قصة قصيرة تأليف – روماني صبري 
أستبد فرح لا مثيل له بأحمد بسيوني حين امسك قصيدة شعر بعثت بها إليه خطيبته السابقة، فقال في نفسه ضاحكا وهو يتكئ على كرسيه :" هذا جميل ويحدث دائما داخل المجتمعات التي تحترم الإنسان وتهتم بحقوق الحيوان فتضج موائدها باللحم المشوي وكؤوس الشمبانيا، المجتمعات التي توبخ  الأطفال حتى يعرفهم فن الاتيكيت ، لذلك من الجميل قراءة قصيدة تحمل توقيع "دينا"، رغم إنني لطالما علمت كل العلم أنها ستظل ضعيفة الموهبة، على أي حال سيظل الإنسان على ما يرام طالما أنهى علاقاته القديمة بكل كياسة، وربما لا تشعر دينا بالسعادة في بيت أسرتها، آه أن الحب والحاجة لشريك أكثر ما يرهقنا، ولماذا ليس كل شيء سهلا مثل الإيمان بالله ؟! ، هل هذا طبيعيا ومألوفا؟، ولماذا أتذكر حادثة بائع العيش النحيف الآن رحمه الله؟، رباه لكم ينقبض القلب بمجرد تذكرها لبشاعتها.
 
حدث في يوما من الأيام وان قرر رجل على حين فجأة قتل كلبه، قال أن القتل بداية الطريق للثراء كونه سيجعل قلبه صلبا لاسيما وانه سيتخلص من كائن عزيز لديه، وفي الحقيقة كان ممسكا بكتاب حمل عنوان "تعلم التمثيل في 3 أيام ونصف"، وأردف مدمدما انه حين يظفر بما يريد سرعان ما سيستحيل إلى شخصا عنيفا كريها ينشف عرقه كل ثانية من كثرة ممارسته الجنس، قال في نفسه :" نعم سأصبح واسع الثراء وأعيش حياة فارهة لأعاشر الكثير من النساء طالما يكتظ جيبي بالمال، وقتها لن أفكر في الزواج، لانتقم من نفسي أو ربما لأصفع النساء اللواتي أشفقن على حالي وأنا أبيع لهن العيش في الشارع بملابسي المتسخة القذرة فيتركن لي باقي الحساب ، فحين تشفق سيدة على رجل يكون هو هذا الجحيم، ولا أقول ذلك كوني مريضا نفسيا أنا الحاصل على "دبلون صنايع" ههههههه هكذا انطقها عامدا دون أن أصر بأسناني حنقا، وربما يكتب لي النصر وهذا ما يبعث السعادة إلى النفس ويجعلني اقضم أصابعي، ولماذا يقضم الإنسان أصابعه طالما يشعر بعذاب في هذا، هل لان الأحلام مرض وإثم ؟. 
 
في اليوم التالي ذهب هذا المخلوق البسيط إلى شقة الأستاذ أحمد بسيوني وطرق الباب، نعم هو يعرفه كونه يبيع العيش في شارعه الذي يضج بميسوري الحال، وبعد أن فتح له الباب اختصه بضحكة ليست صفراء فطالما كان الشاب كريم معه يعطيه مقابل ما يشتريه من عيش ضعفي الثمن، إلى جانب إعطاءه ملابسه القديمة والتي يستغنى عنها بعد شهور من شراءها عامدا، حيث أحزنه والده في يوما حين رآه يجهش في البكاء مكتئبا كونه أنجبه وهو عجوز فقال له ردا على سؤاله : اغفر لي يا بني أنا أربيك من حر مالي، وساترك لك الكثير ، لكن لا تجعلني أقول إنني قد ارتكبت حماقة حين طلقت والدتك الشابة في حال اختصتني عيناك بنظرة عتاب، وليعلم الله لكم عرفني الخجل بسببها أو لأكون صادقا سأقول بسبب شبابها وأنوثتها، فأردف :" هيا احضنني أيها الصغير ولا تمد لي لسانك، بالطبع لن تفعل ذلك فأنت شريف النفس وان فعلت لقطعته لك وبسطت يدك لأضعه بين راحتيك، فلبى الصغير مندهشا، ثم قال له : هل كتب على الإنسان أن يعيش مجرما يا بني ولماذا نمزح مع أطفالنا بهذه الكيفية المخيفة ؟، فلبث الصغير صامتا دون أن ينبث ببنت شفة، لكنه استغل هذه الواقعة فيما بعد والتي ساعدته في تفسير الكثير من الأمور في الحياة. 
 
