاهرة عسكريا.    إن الجانب التركي يحاول   ابطال مفعول أي تحرك إيجابي مصري في منطقة القرن الإفريقي.  أن الجانب التركي يحاول إحياء ما سمي باتفاقية الرمح الثلاثي، التي وقعتها إسرائيل مع إثيوبيا في عام 1956، وكان الهدف منها هو السيطرة على المياه الإقليمية وفرض نفوذ في منطقة الشرق والقرن الإفريقي .

اعلن 20 يونيو 2020  الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي  إن أي تدخل مباشر من مصر في ليبيا له شرعية دولية تأسيسا   على ميثاق الأمم المتحدة  والتى تنص على  الحق  فى الدفاع عن النفس .   وفي كلمة ألقاها خلال تفقده للمنطقة العسكرية الغربية ، قال السيسي إن مثل هذا التدخل يهدف إلى حماية وحماية الحدود الغربية لمصر من التهديدات التي تشكلها الميليشيات الإرهابية والمرتزقة.  في غضون ذلك ، دعا السيسي المجتمع الدولي إلى كسر صمته بشأن التدخل الأجنبي في ليبيا. وشدد على أن "مصر تعتبر تقدم الميليشيات تجاه سرت والجفرة" خطًا أحمر "لا يمكن تجاوزه".  علما انه فى السابق قد انطلقت مناورات الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب الخميس 13/06/2019 في قاعدة محمد نجيب العسكرية لتدريب المشاركين على التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة. وستستمر التدريبات التي تشارك فيها القوات الخاصة من مصر وتوجو حتى 20 يونيو. وهي ثاني تدريب من نوعه تستضيفه مصر.  الأولى جرت العام الماضي بمشاركة مصر والسودان ونيجيريا وبوركينا فاسو. ويهدف التدريب إلى دعم الأمن والاستقرار في أفريقيا في مواجهة التهديدات والتحديات. ويعكس حرص القوات المسلحة المصرية على تعزيز التعاون العسكري مع الدول الأفريقية في ضوء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في 2019.

اعانت إثيوبيا إن هدف العام الأول لملء السد الضخم  على نهر النيل قد تم تحقيقه  جاء إعلان رئيس الوزراء أبي أحمد في الوقت الذي وافقت فيه إثيوبيا ومصر والسودان على استئناف المحادثات بشأن السد ، بعد قمة افتراضية.  ان المشروع مصدر توتر  استراتيجى هائل منذ بدء بنائه في إثيوبيا في عام 2011. ترى إثيوبيا أن المشروع الكهرومائي حاسم لنموها الاقتصادي ومصدر حيوي للطاقة. لكن مصر والسودان ، اللتين تقعان في مجرى النهر  سوف يتم تقليل  وصول لهم المياه بشكل كبير. لقد فشلت سنوات من المفاوضات في التوصل إلى إجماع حول كيفية ووقت ملء الخزان ، وكمية المياه التي يجب أن تطلق . وكان السودان قد قال من قبل إنه لاحظ انخفاض تدفق المياه على النيل الأزرق في أراضيه.   في وقت سابق من هذا العام ، حاولت الولايات المتحدة وفشلت في التوسط في صفقة. وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن المفاوضات المستقبلية ستركز على "تطوير اتفاقية قانونية ملزمة بشأن قواعد ملء وتشغيل" السد.  وصرحت ان اى تهديد لمياه مصر يعتبر تهديدًا لسيادتها.   من الواضح  فى الأمر ان هناك  يغير فى قواعد اللعبة إلى حد كبير ، وسيبدأ نظام جديد في المنطقة بأسرها الآن .  حيث  تجتمع فى إثيوبيا لأول مرة بين القوة المادية لكونها منبعًا يمكنها أن تتحكم بطريقة أو بأخرى في تدفق نهر النيل ، والقوة الاقتصادية للقدرة على بناء سد اعتمادًا على مواردها المحلية الخاصة.  قال ووزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي: "نحن مسؤولون عن أمة يبلغ تعدادها حوالي 100 مليون نسمة". "إذا انخفضت المياه القادمة إلى مصر بنسبة 2٪ ، فسوف نفقد حوالي 200.000 فدان من الأرض." 

هذا فى الوقت  الذى تمتد طموحات تركيا إلى ما وراء ليبيا إلى الساحل والصحراء . سيكون من الخطأ افتراض أن طموحات تركيا تقتصر على ليبيا أو شمال إفريقيا. سيكون من غير المعقول أن نتصور أن علاقات أنقرة  بالمنظمات الإرهابية تقتصر على العالم العربي.   لقد مهدت الحكومة التركية الطريق لمشروعها الإسلامي في إفريقيا منذ سنوات ، من خلال حيل القوة الناعمة وإقامة روابط مع الجماعات المتطرفة من خلال وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)  .  وهذا انعكس في مشاركة تركيا مع المسلحين من جميع أنحاء القارة. ربما لم يول الكثيرون اهتمامًا كافيًا لتعميق الروابط بين تركيا والمتطرفين في الدول الأفريقية مثل تشاد والنيجر ومالي ونيجيريا والكاميرون. حيث تعد معظم المنطقة المحيطة بليبيا أرضًا خصبة للتعاون والتنسيق بين أنقرة والمنظمات الإرهابية النشطة ، التي زادت من أنشطتها في الأسابيع الأخيرة مع انتقال تركيا إلى ليبيا وتشتت انتباه القوى الكبرى بسبب جائحة فيروس كورونا. بدأت جماعة بوكو حرام الإسلامية ، التي نشأت في نيجيريا ، في التوسع على نطاق واسع في دول حوض تشاد ، كما لو كانت تتبع أوامر محددة. يتزامن مع التدخل العسكري التركي في ليبيا .  في  فبراير 2019 ، هاجم المقاتلون الفرنسيون المتمردين المسلحين المدعومين من تركيا وقطر بعد عبورهم الحدود الجنوبية لليبيا لمهاجمة رئيس تشاد. تتركز الكتائب المسلحة والمرتزقة والإرهابيون في جنوب ليبيا بعد تأمين طرابلس والغرب.

وترجع علاقة التعاون تركيا بين المتطرفين في هذين البلدين المهمين في شمال أفريقيا، إلى فترة تولي قادة من جماعة الإخوان الحكم في القاهرة وطرابلس الغرب، بداية من عام 2012، وهي السنة التي ظهر فيها بوضوح اقتراب الإخوان من تنظيمات كانت مشهورة بالأعمال المسلحة ضد نظم الحكم السابقة. فقد كان  القذافي يحارب لأكثر من عشرين سنة «الجماعة الليبية المقاتلة»، بينما خاض  حسني مبارك، معارك طاحنة ضد الجماعات المتطرفة التي قتلت سلفه، الرئيس السادات، عام 1981. ومنذ سقوط نظام الرئيس مرسي زادت عمليات المتطرفين ضد السلطات في سيناء. وفي ذلك الوقت قدرت مصادر أمنية مصرية عدد العناصر التي تحمل السلاح ضد الدولة بعدة ألوف بينهم أجانب. لكن العدد تراجع إلى حد كبير على أثر حملة يقودها الجيش في سيناء منذ نحو ثلاث سنوات. وقال الشيخ ناجح إبراهيم إن الليبيين الذين جاءوا (ضمن المقاتلين الأجانب) في أيام الفوضى الأمنية في مصر (أحداث 2011)، لمؤازرة «أنصار بيت المقدس» في سيناء، عادوا سريعًا إلى ليبيا لأنهم لم يتحملوا الظروف القاسية التي وجدوها أمامهم.