نهاد أبو القمصان
شهد المجتمع جريمة قتل بشعه لامرأة شابة لم يتجاوز عمرها ٢٣ عاماً، تاركة وراءها دراسة جامعية لم تُنهِها وطفلاً عمره سنة أنجبته نتيجة تعجُّل أهلها بزواجها وهى ما زالت طالبة فى ساحات الدرس. الجريمة قام بها قاتل بتحريض من زوج القتيلة الذى قيل إنه أراد الزواج عليها من أخرى أو التخلص منها طلاقاً بلا أى حقوق. وليس أسهل فى مجتمع شرقى علّق شرفه ليس على التزامه بالكلمة أو وفائه بالعهد أو حسن الخلق، وإنما علّق شرفه على أكتاف النساء فقط، من أن يتم ابتزاز المرأة بما تحمله على أكتافها وفى عنقها بما يسمى «شرف العائلة».

حرّض الزوج عاملاً لديه على تمثيل مشهد تكرر عشرات المرات فى الأفلام والمسلسلات، مستمد من الواقع، وهو مشهد الاعتداء على الزوجة الشابة الصغيرة وأن يدخل الزوج الهمام فى اللحظة الحاسمة ليصورها ويبتزها؛ إما أن تقبل أن يتزوج عليها بأخرى أو الطلاق دون أى حقوق لها وللولد. وانقلب الموقف للقتل لأن الشابة المسكينة تربت على أن الشرف معلّق فى رقبتها وأغلى من حياتها، فقاومت بالدرجة التى دفعت فيها حياتها.

أما الزوج عديم الشرف الذى تربى على أن شرفه مثل الحذاء يخلعه ليعلقه على أخت أو زوجة، فلم يشغله أنها زوجته وبينهما ميثاق غليظ أو ابن سوف يعيش عمره يُعيَّر بذنب لم ترتكبه أمه، كل ما فكر فيه هو ابتزازها. لا معنى للزوج ولا للرجولة أو أى من القيم التى يملأ المجتمع بها آذاننا ليل نهار.

لكن من أين أتى هذا الزوج بالجرأة للتفكير بهذه الطريقة؟! فى الواقع من القانون الذى يميز ضد النساء ويجعلهن عرضة لكافة أنواع الظلم، فقانون العقوبات ينص على أن من يفاجئ زوجتة بالزنا ويقتلها يُفلت من العقاب لأن أعصابه المرهفة لا تتحمل هول الصدمة، أما إذا فاجأت زوجة زوجها بالزنا فعليها وهى التى تُتهم دائماً بالعاطفية والاندفاع، عليها أن تكظم غيظها وإلا أُعدمت. ليس هذا فقط، فجريمة الزنا للرجل تتحقق فى سرير زوجته فقط، أما جريمة الزنا ضد المرأة ففى أى مكان حتى لو على قهوة فى مكان عام. صورة توضع على الفيس بوك كفيلة بادعاء الزنا تُفقد المرأة سمعتها وحقوقها وحضانة أولادها.

هذا الظلم البين يجعل النساء عرضة للابتزاز ونيران جهنم وكثيراً ما يُستخدم إذا تجرأت امرأة على طلب الطلاق وحقوقها، خاصة أن عدم ثبوت الزنا لا يترتب عليه عواقب تردع من يجرؤ على اتهام النساء بالزور. ولزيادة الإمعان فى الظلم فاتهام الزنا يستوجب حضور المرأة المتهمة بنفسها أمام القاضى وأن تدخل قفص الاتهام. أما الجرائم الماسة بالشرف حقاً، مثل السرقة والنصب والشيكات بدون رصيد، فلا تستوجب حضور المتهم بنفسه فى أول درجة.

إنها قوانين وضعها رجال صمموها فقط للإفلات من أى مسئولية عن أفعال مخلة بالشرف. إذا زنا أحدهم فالجريمة لا تتحقق إلا فى بيته، لذا يفضل الذهاب لبيوت الهوى، وإذا انكشفت شبكة دعارة وهو فى وضع مخل بالشرف فلا عيب فى ذلك سيكون شاهداً والمرأة هى التى ستُسجن لأنها غوت الرجل المسكين الذى بلا عقل، أما لو قتلته زوجته فهى ستُعدم. فهل تصمم القوانين لتحقيق العدالة أم للإفلات من العدالة والتشجيع على القتل؟!

هذه جريمة مؤسفة ومؤلمة، لكنها فى الوقت ذاته كاشفة عن فساد التشريع وضرورة التغيير.
نقلا عن الوطن