رحم الله والد احمد، على أي حال نجح هذا الرجل الذي رفع الكلفة بينه وبين ابنه قبل أن يودع الحياة في أن يأتي له بوظيفة رفيعة في الحي كونه يملك المؤهلات التي تؤهله لشغلها، ولست اكذب طبعا حين أقول ذلك، فنحن البشر نحس كثيرا بالشيء نفسه رغم اختلافاتنا، فمن الممكن إلا يشعر الكثيرين بالخزي طالما يؤمنون أنهم يسيرون في الطريق القويم مستندين إلى قواعد حياتية موروثة.
 
قال بائع العيش لأحمد:" من المستحيل أن تمنع عني كمية من السم فأنا أراك تتابع عمليات سم الكلاب في الشوارع، أرجوك لبي لي طلبي فأمام منزلي كلاب كثيرة تنبح كثيرا في الصباح فأخذ في الركض فزعا ما يجعلني أضحوكة أمام الجيران، فابتسم له صديقنا قائلا له : ولماذا لا تفوضنا لننهي لك حياتهم، فرد عليه :" تكن لي الكثير من الاحترام حيث قلت تفوضنا ومن أنا لأفوض أحدا ... أنا ذلك المخلوق التافه الدميم، ربما انتقامي منهم يجعلني سعيدا، فاختصه احمد : حسنا ليكن ما طلبت، ثم اخرج من جيبه نقودا واختار ورقة من فئة الخمسون جنيها ووضعه في جيبه، ليتركه النحيف سعيدا غير خجلا.
 
في الليلة الموعودة قال الرجل لنفسه :" هيا يا حقير اقتل الكلب لماذا أنت خائفا الم تكن متحمسا في البداية، ليسقط بعد ذلك في نوبة عصبية حيث خيل إليه انه سيء الحظ ولم يسلك عالم السرقة من قبل، فأن نفذ سطوا بسكين مطبخه الصغير على محل المجوهرات سيكون من السهل إلقاء القبض عليه هو الذي لا يملك المال الكافي لشراء مسدسا، فكل ما يجنيه من مال يشتري به طعاما وخمرا، والأنكى من ذلك انه هزيل الجسد ونحيفا جدا، على حين فجأة دس السم لكلبه وقرر تناول الطعام معه  -  الرجل أجاد لعب الدور جيدا دون الحاجة لمخرج ! - ، ماتا الاثنين في النهاية، ونشرت الحادثة في كل الجرائد الرسمية والغير رسمية، وكانت عثرت قوات الشرطة على جثتيهما بعد 4 أيام على الواقعة، وجد بائع العيش وهو يحتضن كلبه بشدة، فقال أحد أفراد الشرطة :" أهناك سرا وراء حياتنا"، يبدو أن الجميع بات يشعر هذه الأيام." 
 
وتقول قصيدة دينا التي قرأها أحمد وأبدى رضاه عنه كونه أبصر تحسنا كبيرا في أسلوبها ليفرط بعدها في الندم  : 
 
 كان اتجاه الشرفة بلون نبيذ محمرا
والكروم كأنه يرسم باب البيت
نتخيل في البيت أصوات ملائكة 
قدح قديم ومزيد الأرواح التي تسكن
هضاب الساحل وكأنها تفركها ضربات الصداقة
فيبتسم البحر والرياح تلاطفه
 
كل ذلك ذكرني بصديقنا الفقير 
قتل بائع العيش نفسه وقتل كلبه
قال في ورقة عثرت عليها الشرطة 
انه سيجسد دورا فنيا على أكمل وجه
فعلها الرجل بعدما قرأ رواية وجودية وشاهد فيلما سينمائيا 
 
بموته صفع عائلته التي أنجبته .. حقا قال 
 أوراق الشجر تحمل كذلك ضوء طفولتنا
ليملأ الصغير عطرا، ليت بائع العيش كان هنا 
 خنادق حديقة البيت تخبئنا وكذا خلف السياج 
نرقد هناك كثيرا كثيرا 
أتذكرك حبيبي القديم مع أخي الكبير 
 
