كتب : بيتر عاطف
لا شيء في السجن يبعث على الرضا سوى شيء واحد هو توفر الوقت للتأمل والتفكير.
 
لم يولد شخص يكره شخصا اخر بسبب لون بشرته او اصله او ديانته ولكن الناس يتعلمون الكراهية ، واذا كانوا قادرين على تعلم الكراهية اذا فإننا قادرين على تعليمهم المحبة 
 
أن تكون حرا ليس مجرد التخلص من القيود بل هو أن نعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين.
هذه كان احدى المقولات لواحد من اهم المناضلين ضد العنصرية والظلم في العالم 
هذا المناضل هو نيلسون مانديلا 
الذي ولد وقضى طفولته في قبيلة بدائية في جنوب افريقيا 
ثم استطاع ان يصبح اول رئيس اسمر البشرة لدولة جنوب افريقيا واستطاع انهاء العنصرية والظلم ضد أصحاب البشرة السمراء بعد سنوات طويلة من الكفاح والنضال ضد العنصرية وقضاء حوالي 30 عاما في السجن 
سنوضح في هذه الحلقة من هو نيلسون مانديلا وكيف استطاع انهاء العنصرية في جنوب افريقيا 
 
 
ولد نيلسون مانديلا في 18 يوليو 1918 في قرية مفيتزو Mvezo بمقاطعة أوماتاتا في جنوب افريقيا 
عمل نيلسون مانديلا في طفولته برعي الماشية وعندما بلغ سن السابعة من عمره التحق بإحدى المدارس الانجيلية 
وعندما بلغي نيلسون 9 سنوات توفى والده 
وبعدها ذهب للعيش في منطقة اسمها  " مكيكزويني " وكان تحت رعاية زعيم تلك المنطقة
واكمل دراسته في المدرسة الانجيلية ثم التحق بالمدرسة الثانوية وفي عام 1937 انتقل إلى مدينة " هيلدتاون " ليكمل تعليمة الجامعي 
واثناء فترة الدراسة الجامعية مارس نيلسون مانديلا رياضة الملاكمة التي ظل يمارسها لسنيين كثيرة بعدها 
واكسبته تلك الرياضة جسداً رياضياً مفتولا بالعضلات 
وحصل ايضاً على لليسانس الفنون من جامعة " فورت هير" وهي جامعة النخبة من أصحاب البشرة السمراء 
 
وبعد انهاء الدارسة الجامعية عاد الى " مكيكزويني " في ديسمبر 1940 ووجد مانديلا ان زعيم تلك المنطقة قد رتب له زواجا من احدى الفتيات من المنطقة 
فرفض مانديلا وهرب الى مدينة " جوهانسبورج " التي تعد اكبر المدن في جنوب افريقيا 
وعمل كحارس ليلي في احد المناجم
ثم التقى بالناشط السياسي في " حزب المؤتمر الوطني الأفريقي " «والتر سيسولو». الذي ساعد مانديلا في الحصول على وظيفة كاتب تحت التمرين في مكتب محاماة 
ثم قرر دراسة القانون في عام 1943 و عند بدئه لدراسات القانون ، كان مانديلا الوحيد في الكلية من أصحاب البشرة السمراء  فواجه الكثير من الوافق العنصرية
لان دولة جنوب افريقيا كانت تحت حكم أصحاب البشرة البيضاء 
وتوجد الكثير من القوانين العنصرية التي تعرف بقوانين الفصل العنصري 
التي كانت تعطي امتيازات كثيرة لأصحاب البشرة البيضاء على حساب أصحاب البشرة السمراء 
 
 
خلال هذه الفترة انضم مانديلا الى " حزب المؤتمر الوطني الأفريقي "
وهو حزب كان يسعى لتكوين حكومة ديموقراطية وانهاء الفصل العنصري في جنوب افريقيا 
وفي يوم  5 أكتوبر 1944 تزوج مانديلا من زوجته الأولى " إيفلين ماس "
 
