إمام أحمد
انتهت فرح من آخر امتحانات الثانوية العامة الثقيلة، كانت على موعد مع أصدقائها في مساء اليوم للاحتفال ببدء أجازة نهاية العام. عادت إلى البيت، فطمأنت والديها وطلبت منهما الدعاء بأن تحصل على مجموع يمكنها من الالتحاق بكلية الطب، ثم تناولت الغداء سريعاً وارتدت فستاناً مبهجاً يليق بأول أيام الأجازة وألقت نظرة سريعة على شعرها المنسدل أمام المرآة.

- فرح: هكون مع سارة ومنى، هنشتري لبس وناكل أيس كريم ونشم شوية هوا بعد ما كابوس الثانوية انزاح. هرجع البيت بدري مش هتأخر.

- الأب: خدي بالك من نفسك، وطمنينا عليكي أول ما توصلي، خلي التليفون في إيدك.

- الأم: ما تتأخريش يا فرح، بوسيلي سارة ومنى من هنا ومن هنا. وقبل الساعة تسعة تكوني داخلة البيت.

- فرح: تسعة إيه يا ماما؟!.. بحبحيها شوية، ده أول يوم أجازة.

- الأم: خلاص.. قبل تمانية تكوني في البيت.

- الأب ضاحكاً: يالا يا بنتي روحي لأصحابك. كلمة كمان أمك هتقفل الباب وتقولك مفيش خروج زي ما بتعمل معايا.

قبّلت فرح يد والدها، وألقت قبلة من بعيد لوالدتها، وخرجت مسرعة. مرت ساعة، وساعتان، وثلاث، ثم رن هاتف والدة فرح:

- أزيك يا طنط.. أنا سارة. بكلم فرح مابتردش، هي مانزلتش من البيت؟

الفتاة الجميلة، المجتهدة، التي تحلم بأن تكون طبيبة لم تصل إلى موعدها، ولم تعد إلى بيتها. سقطت ضحية لمجرم قرر أن يشبع رغباته بها، وبعد أن انتهى من جريمته فرّ هارباً. في ساعة متأخرة من الليل وصل إلى الأهل الهالعين هاتفاً يخبرهم بأن ابنتهم تم استقبالها في طوارئ أحد المستشفيات القريبة من البيت، هرع الأب والأم ومعهما بعض الجيران، فلما فاقت فرح من إغمائتها، ثم فاقت من صدمتها، كشفت عن هوية المجرم. هو جارها «علي» الذي عاكسها في مرات سابقة، وكانت تسكت خوفاً من وقوع مشكلة؛ فوقعت الجريمة.

- معقول.. علي يعمل كدة!

بعد ضبط الشاب العشريني والتحقيق معه؛ اعترف بجريمته، وتقرر حبسه على ذمة القضية. لكن مع مرور بعض الأيام، ونزولاً على توسل أهل المجرم، قرر أحد الجيران التدخل بهدف الصلح وإقناع أسرة فرح بالتنازل.. هو الشيخ رشدي.

- الشيخ رشدي: إحنا جايين لكم في خير إن شاء الله.

- والد فرح: أتفضل يا شيخ، الشاي يا أم فرح.

- الشيخ رشدي: قبل ما نتكلم في أي حاجة. طمنّا على صحة بنتنا. عاملة إيه دلوقتي؟

- والد فرح: نحمد ربنا، ربنا يهون عليها وعلى أمها.

- الشيخ رشدي: أنا هخش في الموضوع على طول. الواد علي أخطأ، وعرف خطأه، وأهله قصدوني أتدخل.

- والد فرح: قصدوك في إيه يا شيخ؟

- الشيخ رشدي: يعني طالما عرف غلطته، ملهوش لزوم نضيع مستقبله، ويبقى فضل منكم تتنازلوا وتتصالحوا.. وأهو الصلح خير.

- والد فرح: أتنازل عن حق بنتي، أتصالح مع مجرم. وهي الجريمة دي مجرد غلطة يا شيخ علشان أقول له معلش يا شاطر، ماتعملش في بنتي ولا بنات الناس كدة تاني.

- الشيخ رشدي: مش مجرد غلطة يا حاج، ده جُرم طبعاً، وجُرم كبير كمان. لكنه جُرم مشترك زي ما أنت عارف.

- والد فرح مذهولاً: مشترك!.. يعني إيه مشترك يا شيخ؟!

- الشيخ رشدي: يعني الولد أخطأ، واتعاقب. وفرح ربنا يقومها بالسلامة أخطأت كمان لما خرجت من البيت لوحدها، ولما ارتدت ملابس غير شرعية تثير غرائز الشباب.

والد فرح يهز رأسه ببطء ويحدق بعينيه ولا ينطق

- الشيخ رشدي: قلت إيه يا أبو فرح؟

قام والد فرح من مقعده، وتحرك ثلاث خطوات بطيئة باتجاه الشيخ رشدي، وأطال له النظر عن قرب كأنه يفتش في وجهه عن علامة ما، ثم باغته بصفعة قوية على خده الأيسر، جعلت الدم ينزف من بين أسنانه. صرخت الأم وتجمع الجيران واصطحبوا الشيخ رشدي إلى خارج الشقة، لكنه قبل أن يغادر قال له والد فرح زاعقاً:

- أعذرني يا شيخ رشدي.. وشك أثار غرائزي

بلاش تخليني أشوف وشك مرة تانية يا.. يا شيخ!
نقلا عن الوطن