حمدي رزق
«اللى ميعرفش يقول عدس!»، ويستوجب المعرفة قبل الفتيا، ما تمخض عنه قانون دار الإفتاء الجديد هو ترجمة لائحة الدار المستقرة منذ ٢٠٠٧ فى قانون، دون مساس بالاستقلال المالى والإدارى والفنى مع ترفيع تبعية الدار لمكانتها العالية من وزارة العدل، كما كان معمولا به من أيام محمد على باشا، إلى رئاسة مجلس الوزراء، لمقام الدار الرفيع.

البغبغة والحكى البغيض عن مشروع القانون، واتهامه بما ليس فيه، وقد مُنحت الدار فى القانون الجديد أبعادا وآفاقا أوسع وأعمق لفهم طبيعة الدور الذى تمارسه الدار فى الشأن الدينى من خلال ما تمتلكه من صلاحيات وإمكانيات فعلية تمكنها من ممارسة مهامها ووظائفها لكى تحقق الأهداف المرجوة، ولسنا استثناء، العديد من البلدان الإسلامية قد عدّلت أو شرّعت قوانين جديدة تضمن استقلالية دور الفتوى ماليا وإداريا وفنيا لتقوم بدورها ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.

مبررات دار الإفتاء'>استقلالية دار الإفتاء حتى عن الأزهر الشريف مستبطنة فى الضمير الجمعى، واختلاق معركة موهومة بين الدار والمشيخة، والجدار (جدار المشيخة) فى الجدار (جدار دار الإفتاء)، والمحبة التى يكنها الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، لفضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، وافتخاره كونه أزهريا قحا، ويُفتى بتناغم مع مجمع البحوث الإسلامية، وفقا للخط الأزهرى الوسطى المستبطن تيسيرا على الخلايق.

أين إذن المعركة التى تروج لها الإخوان'> منابر الإخوان العقورة، مشروع قانون يقدمه رئيس اللجنة الدينية فى مجلس النواب، الدكتور أسامة العبد، رئيس الجامعة الأزهرية الأسبق، يقدمه فى العام ٢٠١٨، وتُعقد لمناقشته ١٨ جلسة مفتوحة فى إطار اللجنة الدينية، يحضرها كبار العلماء، وفى مقدمتهم مفتى الديار المصرية، دكتور شوقى علام، حضرها جميعا إلا جلستين تغيب لظروف خاصة، وحضر معظمها وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، ومن الحضور اللافت الدكتور على جمعة، والدكتور نصر فريد واصل (من المفتين السابقين)، والدكتور محيى الدين عفيفى ممثلا للأزهر الشريف، والمستشار القانونى للمشيخة، وممثلون رفيعو المستوى لوزارات المالية والتخطيط والعدل، وطائفة من النواب والشيوخ.

ماذا نقول بعد كل ما قيل.. لو سألت مفتى الديار المصرية عن القانون لأجابك بنعم، أخيرا صار للدار قانون بديل عن اللائحة، واللائحة آلية التشريع الفرعى بعد القانون والدستور وتقع على درجة أدنى، فلا يجوز أن تخالف القانون، الذى بدوره لا يجوز أن يخالف الدستور.

علمًا لمن لا يعلم، ترشيح المفتى من قبل هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، نفس الهيئة التى ترشح اسم الإمام الأكبر فى حالة خلو المنصب، ويجرى على ترشيح المفتى ما يجرى على ترشيحات القضاء، ترشح هيئة كبار العلماء باعتبارها أعلى هيئة شرعية ثلاثة مقدرين ليسمى الرئيس من بينهم مفتيًا للديار المصرية.

عصرنة اللوائح القديمة، وترسيخها فى قانون، نقلة هائلة فى تاريخ دار الإفتاء العريقة (تأسست دار الإفتاء المصرية فى عام 1895م/ 1313هـ)، وترفيع تبعية الدار (سياسيًا) من وزارة العدل إلى رئاسة مجلس الوزراء إضافة لافتة، واستدامة الاستقلال المالى والإدارى والفنى خليق بالاعتبار.
نقلا عن المصرى اليوم