وزادت اوضاع اصحاب البشرة السمراء سوءاً بعد انتخابات عام 1948 والتي كان من حق أصحاب البشرة البيضاء فقط ابداء أصواتهم فيها
واستطاع "الحزب الوطني" الوصول للسلطة  وهذا الحزب صاحب النزعة العنصرية العلنية  وضع قوانين وتشريعات جديدة لزيادة الفصل العنصري في جنوب افريقيا 
مثل قانون يعرف باسم " قانون المرور "
الذي يتحكم في تحركات أصحاب البشرة السمراء ويبقيهم خارج المناطق المخصصة لاصحاب البشرة البيضاء 
وان نسي شخص اسمر البشرة بطاقة المرور الخاصة به يتم القبض عليه ويلقى في السجن 
وعارض حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تلك القوانين العنصرية 
ودعا الي قيام مظاهرات ترفض تلك القوانين
وكان من اكبر قادة تلك المظاهرات هو نيلسون مانديلا 
ثم قام بفتح مكتب للمحاماة لكي يدافع عن أصحاب البشرة السمراء بأجر منخفض 
وازداد نشاط مانديلا السياسي واصبح واحد من اهم القادة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي
وزاد مع ذلك قلق السلطات منه 
وفي عام 1952 بدأ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تنظيم حملة لإلغاء نظام الفصل العنصري وذلك عن طريق المقاومة السلمية وبدون عنف 
وزاد عدد المنتسبين لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي من 20 الف الى 100 الف  
وردت الحكومة على الاحتجاجات بالاعتقالات الجماعية والأحكام العرفية على المعتقلين 
وفي 30 يوليو 1952 تم اعتقال مانديلا وحكم عليه بالسجن لمدة 9 اشهر 
وبعد ذلك منعته الحكومة من حضور الاجتماعات الخاصة بالحزب او الانضمام الى أي تجمع 
وبعدها قررت الحكومة حظر مانديلا من الخروج من مدينة جوهانسبرج لمدة خمس سنوات
واستمرت الحكومة في زيادة القوانين التي تقوي نظام الفصل العنصري وتظلم أصحاب البشرة السمراء 
واستمر مانديلا في معارضة الحكومة واشعال المظاهرات الرافضة للنظام
وكانت في تلك الفترة حياة مانديلا الزوجية مع ايفلين  تنهار وفي شهر مارس 1958 قاموا بالطلاق من بعضهم 
وبعد ذلك بدأت علاقة بينه وبين فتاة تدعى " ويني ماديكيزيلا " وتزوجا في 14 يونيو 1958
 
وفي يوم 21 مارس 1960 بدأت مظاهرات واحتجاجات ضد قانون المرور 
قام فيها المتظاهرين بتمزيق بطاقات المرور الخاصة بهم 
وذلك أدى الى غضب رجال الشرطة وكان ردهم عنيفاً
حيث قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين وراح ضحية تلك المظاهرات 69 قتيلا وأصيب 176 
وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ وأعلنت حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بانه حزب غير قانوني  
وزادت بعدها اعمال القمع 
وقام مانديلا بحرق بطاقة المرور الخاص به وتعمد التقاط صورة له وهو يحرق بطاقة المرور وهو يبتسم 
وسعى لكي تكون تلك الصورة حافز للأخرين بالثورة ضد الظلم والعنصرية  
وبدأ نيلسون يشك في التمسك بمبدأ اللاعنف ضد الحكومة التي تمارس اعمال عنيفة ووحشية ضد المعارضين 
اعترض في البداية أعضاء المؤتمر الوطني الأفريقي على تصريحات مانديلا التي تشجع على استخدام القوة ضد حكومة جنوب افريقيا 
لكن بعد فترة قليلة تغير موقفهم وانشأوا مجموعة مسلحة سرية واصبح مانديلا هو رئيس تلك الجماعة 
وقامت تلك الجماعة ببعض عمليات التفجير التي استهدفت في معظم الأوقات المؤسسات وليس الأشخاص 
واصبح مانديلا هو اكثر الرجال المطلوب القبض عليهم في جنوب افريقيا 
 