كان يجر سعفات النخل
يفترشها تحتي وعندما صار رجلا
بقلب نقيا كنقاء رحم البحر
من عصا سعفته عاقبني  
وقف جامدا وأنا جريحة الركبة
وبعد بضع ثوان لم أبصره 
عندما هبط المساء
جاء بروحة مبكرا نادما مثلك  
 
فكتب مساء بقبلة تحمل كتاب جديدا
حبيبي نادما لمنحه السم .. تركتك لذلك 
حبيبي قدم استقالته عامدا ليعاقب نفسه 
فلح بائع العيش في التمثيل عليهم جميعا 
ليودع حياتنا سعيدا برفقه كلبه 
الرجل أجاد الدور، استحال إلى ممثلا على حين فجأة 
 
فانتقم من الجميع .. حتى مني دون أن يراني ! 
ومن كلبه الذي لم يحب غيره ! 
فكان يفرط في إطعامه وتقبيله 
نظرة مكتئبة غريبة داخل براثن ذكريات طفولتنا
يقتلها عصفوري الصغير
ويكتب سرا من منقاره
شرارة الحمام فوق أشجارنا
 
نحو الشرق قطعان بثمار الزيتون
يرى أمام طريق المنزل مياه الخريف
وثمر الرمل داخل القمم
لا خفوت للضوء دون أن يبتسم
فهو يلهو مع أظافر طفولتنا
لست فتاة حزينة 
كومة العشب فراش أجسادنا
 
نلعب نحفر قبرا بداخلها للحياة
لا أقنعة من النسيج تلبس بوجه طفولتنا
أتشعرين بألم كلبتي في بيت طفولتنا
ليس ثمة أدغالا شائكة هنا عليكي !
الكلاب تبتسم تلاطفنا .. تلعق شفانا
تسرع وراء جيران الشمال
 
وخلف صديقات العرب
تندثر بشكل خفاق وراء روائح
العشب فتأكل .. البومات الصور في كل مكان
بها عصير التوت والمشمش وضفائر
فتيات المنزل .. فوق منضدة غائمة
تحمل وجوهنا الملونة البومات الصور
لقد توقف المطر واكترث
 
طفولتنا هي الأمتعة
وعلي اليمين يدانا تقدم قربانا
أقول لأخي : قد أطعمني الجوع أخي
يهلع فوق سلم مرتمي بحضن شجرتي
ويقتطف التفاح لفمي
حبيبي قلوبنا ترفض مفاتيح التلوث
عانقني أخي جسدي محمل بصخب الشمس
 
 صخب الحياة مثلك .. تقول الجميع مجرمين 
لكم أصبت إذا !
أنحب الأرض أو كتب الفلسفة .. أنا أبقى
عانقني بالمشاعر والقبلات
عانقني في البيت وملعون الظلام
عانقني مع المشاعر الإنسانية
أهذه العبارة باتت إثم ؟! 
 
الصبا مبكرا نرجو.. كنا 
بالشك الذي ينتهي عانقني
ليس بداخلي طاعون ولا مسرحية لشكسبير
تنفث راسي بالطيبة فقط والخوف 
عانقني أخي 
دائما ما عانقتني صديقي 
 
ستنعم بنا أجيال قادمة يا حبيبي إذا اتحدنا 
نحن أحرار لتذكر طفولتنا
أخي أنت كذلك لم تبدأ بالتمزق إلا في القريب 
هلم نخترق حشدا من الأطفال 
قبيل الفجر مباشرة كانت تصرخ والدتي لتلدني  
ولا ترحل الطيور كثيرا  بل تبقى
لتسمع عزفي على البيانو
نحن أطفال الشتاء 
 
أطعمني من تفاح شجرتك
اسقيني نبيذا من يدك
اجعل قلبي ساحة كبيرة
غابة من الأفاريز
كان أبي يقبل أمي المتعبة
وكأن الأمر فوق جناحات السماء
 
أطعمني من شراب المحبة
لازلت صغيرة علي تناول حبوب الأسبرين
دعنا نجر السعفات
بألوانها الغريبة
نحن حقيقة هذا العالم ومجرميه