في مثل هذا اليوم 15 يوليو 1099م..
أدّى تفكك الدولة العباسية إلى دويلات متناحرة إلى ضعف العمل بالشريعة الإسلامية من قبل بعض الحكّام فلقي المسيحيون كثيرًا من الاضطهاد وهُدمت كنيسة القيامة في القدس خلال عهد الخليفة الفاطمي أبو علي منصور الحاكم بأمر الله وتعرّضت حياة الحجاج الأوروبيين للخطر.

عندما سقطت القدس بقبضة الأتراك السلاجقة سنة 1076 إزدادت الحالة سوءًا وكثر التعدي على الحجاج الأوروبيين بشكل خاص بسبب ما كانوا يحملونه معهم من النفائس والأموال فكانت تلك إحدى الأسباب التي أدّت لنشوب الحروب الصليبية.

حصار القدس، حدث في 7 يونيو - 15 يوليو 1099 أثناء الحملة الصليبية الأولى، حيث حاصر وأسقط الصليبيون المدينة من قبضة الفاطميين.
لقد استمرّت الحروب الصليبية فترة طويلة ناهزت القرنين، منذ أن انطلقت أولى حملاتها السبعة في عام 1095، إثر خطبة مثيرة ألقاها البابا أوربان الثاني في فرنسا دعا فيها إلى القيام بحملة إلى الشرق من أجل الاستيلاء على بيت المقدس وتحريرها من سيطرة المسلمين، ووعد المتطوعين في الحملة بحياة أفضل في الدنيا، وبغفران ذنوبهم إن قتلوا. وصلت هذه الحملة إلى أسوار القدس في 7 يونيو 1099، بعد أن سيطرت على الجزء الأكبر من بلاد الشام.

بعد نجاح حصار أنطاكية في يونيو 1098، بقى الصليبيون في المنطقة لنهاية العام. توفى المندوب البابوي أدمار من لو پوي، ادعى بوهموند من تارانتو بأحقية حرش أنطاكية. ظل بالدوين من بولونيا في إديسا، وأسقطها في أوائل عام 1098. وكان هناك شقاق بين الأمراء حول ما ينبغي عمله في الفترة المقبلة؛ ترك ريمون من تولوز أنطاكية محبطاً، للاستيلاء على حصن في معرة النعمان أثناء حصار معرة النعمان. في نهاية العام هدد ريمون، الفرسان الصغار وضباط المدفعية بالتوجه إلى القدس بدونهم.

حصار عكا:
في نهاية ديسمبر وأوائل يناير، وافق روبرت من نورماندي وصنجيل، ابن عم بوهموند، على خدمة ريمون، والذي كان ثرياً بما يكفي لدفع ثمن خدماتهم.

مع ذلك، فقد رفض گدفري من بويون، الذي كان يأتيه عائدات من أراضي أخيه في إديسا، أن يفعل المثل. في 5 يناير، دك ريمون أسوار معرة النعمان، وفي 13 يناير بدأ في السير جنوباً، حافي القدمين مرتدياً زي الحجاج، متعقباً روبرت وصنجيل. وكانو يسيرون بمحاذاة البحر المتوسط، حيث لم يواجهو أي مقاومة تذكر.

خطط ريمون للاستيلاء على طرابلس لنفسه ولتأسيس ولاية مشابهة لولاية بوهموند في أنطاكية. في البداية، حوصر بالقرب من عكا. في هذه الأثناء، قام گدفري، وروبرت من فلاندرز، الذي كان قد رفض أن رفقة ريمون، بالإنضمام لبقية الصليبيون في اللاذقية والتحرك جنوباً في فبراير. وسار بوهموند معهم إلى أنه سرعان ما عاد إلى أنطاكية. في الوقت نفسه ترك صنجيل خدمة ريمون وانضم إلى گدفري، لخلاف غير معروف. قوة أخرى منفصلة، وانت كانت ذات علاقة بگدفري، تحت قيادة جاستون الرابع من بيرن.

وصل گدفري، روبرت، صنجيل وجاستون إلى عكا في مارس، ولكن الحصار كان مستمراً. كان الوضع متوتراً ليس بين القادة العسكريين فقط، لكن بين رجال الدين أيضاً؛ حيث أنه بعد وفاة أدمار لم يعد هناك قائد حقيقي، ولم يكن منذ اكتشاف پيتر بارثولوميو للحربة المقدسة في أنطاجية، كان هناك اتهامات بالتزوير بين مختلف القادة الدينيين. في النهاية، في أبريل، تحدى أرنولف من تشوك پيتر بالتعذيب بالنار. قبل پيتر بالمحاكمة وتوفي متأثراً بجراحه...

حصار القدس:
كانت بيت المقدس في ذلك الوقت خاضعة للدولة الفاطمية، وكان عليها افتخار الدولة مع حامية المدينة، فاتخذ مجموعة من الخطوات لتعزيز صمودها في وجه الصليبيين، فسمم الآبار وقطع موارد المياه، وطرد جميع من في المدينة من المسيحيين لشعوره بخطورة وجودهم أثناء الهجوم الصليبي، وتعاطفهم معهم، وقوَّى استحكامات المدينة.