وفي يوم 5 أغسطس 1962استطاعت الشرطة القبض على مانديلا ، لكن المحكمة لم تجد ادلة كافية ضده تربطه بعمليات التفجير لذلك وجهت له تهم التحريض على التظاهر ومغادرة البلاد بطريقة غير قانونية
واثار القبض على مانديلا غضب أصحاب البشرة السمراء وقاموا بالاحتجاج والتظاهر اما المحكمة 
وفي يوم 11 يوليو 1963 استطاعت الشرطة العثور على المخبئ السري لتنظيم مانديلا المسلح 
ووجدت هناك جميع الأدلة والوثائق التي تدين مانديلا 
وتم توجيه تهم بالتخريب والتآمر للإطاحة بالحكومة باستعمال العنف لمانديلا ورفاقه
وأصبحت العقوبة التي تواجههم هي الإعدام 
ووقت مانديلا امام المحكمة ولم ينكر انه هو الذي خطط لتلك العمليات 
والقى خطاباً مدوياً في المحكمة اثار جميع المتظاهرين خارج المحكمة 
 
وتم الحكم على مانديلا ورفقائه بالسجن مدى الحياة 
وتم وضعهم في سجن جزيرة روبن الذي كان يسجن فيه اكثر المجرمين خطورةً
وكان يجبر السجناء على العمل الشاق يوميا في تكسير الحجارة بدون أي راحة 
وكان لم يحق لمانديلا ان يتلقى او يرسل الرسائل الا مرة واحدة كل 6 اشهر 
وسجن مانديلا في زنزانة صغيرة مساحتها 2.5 متر في 2 متر ليس بها غير حصيرة من القش لينام عليها
ورغم معاناة مانديلا من المعاملة السيئة من حراس السجن الا انه استمر في محاولاته لتحسين أحوال السجناء 
ومنذ بداية عام 1967 بدأت تتحسن ظروف السجن تدريجياً نتيجة محاولات ماندريلا 
و في أبريل 1982، تم نقل مانديلا إلى سجن اخر هو سجن بولسمور Pollsmoor الذي كانت الأوضاع فيه افضل من سجن جزيرة روبن 
وتم السماح له بزيادة الرسائل بينه وبين زوجته وابنائه فاصبح من حقه ارسال 52 رسالة في السنة بعد انا كانت رسالة واحدة كل 6 اشهر 
وزادت اعمال العنف في جنوب افريقيا أصبحت الدولة على وشك البداية في حرب أهلية 
وكانت نتيجة تلك المشاكل انهيار الاقتصاد في جنوب افريقيا 
ولم ينسى الشعب مانديلا اثناء فترة سجنه ولكنه تحول الى رمز لحركة القضاء على الفصل العنصري 
وفي الثمانينات عرضت الحكومة اكثر من مرة على مانديلا الافراج عنه ولكن بشرط ان يرفض العنف ضد حكومة جنوب افريقيا لكن مانديلا رفض تلك العروض 
واضطرت الحكومة في النهاية لقبول مطالب المعارضة 
وفي يوم 11 فبراير1990 تم الافراج عن مانديلا 
ولحظة خروجه من السجن وجد الالاف في انتظاره واجتمعت وسائل الاعلام من جميع انحاء العالم لرؤية مانديلا اثناء خروجه من السجن بعدما قضى في السجن 28 عاماً
وألقى خطابا أعلن فيه عن التزامه بالسلام والمصالحة مع الأقلية من أصحاب البشرة البيضاء وأوضح أن الكفاح المسلح لن ينته بعد  وأنه سيستمر «كإجراء دفاعي بحت ضد عنف نظام الفصل العنصري» وانه يأمل من الحكومة قبول المفاوضات بحيث "لا تكون هناك أي ضرورة للكفاح المسلح
وفي عام 1994 ولأول مرة في تاريخ جنوب افريقيا اصبح لاصحاب البشرة السمراء الحق في ابداء أصواتهم في الانتخابات واختيار حاكمهم 
واستطاع مانديلا ان يصبح اول رئيس اسمر البشرة لدولة جنوب افريقيا 
وبذلك استطاع انهاء العنصرية في جنوب افريقيا 
وفي عام 1993 حصل على جائزة نوبل للسلام بسبب مجهوداته في انهاء الفصل العنصري في جنوب افريقيا
وظل يحكم جنوب افريقيا الى يوم 14 يونيو 1999
وفي يوم 5 ديسمبر 2013 توفي نيلسون مانديلا 
وبذلك انتهت حياة واحداً من اهم المناضلين من اجل الحرية واصبح رمزاً لكيف استطاع رجلاً واحد ان يقوم بتغيير كبير في العالم 
 
 
 
مراجع المعلومات   The Long Walk Of Nelson Mandela  History.com - Nelson Mandela  Biography.com - Nelson Mandela