قصة قصيرة – تأليف روماني صبري 
"الحياة  بخير طالما يستطيع الإنسان منح ابتسامة لنفسه قبل أن يختص بها الآخرين"، ظل هذا القول الذي أتيت على ذكره يعيش في وجدان سميحة، فتاة في الخامسة والعشرون ارتبطت منذ أسبوع بشاب يكبرها بعشر سنوات يدعى وائل، يعمل موظف علاقات عامة في شركة مرموقة، وهو من النوع الذي يفضل الضحك عامدا، أو بمعنى أصح يبتسم كثيرا حتى وهو يستعيد ذكرياته القديمة بحلوها ومرها، ليوضح انه رجل صافي النفس لا يحمل ضغينة لأحد رغم انه في النهاية كباقي البشر، فإذا صفعه أحدهم فجأة بالتأكيد سيثور ويغلي ليشرع في رد الإهانة طالما يستطيع ذلك، لينام متى غلبه النعاس مرتاح البال، أحب أن أخبركم أن سميحة تحبه للغاية، ليس كونه يظفر بأشد الجمال إلى جانب انه فرع الطول، ممشوق الجسد، وهو ما جعل صديقة عمرها ذات ليلة توبخها مازحة :" اش حال هتتجوزيه جواز صالونات، فوقي يا بنتي ده شافك في المكتبة وقرر يتجوزك عشان عجبه جسمك !، فتجيبها ضاحكة :" عارفة طبعا بس كفاية انه حلف لي انه عمره ما هيجبرني البس الحجاب، وبعدين هو بيحب الروايات زيي ودايما يبتسم وبيتعامل مع الكل بايجابية، بصي للإنسان ما بعد احتياجاته الجنسية، وعندي ثقة إني هعيش سعيدة معاه، تعرفي انه اتفق معايا أمبارح إننا نروي لبعض على "الماسنجر" أحداث من حياتنا فيها ذكريات جميلة حتى لو تخللها الم، ومنه ننسى أزمة كورونا، في الحقيقة أنا بحبه جدا جواز صالونات جواز بنطلونات مش فارقة معايا ، تعرفي انه مش بيزعل لما اشرب السجاير قدامه !، أول يوم أتقابلنا اقسم لي انه عمره ما هيتحكم فيا!."   
 
استقبلت سميحة بالأمس رسالة من حبيبها، نصها: "انيو موريكوني" مات منذ أيام، الموسيقي الايطالي الشهير، أتدرين لطالما أحببت هذا الرجل، لكم حقا يعد موسيقيا استثنائيا، كانت تقول أمي انك تعشقه للغاية، ومرد ذلك كونك تفرط في الحديث عنه، فإذا عرفه الموت على حين فجأة ستأخذ تجهش في البكاء لتصوم عن تناول الطعام أيام فتدخن المزيد من التبغ، لكن في الحقيقة هذا لم يحدث !، ولا استطيع تفسير ذلك، وأنا لا اشغل بالي حول ذلك، على أي حال لازلت استمع كثيرا لموسيقاه التصويرية في الأفلام، في فترة مراهقتي كنت ارتدي قبعات غريبة الشكل مثل روحي لا هي روسية ولا منشأ الصنع الصين، يقول والدي إنني كنت مفاجأة العام، لم اعرف طريق الاستحياء يوما، ولدت في القاهرة، تلك المدينة التي تكشف نفسها سريعا لأي غريب والتي بدت لجدتي مكانا جيدا لبيع الطيور من اجل جني الأموال.
 
 ولدت في ليلة شتاء قاسية داخل منزل لم يكتمل بناءة وكان بالمنزل تلفاز ابيض واسود، اشتراه والدي بعدما دخلت الكهرباء المنطقة ... والدي كان ينتظر ذكرا، أما والدتي فكانت شغوفة أكثر وتركت كل شيء في يد الخالق، لكنها رغم ذلك كانت تقول وهي تتلوى من الألم، كما اخبرني والدي :" الله اسمع طلبتي وامنحني ذكرا بديلا عن أخيه الذي أخذته إلي السماء وهو في شهوره الأولى، أتي والدي بـ"الداية" علي دراجته، وبسبب الأمطار الشديدة تكون الوحل فانزلق ليسقطا في الطين، فبكت الداية قائلة وهي تصفع الطين بيدها حانقة :" هذا يوم شاق شديد الكآبة اللعنة على الشتاء، لطالما كرهتها أنها لا تسترقي لاحتياجات البشر، وليخفف عنها والدي الألم، خلع خاتمه الذهبي ومنحها إياه، فضحكت ساجدة للرب، واختصته قائلة :" مبارك نسلك، سأصلي حتى يمنحك الرب ذكرا.
 