كانت قوات الصليبيين التي تحاصر المدينة المقدسة تقدر بأربعين ألفًا، وظلت ما يقرب نحو خمسة أيام قبل أن تشن هجومها المرتقب على أسوار المدينة الحصينة، وكان الجند في غاية الشوق والحماسة لإسقاط المدينة، فشنوا هجومًا كاسحًا في يوم الإثنين الموافق 12 يوليو 1099 انهارت على أثره التحصينات الخارجية لأسوار المدينة الشمالية، لكنَّ ثبات رجال الحامية الفاطمية وشجاعتهم أفشل الهجوم الضاري، وقتل الحماس المشتعل في نفوس الصليبيين، فتراجعت القوات الصليبية بعد ساعات من القتال.

كان موقف الصليبين سيئاً، إذ كانوا يعانون العطش وقلة المؤن، ولكن وصول سفن حربية من جنوه إلى يافا قدمت المساعدة للصليبيين بالمؤن والإمدادات والأسلحة والمواد اللازمة لصناعة آلات وأبراج الحصار، رفعت من معنويات الصليبيين، وقوت عزائمهم وثبتت قلوبهم، وطمعوا في النصر، هذا في الوقت الذي كانت تغيب فيه عن ساحة الدعم أي إمكانية لتقديم مساعدة من جانب الحكام المسلمين، الذين تركوا المدينة تواجه مع تلك الحامية الصغيرة قدرها المحتوم، وإن أرسلت بعض الإمدادات والقوات، فإنها وصلت بعد فوات الأوان وسقوط المدينة.

اقتحام المدينة:
تأهَّب الصليبيون لمهاجمةَّ أسوار المدينة بعد أن نجحوا في صناعة أبراج خشبية ومعها آلات دك الأسوار، وعجّل من الإسراع بالهجوم ما وصل إلى الصليبيين من أن الوزير الفاطمي الأفضل الجمالي في طريقه من مصر على رأس جيش ضخم لإنقاذ مدينة بيت المقدس. اختار الصليبيون أضعف الأماكن دفاعًا عن المدينة لمهاجمتها بأبراجهم الجديدة، ولم يكن هناك أضعف من الجزء الشرقي المحصور بين جبل صهيون إلى القطاع الشرقي من السور الشمالي، وكان منخفضًا يسهل ارتقاؤه، وحرك الصليبيون أبراجهم إلى السور الشمالي للمدينة.

وفي مساء الأربعاء13 يوليو 1099 شن الصليبيون هجوما حاسماً، ونجح افتخار الدولة في حرق البرج الذي اقترب من السور الواقع عند باب صهيون، ولم يملك الصليبيون إزاء هذا الدفاع المستميت والخسائر التي منيوا بها سوى الانسحاب بعد يوم من القتال الشديد.

لكن هذا الفشل لم يثن الصليبيين عن محاولات اقتحام المدينة، والاستيلاء عليها مهما كان الثمن، فشنوا هجومًا ضاريًا فجر يوم الجمعة الموافق 15 يوليو 1099، واستمر القتال متكافئاً حتى تمكن البرج المتبقي لهم من الالتصاق بالسور، وإنزال الجسر المتحرك الذي يصل بين قمة البرج وأعلى السور، فعبر خلاله الجنود واستولوا على جزء من السور الشمالي للمدينة، ونجح عدد كبير من المهاجمين في الاندفاع إلى داخلها، وولت الحامية الفاطمية الأدبار نحوالمسجد الاقصى و قبة الصخرة واحتموا بهما، وبذلك سقطت المدينة في أيدي الصليبيين بعد حصار دام أكثر من أربعين يوماً.

المذبحة :
بعد أن دخل الصليبيون المدينة المقدسة، تملَّكتهم روح البطش والرغبة في سفك دماء العزَّل الأبرياء، فانطلقوا في شوارع المدينة وإلى المنازل والمساجد يذبحون كل من صادفهم من الرجال والنساء والأطفال، واستمر ذلك طيلة اليوم الذي دخلوا فيه المدينة. وفي صباح اليوم التالي، استكمل الصليبيون مذابحهم، فقتلوا المسلمين الذين احتموا بحرم المسجد الأقصى، وكان أحد قادة الحملة قد أمَّنهم على حياتهم، فلم يراعوا عهده معهم، فذبحوهم وكانوا سبعين ألفًا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبَّادهم وزهّادهم ممن فارقوا أوطانهم وأقاموا في هذا الموضع الشريف.

ويعترف مؤرخو الحملات الصليبية ببشاعة السلوك البربري الذي أقدم عليه الصليبيون، فذكر مؤرخ صليـبي ممن شهد هذه المذابح وهو ريموند صنجيل، أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد غداة تلك المذبحة، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه، وإلى مثل هذا القول أشار وليم الصوري، وهو الآخر من مؤرخي الحروب الصليبية. وكتبوا إلى البابا يفتخرون بما فعلوا دون وازع من خلق أو رادع من دين، فما لامهم ولا استنكر فعلتهم! ودمروا ما شاء لهم أن يدمروا ، ونهبوا الكثير، كما نهبوا بعض المعادن النفيسة التي كانت على المقدسات، ولا سيما قبة الصخرة.

ما بعد الحصار
انتهى الحصار بانتصار الصليبيين واستيلائهم على مدينة القدس وتأسيس مملكة بيت المقدس وأعلان گدفري ملكاً على القدس.!!