بينما يعد الاقتصاد المتحمل الأكبر لتبعات أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، التي تسيطر وتستحوذ على اهتمام العالم حاليا، فإن بعض القطاعات ربما تنجو من الأزمة لتحمل الاقتصاد الجريح على يديها للبحث عن إنقاذ ما تبقى من فرص النمو أو حتى وقف نزيف الخسائر، إذ تحمل كل أزمة فرصة سواء أثناء حدوثها أو حتى بعد أن تنتهي.

ويرى خبراء، أن هناك بعض القطاعات الأساسية التي من المتوقع أن تقود نمو اقتصاد مصر خلال الفترة الحالية، والتي من بينها قطاعات الزراعة، والتصنيع الزراعي، والصناعات الغذائية، والخدمات الأساسية، والغزل والنسيج، وربما قطاع الإنشاءات بعد عودته للعمل ولو بشكل جزئي.

وأرجع المحللون توقعاتهم بأن تقود هذه القطاعات نمو الاقتصاد في ظل تراجع قطاعات أخرى بشكل حاد مثل السياحة، إلى أنها قطاعات تمثل خدمات أساسية لا يمكن للمستهلك الاستغناء عنها حتى في ظل الأزمة الحالية وحظر التجول الجزئي في الفترة الحالية.

وتوقعت الحكومة تباطؤ النمو الاقتصادي بمصر إلى 4.5% في الربع الثالث، وإلى 1% في الربع الرابع من السنة المالية الحالية بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن هالة السعيد وزيرة التخطيط يوم الأحد الماضي.

وأضافت الوزيرة أن هدف الحكومة كان تحقيق نمو سنوي بنسبة 5.6% خلال العام المالي الجاري، لكنها خفضت توقعاتها حاليا إلى 4.2%.

وتفرض الحكومة عددا من الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، والتي ينعكس بعضها بشكل مباشر على الاقتصاد، ولكنها في نفس الوقت لم تنفذ إغلاقا أو حظرا كليا محاولة إمساك العصا من المنتصف حتى لا يتعرض الاقتصاد لخسائر أكبر مقارنة بالحظر الجزئي الذي تم استثناء المصانع وبعض خدمات النقل والتجارة منه.

وقال محمد أبو باشا كبير الاقتصاديين ببنك استثمار هيرميس، لمصراوي، إن القطاعات المرشحة لقيادة نمو الاقتصاد خلال المرحلة الحالية تتمثل في الصناعات الغذائية والدوائية والزراعة والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي.

وأضاف أبو باشا أن قطاع الإنشاءات يمكن أن يسهم في نمو الاقتصاد خلال المرحلة الحالية أيضا مع احتمالية حفاظه على معدلات نمو إيجابية بعد عودته للعمل في الأيام الماضية.

وأرجع أبو باشا صمود هذه القطاعات وتحملها مسؤولية نمو الاقتصاد خلال المرحلة الحالية- التي تشهد مخاوف من ركود عالمي وتوقعات بانكماش بعض الاقتصادات- إلى أنها قطاعات أساسية من الصعب أن يتوقف الاستهلاك بها رغم الظروف الحالية.

واتفق الخبير الاقتصادي هاني توفيق مع أبو باشا، قائلا إن أهم القطاعات المتوقع أن تقود النمو خلال المرحلتين الحالية والمقبلة تتمثل في قطاعات الزراعة، والتصنيع الزراعي، والغزل والنسيج.

وأضاف توفيق أن هذه القطاعات تعتمد على إشباع الحاجات الأساسية للسوق الداخلي من استهلاك، مثل الطعام والشراب والملابس وغيرها، وفي نفس الوقت تعتمد على مواد خام محلية في إنتاجها وهو ما يجعل من الصعب تأثرها بما يحدث بالأسواق العالمية والأزمة التي يمر بها العالم حاليا جراء تداعيات فيروس كورونا المستجد.
ماذا بعد انتهاء أزمة انتشار كورونا؟

قال هاني جنينة الخبير الاقتصادي، لمصراوي، إنه بعد انكشاف أزمة انتشار فيروس كورونا الحالية، من المتوقع أن تقود قطاعات الإنشاءات، والسياحة، والخدمات المالية النمو في عام 2021.

وأرجع جنينة توقعه إلى 4 عوامل رئيسية يتمثل أولها في تباطوء العمل في بعض المشروعات القومية الكبرى وتأجيل افتتاحها إلى عام 2021، ما يعني أن وتيرة العمل ستتضاعف بمجرد رفع حظر التجول.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه، خلال اجتماع مع رئيس الوزراء، ووزير الإسكان، يوم السبت الماضي، بتأجيل فعاليات وافتتاحات المشروعات القومية الكبرى التي كان من المفترض القيام بها خلال العام الحالي إلى عام 2021، بما في ذلك الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك افتتاح المتحف المصري الكبير، ومتحف الحضارة المصرية.

وذكر جنينة أن العامل الثاني يتمثل في أن من المتوقع التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه عملاقة- على غرار محطات تحلية المياه العملاقة في دول الخليج والجزائر، خاصة مع استمرار النزاع مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة.

ثالث هذه العوامل في رأي هاني جنينة هو أن انهيار توافد السائحين في عام ٢٠٢٠ من المتوقع أن يعقبه ارتفاع حاد في نمو القطاع بما فيه الطيران في عام 2021 خاصة مع افتتاح المتحف المصري الكبير.