حين وضعتني أمي، ضج المنزل بزغاريد الداية، الذي امتزج مع صوت الرعد والأمطار، فشرع أبي بلفي في عباءته باهظة الثمن، كان يضحك ويربت على كتفي أمي، قالت لي انه قبلها كثيرا وقتها، أنا من أبناء الشتاء، والشتاء جميلة يا سميحة مثلك، حين بلغت خمسة عشر عاما، أبصرت حادثة انتحار، رجل أقدم على الانتحار بشنق نفسه بعد وفاة زوجته، كان جارا لنا وكان يحبها كثيرا، و بين همس وغمز الجيران خرج الحاج شاكر يقول مختصا الواقفين :" يموت كافر عشان مراته، ثم تلفظ لفظا قبيحا، أو نحن من جعلناه كذلك، فقلت لنفسي إذا لماذا تمنت أمي ذكرا، ولماذا الرجل تحدث بقسوة دميمة؟! .. عندما اكتب اصف أمي بقديسة فهي الأم التي انشغلت بإخوتي الإناث أكثر، وفي كل الأحوال تميل الأمومة أن تلد الذكور أكثر وتلك سخافة، منذ صغري وأنا اختبئ في قميصي واحلم، وكأن ضلعا جديدا يخلق بي، فاشعر انه يتمدد أكثر من الشجر مثل حلقة جديدة تمنح أحلامي الكثير من المتعة . 
 
لماذا نميل نحن البشر للصعبانيات ؟!، هل الفنانين السبب وراء ذلك؟، وأود أن أشير إلى إنني كنت من ضمن هؤلاء في الماضي، حتى إنني كتبت منذ عشرون عاما نصا يزخر بالأخطاء اللغوية غير مترابط وعمدت ألا أقوم بتعديله وإعادة صياغته، ليظل كالشوكة في حلقي، وهو يقول : أحلامي تلك التي أضع عليها ضمادة من الشاش والبن لعبور اليوم، ارتدي سروال ابيض وأقول في سري لكم احن لروث الحمير التي كانت تعاني بمنزل العربجي جارنا، والشمس في الشتاء حين تأتي خلسة مثل الشيء الجيد، عكس الحياة التي نحياها بشكل لاانساني وأضيف أن مشكلة البشرية الأزلية هي العوز، الحياة مثل الشخص المحب للذهب، ثمة صورة أخرى لسطو الجلاد والإنسان يحن لكلاهما والحياة تزخر بالكلاب التي تحن للبشر وتكن لهم الاحترام .. اشتريت دودة ذات يوم كي اصطاد سمكة وقد نسيت إنني لا املك صنارة ولكن الأمل حين يسكنك في ظل ستائره يجعلك مثل الأستاذ مدحت الذي كنت أتابعة في وسط المدينة، كان وسيما يشبه الملك أحمس، كان يقول لي عزيزي وائل لن يستطيع احد نزع مصر مني فهي مثل الماريجوانا، تعتنق الدين وتقتل من أجله، وأنا ارفض تزييف التاريخ لتمجيد الأتراك، ثم يظل يستعرض تجاربه وكيف أصبح معلم التاريخ الأشهر، وأنا معه كراكب القطار المحطة التي إميل لها انزل إليها بابتسامة تشبه زائر الليل بعذوبة وحزن .. واكتب أن الحياة ليست فقيرة مازالت القاهرة مولدي وما زال العند يحتل أيامي بأشكاله البشعة والمثيرة .. كانت أياما مليئة بالتجارب، حيث لم انتمي إلي عائلة واسعة الثراء، يوما حيث مدافن الأبرار مصانة وفي كل يوم اختتم ساعاتي قائلا حمدا لله ليس في الحياة أي ريب علي أي حال، حيث قررت عامدا أن احترم كل البشر ولا ابغض غير هؤلاء الذين يميلون لحمل السلاح لقمع الآخر، ألا يجعلني ذلك طفلا بريئا !، اختلف مع أبي كثيرا ولكن مهما يكن من أمر فلولاه لما أحببت قراءة الكتب، رغم انه لم يقرأ في حياته كتاب، قال لي عندما بلغت الست سنوات عليك بقراءة الكتب، وأنا اعلم كل العلم أنها ستضع حجر الأساس لعلاقة غير طيبة بيننا ولكن فليكن !.
 
انقضت ٥٠ دقيقة لترد عليه سميحة برسالة وهي منشرحة النفس جراء ما قرأته، وتقول رسالتها : حقا لكم تمتع بأسلوب يجعلك كتابا جيدا، ولا اخفي سذاجتك حين قلت انك تضع على أحلامك ضمادة، لكن على أي حال هذا طبيعيا ومألوفا، أتتذكر جدي صاحب القول الذي أميل له ؟، عندما أصابه مرضا لعينا خفت كثيرا علية، كان نقيا وتافه في نظر الكثيرين من العائلة، آما بالنسبة إلي فكان رجلا جميلا، اعترف لي ذات يوما انه ارتكب الكثير من الأخطاء في شبابه حتى وصل الأمر انه قتل كلب كان يخشاه، وذلك عندما دس له السم في قطع الدجاج، فأخذ الكلب يتألم ويتألم ويتألم ... حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وحيدا في الشارع، في ذلك اليوم بكا بكاء مر واحتضنني فإذا به يقول :" اللعنة على الشباب، فاما كان مني إلا أن احتضنته ورحت اقبل يده ورأسه، ثم دمدم يقول بصوت حزين :" لا لا .. وما علاقة الشباب بالأمر !.
 
