د. مينا ملاك عازر
كان أحد القضاة الفرنسيين جالساً في شرفة منزله يستنشق الهواء، وبالصدفة شاهد مشاجرة بين شخصين، انتهت بقتل أحدهما وهرب الشخص القاتل.
فأسرع أحد الأشخاص إلى مكان الجريمة، وأخذ القتيل وذهب به إلى المستشفى لإسعافه ولكنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة ومات، فاتهمت الشرطة الشخص المنقذ وكان بريئاً من هذه التهمة، وللأسف فقد كان القاضي هو الذي سيحكم في القضية.
 
وحيث أن القانون الفرنسي لا يعترف إلا بالدلائل والقرائن، فقد حكم القاضي على الشخص البريء بالإعدام على الرغم أن القاضي نفسه هو شاهد على الجريمة التي وقعت أمام منزله، وبمرور الأيام ظل القاضي يؤنب نفسه المعذبة بهذا الخطأ الفادح ولكي يرتاح من عذاب الضمير،اعترف أمام الرأي العام بأنه أخطأ في هذه القضية وحكم على شخص برئ بالإعدام، فثار الرأي العام ضده واتهمه بأنه ليس عنده أمانة ولا ضمير.
 
وذات يوم أثناء النظر في إحدى القضايا، وكان هذا القاضي هو نفسه رئيس المحكمة، فوجد المحامي الذي يقف أمامه لكي يترافع في القضية مرتدياً روب أسود، فسأله القاضي : لماذا ترتدي هذا الروب الأسود؟
 
فقال له المحامي : لكي أذكرك بما فعلته من قبل، وحكمت ظلماً على شخص برئ بالإعدام، ومنذ تلك الواقعة وأصبح الروب الأسود هو الزي الرسمي في مهنة المحاماة، ومن فرنسا انتقل إلى سائر الدول.
 
لا أعرف بشكل قاطع مدى دقة هذه القصة، لكنها إن كانت حقيقة، فلما لا نتتبع أحداثها، القاضي التزم بالقانون، ولم يعمل بروحه، عمل بما تقوله الكتب، وتلزمه بعمله، ولم يعمل عقله حتى استيقظ ضميره، وضغط عليه، الأزمة هنا أن في قصتنا استطاع القاضي أن يعترف أمام العالم كله أنه أخطأ، ربما سامحوه، ربما لم يستطيعوا مجازاته، لأن القانون مرة أخرى لا ينص على مجازاته، فاستمر في عمله، الأزمة من حكم عليه بالإعدام لا يمكن استعادته لحياة مرة اخرى، إن كان قد نفذ به الحكم، وهنا تكمن الأزمة، أن كثيراً من الأمور في حياتنا ينفذ المسؤول عنها ما يكتب عنها في الكتب دون إحكام عقله والتمييز، بينما هو واجب التنفيذ بحسب النظريات وما هو ضروري بحكم الواقع المرير. 
 
ومرة أخرى نجد أنفسنا وبحكم تلك القصة أمام مسألة أكثر تعقيداً، أننا وإن كنا ندعي فهم كل شيء، والمعرفة ببواطن كل شيء، فعلينا أن نتمهل بالرغم من هذا، فربما نكون مخطئين، فإذا وضعتك الظروف في موقف الحكم، فاحرص على إظهار الحقيقة، مهما كان فهي أمانة، لذا نحن أمام مسألة أخيرة، تضعنا أمامها تلك القصة، هي أننا علينا أن نقول ما يجول في ضميرنا مهما كنا نظن أننا غير ملمين حتى نستطيع المناقشة، وإجلاء  الموقف، وحينها نستطيع الحكم السليم، فنكون بهذا ساعدنا المسؤول ومن بيده الحكم على أن يتخذ القرار الصحيح. 
 
المختصر المفيد قول الحق أمانة، فلا تصمتوا ولا تتبعوا القانون، والكتب فهي جمادات وضعت لخدمتنا وليس لنعبدها.