محمد محمود
من ضمن النتائج الجيدة التي ستحدث حال انتصار مصر سياسيا او حتى عسكريا في مواجهة التحديات التي فرضت عليها حاليا، هو ابتعاث فكرة القومية المصرية وانتصار الأمة المصرية في مواجهة فكرة الأمة الدينية التي يروج لها داخل مصر منذ عقود خلت....

الأمة المصرية فكرة بدأت بذورها مع محمد علي من خلال محاولته للاستقلال عن الدولة العثمانية المحتلة ومحاولة إنشاء كيان مصري خالص غير تابع لأي كيان آخر تحت أي مسمى....

تعمقت فكرة الأمة المصرية مع تصاعد القوة العسكرية المصرية وتحقيق انتصارات مبهرة على دولة الاغوات في عقر دارها وكان المشروع على وشك الاكتمال لولا تدخل القوي الغربية التي كانت تخشي الصعود والتفوق المصري....

ظلت فكرة الأمة المصرية تتصاعد لدي المصريين طيلة باقي القرن التاسع عشر حتى توجت ونضجت بالكامل خلال ثورة ١٩ والتي كانت بمثابة الإعلان النهائي عن بعث الأمة المصرية من جديد بعد قرون من الاستباحة والضياع تحت مسميات عدة وأسماء عديدة....

ظلت الأمة المصرية متماسكة قوية لا يفرق بين أبنائها دين او جنس او لون أو حتى عرق، وظل المجتمع المصري مصريا حتى بمكوناته غير مصرية الأصل مثل الشوام والارمن وحتى الاوروبيين المتمصرين ولكن جمع كل هؤلاء الانتساب للثقافة المصرية والجيوسياسي المصري المعروف....

ولكن، بعد وفاة الرئيس عبد الناصر الذي حاول نقل الولاء للأمة المصرية الي الولاء للقومية العربية بوصفه زعيما عربيا عابرا للحدود، جاء الرئيس السادات بمشروع مخالف لمشروع عبد الناصر وفي محاولة منه للقضاء على إرث سلفه الكبير قام السادات بالتحالف مع تيارات الإسلام السياسي التي جاءت حاملة للمشروع البديل...... الهوية الإسلامية والانتماء للأمة الإسلامية بديلا عن الانتماء للأمة المصرية الوطنية..

لا داعي للحديث عن سلبيات ذلك المشروع ويكفي ما أحدثه من فرز واقصاء وتخوين لقطاع عريض وكبير من المصريين لمجرد أنهم غير مسلمين....

منذ منتصف السبعينات وهذا المشروع هو المهيمن والمسيطر بحكم تخلي الدولة عن دورها وتراخيها بل ورضاها عنه وتماهيها معه وبحكم المبالغ الاسطورية التي تم انفاقها عليه حتى تاريخه....

هذا المشروع انتج لنا شريحة ضخمة من المصريين لا ينتمون لمصر ولا يحبونها ولا حتى يحترمونها بل وصل بهم الأمر إلى حد رفض الوقوف لعلمها وترديد نشيدها القومي وتخطي الأمر ذلك حين سبوا الوطن ووصفوه بأنه حفنة تراب وان الوطنية شرك والوطن وثن وكفروا أجدادنا العظام استنادا على النص الديني والتراث الغازي....

لهذا المشروع عملاء داخل نسيج الوطن وخونة يكرهون مصر ويحقرونها ويحتقرونها وعلى النقيض من ذلك يروجون للمشروع الإسلامي العابر للحدود والخاضع للولاء للسادة العثمانيين والخلافة الغابرة على حساب الوطن والأمة المصرية....

هؤلاء طابور خامس وفي ادبيات السياسة والحروب خونة لا يحق لهم التمتع بمزايا هذا الوطن والانتساب إليه، وهؤلاء في اي مواجهة مع الكيان التركي المعتدي سيكونون قلبا وقالبا معه ضد وطنهم، فرابطة الدين عابرة وغالبة على رابطة الوطن والوطنية كما قال سيد قطب في كتابه معالم على الطريق، وهم الآن يروجون لذلك ويستقطبون الجماهير نحو ذلك....

لذلك اقول ان انتصار مصر في تلك المواجهة سيتبعه إنتصار الهوية الوطنية المصرية على حساب الهوية الإسلامية التي يسوق ويروج لها منذ عقود، ابتعاث الهوية المصرية سيتبعه فورا انهزام المشروع الديني على أرض الوطن....

اتمنى ان تدرك الدولة المصرية ذلك والعمل عليه وتنقية الثوب المصري مما علق به من أدران قندهار وتورا بورا واسطنبول