 قرر الرجل على حين فجأة أن يستحيل إلى طفلا بمحض إرادته، أتذكر انه كان لا يفضل ارتداء الساعات والذهب مثلي، كذلك دجالين الشرق كان يبغضهم مثلي، رغم أن والدي يحترمهم ويمنحهم القداسة؟ لماذا لم يرث كرههم من أبيه ؟!، الحياة مثيرة حقا يا حبيبي، أتدري رغم إنني عاهدتك ألا اخبر أحدا بما يدور بيننا إلا إنني رحت اروي لصديقتي كل شيء!، اعلم كل العلم انك ستغفر لي، طالما تعشق الشتاء مثلي، لعن الله الفيروسات لكم احن أن نتشابك الأيدي ونحن نسير بالقرب من زخات المطر، فنغني سويا، فيختصنا المارة المتشددون قائلين بصوت مسموع غير مدمدمين :" لعنة الله عليكم." 
 
وأردفت تقول :" أن استطاعوا وقتها البصق على اللحن سيشرعون لتنفيذ ذلك، حين ودع جدي الحياة أبصرت وجهه مبتسما، قال أبي انه دخن التبغ قبل موته بدقائق رغم تحذيرات الطبيب، أشعر انك نادما على شيء، لذلك تعيش بكيفية جيدة ما يجعلني احبك كثيرا وأقدرك، وليس مرد حديثي إنني أجرك لتروي لي باقتضاب شديد أخطاءك في الماضي... أنا أصلي كثيرا هذه الأيام حتى يعرفنا منزل واحد، فلا يجب أن نفترق، إذا فقدتك سينزل بي اكتئاب شديد، وقتها سألعن الحياة، كما لعنتها عندما انفصلت عن خطيبي السابق، لكم يعتصر قلبي بالأسى حين أتذكره، ذات يوما أخبرته انه يشبه جدي، كما أخبرك الآن!، أدرك إنني لست سوية، وعليك احترام ذلك، ولتعلم رغم ذلك لا اعتبر رسالتي تدعو للشفقة والاستياء، فأنت مثلا قلت لي بعد خطبتنا انك في طفولتك كنت تغرز ابرأ في بطون الذباب ما جعلك نادما حتى اليوم رغم استمرارك في تناول اللحوم !، حسنا حسنا ... من أنا لأصدر أحكاما عليك، لتعلم إنني احبك للغاية، وأبغضت نفسي قبل العالم كما فعلت، اخبرني ... أليس كوننا نتشارك  في الكثير من الأمور ألا يجعلنا هذا  سعداء فيما بعد؟!،عموما هذا ما سنكتشفه." 
 
واختتمت رسالتها تقول :" جدي كان نبيلا رايته في يوما يخبئ وجهه بيديه وهو يحلق لحيته، حيث وقع في نوبة ضحك هستريا، كونه تذكر لقاءه الأول مع جدتي رحمهما الله، استطيع أن أقول لك الآن وبكل صدق أن ابتسامته لخصت أننا جميعنا نحتاج للتعاطف!، الم تقل لي ذلك عندما نجحت في إفشال عملية سرقة من قبل بعض موظفي شركتك، كونك تمنيت قبلها واقعة مثل هذه حتى تتم ترقيتك!، وهو ما حدث.. عندما رويت لي الواقعة اعتراك الحزن ربما لأنك أفرطت في السعادة بعد إلقاء الشرطة القبض عليهم، لذلك اجتاحني القلق يومها، فإذا بي احدث نفسي وأنا العق بلساني صوص البشاميل من بين أصابعي بعدما تركتك، هل ارتبط بي كتحصيل حاصل فحبيبي يظهر عليه الاستسلام والندم !، لكنني سرعان ما خففت من آلامي واحتسبتك من الصادقين، وأليس الإنسان الصادق يكن كراهية وحب للحياة في الوقت نفسه ؟!، وأخيرا وليس آخرا احبك كثيرا وليشهد خالقي على ذلك.     
         
ليتها تتحقق أحلام أبطال هذه القصة والتي تبدو خالية من أي حبكة مألوفة، على أي حال من سيشرع في إلقاء اللوم على كاتبها، طالما لم تنزل بالنفوس شعور الاشمئزاز !، كما أن سميحة ووائل يتفقان على حب الكتب!، كل ما في الأمر أن أبطالها خاضوا الكثير من التجارب الحياتية والعاطفية، وان تحدثنا عن العاطفية منها سأقول : لم تكلل جميعها بالنجاح، ما جعل صبرهم ينفذ، وليس لب الموضوع الآن من كان المخطئ هم أم الآخرون، طالما الجميع يصيب ويخطئ، ... طالما يحمل جميعنا نفس المعاني البشرية والتي نخجل منها في كثير من الأحيان خاصة حين نكره  الآخرون، علاوة على أن تقويم الإنسان لنفسه ليس نوعا من الوقاحة، في قرارة نفسي أقول أن من رحمة الله بالبشرية أوجد النسيان، بالطبع لا جدال في هذا.
"تمت"