عادل نعمان
والله وأقسم بالله لو كنت مسئولاً فى هذا البلد، لقدمت كل هؤلاء إلى المحاكمة اليوم وليس غداً، هؤلاء الذين يعيشون بيننا ويتمنون خراب ديارنا، ويستظلون بسماء بلادهم ويتمنون زوالها، ويأكلون من خيراتها وثمارها ويشتاقون لبوار أرضها وتصحر زرعها وعطش أهلها، وينامون فى أمنها وسلامتها ويرغبون ويشتاقون إلى هزيمتها على يد أسيادهم العثمانيين وأحفاد سليم الأول، ويقدمون أوطان الغرباء على أوطانهم، ورجال المعتدى على رجالاتهم، وشرف الترك على شرف الفراعنة، خابت أحلامهم وأمانيهم وأسيادهم وخلفاؤهم، فوالله لو متنا جميعاً رجالاً ونساء، لن تطأ قدم هؤلاء أرضنا، خلفاء أو أمراء، ولا سيادة إلا للوطن، وإنا لمنتصرون. هل يتصور هؤلاء المتخلفون أن دولة الخلافة تجرى على خطى سلاطين بنى أمية أو أحفاد بنى العباس أو ورثة عثمان أرطغرل، وأن حكم الإسلام والخلافة قادم على جواد هذا الأوردغان خليفة الترك، حتى نفتح له ديارنا وأبوابنا؟ ألم يقرأوا تاريخ آل عثمان الملوث والعامر والزاخر بالقتل والتشريد والذبح والقمع والإفقار والتجويع وكله تحت راية الخلافة الإسلامية؟ ألم يصل إلى علمهم أن هذه الخلافة هى التى تنازلت عن المسجد الأقصى وسمحت بقيام دولة إسرائيل؟ ألم يسمعوا عن عدد القتلى من المصريين والضرائب التى فرضت عليهم والظلم الذى وقع على العامة والخاصة والرجال والنساء؟ هذه هى الخلافة التى يتمناها الدراويش، ونبدأ بما قاله المؤرخ محمد بن إياس الحنفى فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» فقد وقعت فى القاهرة المصيبة العظمى فقد انتهك ابن عثمان (يقصد سليم الأول) حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها، وقتل أبطالها ويتم أطفالها، وأسر رجالها وبدد أحوالها» وهذا ما قاله سليم الأول نفسه قبل غزو مصر وانتصاره على السلطان الغورى فى موقعة مرج دابق. (إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة، والعب بأهلها بالسيف) وقد نفذ وعده وصلب طومان باى على باب زويلة، وداس الأزهر بخيوله، وهتك الأعراض وأزهق الأرواح، وهذا بن إياس فى نفس الكتاب يقرر «سقوط عشرة آلاف قتيل من سكان القاهرة فى يوم واحد»، وفى موضع آخر «لما دخل العثمانيون القاهرة نهبوا المغل «الغلال» الذى كان فى الشون وأطعموه لخيولهم، وسرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال وجمال السقايين»، ويقول باكياً «نبكى على مصر وسكانها، قد خربت أركانها العامرة، وأصبحت بالذل مقهورة، من بعد ما كانت هى القاهرة». ويظن البعض وبعض الظن إثم كبير أن الخلافة العثمانية تسبق الدولة الوطنية، لمجرد ذكر الإسلام ودولة الخلافة، حتى لو كانت الخلافة تحملها جيوش الاحتلال، فهذا كذب وافتراء، الدولة الوطنية المصرية تسبق الخلافة، بل تسبق كل الأديان، ولها من دعائم الدولة وأركانها ونظامها ما كان قائماً وناجحاً وعظيماً قبل الغزو العربى، فلا دولة فى الإسلام، والإسلام دين وليس دولة، وأعطونى مثالاً واحداً لدولة إسلامية أو خلافة ناجحة، وآخرها هذه الخلافة العثمانية وكل الخلافات السابقة التى أذلت الشعوب وسرقت ونهبت أموال الرعية، وخربت البلاد وجيوب العباد.

مصر أولاً، تسبق الدنيا كلها، وتتربع فى قلوب أبنائها، مهما كانت أحوالها، عفية أو ضعيفة، غنية أو فقيرة، ضاحكة أو باكية، هى الأم والأب والأهل والولد، والحياة والممات، والبيت والقبر، والجنة والنار، والسرير الوثير والخيش الفظ الغليظ، لقمة هنية مريئة فى طبق أو لقمة بملح فى صحن أو رغيف عيش حاف فى اليد، طبطبة بحنان على الكتف أو لطمة على الخد، نظام وفوضى، صدق وكذب، أمانة وفهلوة، مصر مقبولة ومهضومة نبلعها وتسرى فى دمائنا، نلعن يومها وغدها، ونكره اللى يقول آمين، فى عيوننا دمعة بكاء أو فرح، يتساويان ويتقاسمان الشفاه، مصر مرفوعة الخاطر حتى لو كانت مصطبة فى زقاق أو حارة ننام عليها دون غطاء، المهم أن نموت على أرضها واقفين. يا أيها المفصولون والمبتورون والمقطوعون عن الوطن، إن كان لكم خلاف أو خصومة أو حتى عداوة مع النظام، فليس بالخيانة يكون الحساب، وليس يباع الوطن للعقاب، وليس بحرق البلاد يكون الانتقام، وليس بضياع البلاد يكون الجزاء. يا أيها الشعب الموصول كونوا سنداً وعوناً فى المحن، صفاً واحداً مع الوطن، راية واحدة يحملها الأوفياء والمخلصون، مهما كان الخلاف مع النظام، معه أو ضده فنحن مع الوطن.
نقلا عن الوطن