ماهر عزيز بدروس
يشير التخبط الحالي في قضايا لاهوتية جوهرية الي محنة خطيرة يعانيها اللاهوت المعاصر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ،  والكنائس في العالم بصفة عامة..

فأمام  المشكلات التي كشف عنها الواقع الراهن في أزمات عديدة انفجرت علي غير توقع ، سواء علي صعيد العبادة الفعلية أو الممارسات الروحية ، صار اللاهوت كله علي المحك يثير من التساؤل والحيرة  أكثر مما يبث من اليقين  !!!

وعلي مدي الخمسين سنة الماضية لم يزد جهد اللاهوتيين المتخصصين علي ترديد مقولات اللاهوت التقليدي  الموروث من القرون الأولي ، واجترارها بعينها في كل الكتابات التي صدرت ، دون التطرق الي علاقة اللاهوت بالحياة الروحية للمؤمنين ،  ذلك أن كل ايمان يختص بالالهيات يعكس نفسه بالضرورة في الممارسات التعبدية اليومية بحياة الناس ، واذا كانت هنالك تجاوزات في مفاهيم العبادة بالجوانب التي قصرت عن منح الناس الثقة في الله ،  واليقين بعنايته للمؤمنين ،  فان الأحري بهؤلاء اللاهوتيين أن يشاركوا  بهذه القضايا عينها لتثبيت  المؤمنين .

لكنهم جميعا استغرقوا في الاستدعاء الجدلي الأخرق للمقولات اللاهوتية التقليدية ، وأثاروا حولها نفس الزوابع الخلافية  التي عصفت بها  علي مر التاريخ.

ولقد انقسم اللاهوتيون الي فريقين راحا ينازع أحدهما الاخر بادعاءات بلغت في بعض المهاترات التنابذية حد الاتهام بالهرطقة ، فتحصن الفريق الأول في النص التقليدي الجامد دون فهم ،  ودون تبصر  بانعكاسات هذا الفهم في الحياة الروحية للناس ...  فقط للتشبث بأركان سلطان طاغ تكرس له هذا الفهم التقليدي الجامد عينه...

وأراد الفريق الاخر أن يجدد في النص التقليدي الجامد المتوارث ...  ليس علي أساس من الانضباط اللفظي بما يناسب القضايا اللاهوتية ذاتها ،  وانما علي تنويعات من البديع التعبيري الذي أخفق ببراءة  ان يدقق القضايا اللاهوتية حق تدقيقها ، رغم ما تمتع به من سعة اطلاع وبحث موسوعي وشهرة طبقت الآفاق ، مما انتهي الي تربصات لاهوتية حادة راحت تتهاجم مع بعضها البعض في صياغات  صغيرة ضيقة لا تقترب من القضايا الحرجة في حياة الناس.

ومما يؤسف له أن كل المحاجات والشروحات والدروس اللاهوتية التي شاعت خلال الخمسين سنة الماضية لم تزد علي كونها مباريات بدائية في العبث اللفظي والمعنوي بقضايا جامدة في قوالبها النظرية العتيقة البعيدة كل البعد عن حياة الناس، وقد ظلت تجتر القضايا الكلاسيكية ذاتها دون ان تستطيع الانتقال الي فحص المشكلات الحادة التي أسفر عنها التطبيق الروحي للمفاهيم اللاهوتية في العبادة اليومية الحاضرة .

ان مشكلات حادة ترتبط بالفهم السائد   لايات  السلطان والحل والربط في الكتاب المقدس ،  تحتاج الان بشدة اجتهادا لاهوتيا جديدا ، بعدما كشف الواقع عن أن التطبيق المتوارث للفهم التقليدي لايات السلطان قد أسفر عن صور من  التحكم البشري العنيد التي قد تنتهي عاجلا الي فاجعة الرفض الكامل لنصوص الكتاب ،  والي التحكم ، والي الانقسام الخطير !!!

أن مشكلات حادة ترتبط الان بالفهم التقليدي السائد لايات الأفخارستيا صارت بحاجة شديد الي تأصيل لاهوتي جديد ..

ان مشكلات حادة ترتبط الان بالفهم السائد لايات الاعتراف  صارت ترتج بشدة علي أثر التجاوزات الصارخة التي ألحقت الضرر بجموع كبيرة من المؤمنين بعيدا عن أي روحانيات كاذبة ..

الحق ان تفاقم السلطان البشري في مسائل الروح  ، بما هم عليه البشر من عي ونقص وقصور ونسبية ، ينال نيلا مشينا من محبة الله وعدله .. صانعا مأزقا لاهوتيا صارخا ،  مما صار معه يحتاج بشدة الي فحص لاهوتي لازم للفهم السائد لايات الكتاب ،  وهو الفهم الذي يبدو الآن  ظاهريا معاندا للارادة السماوية..

الحاجة ماسة  اذن للاهوتيين أمناء ، يفحصون الحق الكتابي بأمانة ،  ولا يكونوا مجرد ناسخين لتبريرات القدماء التي وطدت سلطانا مهولا للبشر علي حساب الاقتطاع من سلطان الله..

لاهوتيون  أمناء يدركون بالوعي الروحي السليم للحق والعدل والبر  المقاصد الحقيقية للوحي الإلهي..

واذا كان التجريف قد حاق باللاهوتيين الجديرين بالبحث اللاهوتي خلال الخمسين سنة الماضية فإن جيلا جديدا من اللاهوتيين المقتدرين قد صار مطلوبا الآن بشدة ..

ان الوصول لاجابات حقانية صحيحة للقضايا اللاهوتية الحرجة هو المطلوب الان ،  بعدما أخفقت أجيال اللاهوتيين الماضية  في تقديم  الإجابة اللاهوتية الحق للقضايا الملتبسة ، التي أسفرت المشكلات التطبيقية الحالية المنعكسة  عنها عن لاتيقينية مربكة تهدد الإيمان تهديدا بالغا ...

واذا لم يوجد اللاهوتيون القادرون علي البحث الكتابي الحر النزيه ، والفحص الروحي المحايد العميق ، من أجل ربط المسائل النظرية بالتبصر في العواقب بحياة المؤمنين ، فإن الإيمان كله في خطر ،  والاعتقاد في عناية الله علي المحك .