ويتمثل العامل الرابع في أن تأجيل الإنفاق على السلع المعمرة خلال عام 2020 سوف يعقبه ارتفاع حاد في الشراء في 2021، ومعظم السلع المعمرة- سيارات وأجهزة كهربائية منزلية وغيرها- يتم تمويلها بواسطة القطاع المصرفي أو القطاع المالي غير المصرفي.
الأزمة فرصة للاستثمار؟

يرى بعض المستثمرين أن الأزمة الحالية ربما تتحول إلى فرصة كبيرة للاستثمار خاصة في ظل وصول أسعار العديد من الأسهم خلال الأسابيع الأخيرة إلى مستويات جاذبة جدا للشراء مع التراجعات الحادة للبورصات نتيجة أزمة كورونا، خاصة التي تعد قطاعاتها واعدة ولها مستقبل كبير للنمو مع انتهاء آثار هذه الأزمة.

وقال رجل الأعمال نجيب ساويرس رئيس شركة أوراسكوم القابضة للاستثمار، في مداخلة مع قناة العربية يوم الاثنين الماضي، إن هناك فرصا للاستثمار خلقتها الأزمة الحالية، والسعودية اشترت بعنف في أسهم شركات بترول مثل شل وإكسون موبيل والشركات التي انخفضت أسعارها نتيجة انخفاض سعر البترول.

وأصاف أن أسهم شركات الإنترنت انخفضت جدا في أوروبا خلال الفترة الماضية، نتيجة توقف المبيعات بسبب عدم استطاعة بيع هذه الشركات لخدماتها على الأرض، وبالتالي هناك فرص عديدة في مجالات مماثلة وهو ما سيعيد البورصات إلى وضعها الطبيعي قبل الأزمة مع استغلال هذه الفرص.
هل تعد الأزمة الحالية فرصة ذهبية للاقتصاد الرقمي بمصر؟

قال محمد أبو باشا إن من المنتظر حصول الاقتصاد الرقمي على دفعة كبيرة من أزمة انتشار فيروس كورونا لتساعده على النمو والانتشار بشكل كبير بعد الأزمة، والوصول بشكل أسرع للمواطنين مقارنة بالوضع دون حدوث الأزمة الحالية.

وأضاف أبو باشا أن الفترة الحالية ستسهم في إدراك أهمية الاقتصاد الرقمي واتجاه المصريين له، وذلك بعد الحاجة إلى وسيلة تساعد على إنجاز الكثير من المهام في ظل الإجراءات الاحترازية الحالية والمخاوف من انتشار المرض وهو ما يمكن أن يقوم به هذا النوع من الاقتصاد.

وعمل البنك المركزي على استغلال الأزمة الحالية من خلال اتخاذ عدة إجراءات تشجيعية خلال الأسابيع الأخيرة لتشجيع المواطنين على استخدام التكنولوجيا في تعاملاتهم المالية من خلال إلغاء رسوم استخدام ماكينات الصراف الآلي التابعة لأي بنك، وكذلك إلغاء الرسوم على نقاط البيع، ورسوم التحويلات بالجنيه، وتشجيع استخدام خدمات الموبايل والإنترنت بنكنج والمحفظة الذكية.

ومن أجل تشجيع المواطنين على استخدام الخدمات بشكل أكبر فرض المركزي قيودا على تداول النقد، حيث حدد 5 آلاف جنيه حدا أقصى للسحب والإيداع بماكينات الصراف الآلي، إلى جانب وضع حد أقصى 10 آلاف جنيه للسحب والإيداع للأفراد و50 ألف جنيه للسحب للشركات بفروع البنوك.

كما عملت مصلحة الضرائب خلال الفترة الأخيرة على مناشدة الممولين من الأشخاص الطبيعيين لتقديم إقراراتهم الضريبية، وسداد إلتزاماتهم بشكل إلكتروني لتجنب الزحام قدر الإمكان بمأموريات الضرائب لمنع انتشار فيروس كورونا.

وأشار هاني توفيق إلى بزوغ أهمية وفرصة الاقتصاد الرقمي خلال المرحلة الحالية والمقبلة مع تداعيات انتشار فيروس كورونا ووجود حظر تجول، ولجوء الكثيرين إلى النصح باستخدام الوسائل الإلكترونية لقضاء الاحتياجات سواء المالية والتجارية أو غيرها.

وأوضح أن هذه الظروف دفعت البنك المركزي لاستغلالها ووضع قيود على تداول النقد وحد أقصى للسحب والإيداع النقدي، حتى يلجأ المواطنون للتعامل بالوسائل الإلكترونية، بالإضافة إلى انتشار الاقتصاد والتجارة المعتمدة على وسائل الاتصال الحديثة مثل خدمات الديلفري والتجارة الإلكترونية والاعتماد على التكنولوجيا.

ولكن توفيق أكد أهمية توعية للمواطنين، من أجل الاستفادة من هذه الفرصة، بوسائل التعامل المصرفي الرقمي مثل استخدام بطاقات الائتمان، والتعامل عبر المحمول والإنترنت من خلال الموبايل بنكنج والإنترنت بنكنج، وهو ما كان يجب أن يسبق قرار البنك المركزي الأخير بوضع قيود على تداول الكاش وذلك من أجل تسهيل تنفيذه.