أمينة خيرى
نصب المجتمع نفسه أفراداً ضمن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلم يكتف المسئولون بالسكوت، بل باركوا ودعموا. وقرر أفراد فى المجتمع أن ما اعتنقوه من فكر وما تم تغذيتهم به من تفسيرات قاصرة وشروحات داعمة لثقافات مستوردة هو ما يجب على بقية المجتمع أن يعتنقه «غصب عن عينهم». ومرة أخرى، حين عادت قطاعات من المجتمع أدراجها من هجرات اقتصادية مؤقتة ومعهم «تحويشة العمر»، وعليها أسلوب حياة غير مصرى مخلوط بثقافة ترتدى عباءة الدين، التى تأتى ومعها مقصلة التكفير وكرباج الاتهام بالبعد عن الدين وكراهية المتدينين، سكتت الدولة تماماً وتركتهم يفرضون ما استوردوه. وعلى الرغم من أن جانباً كبيراً مما يشهده المجتمع المصرى حالياً من مظاهر تفكك أسرى وتقصير واضح وصريح فى تربية الأبناء والبنات جاء نتيجة وضع فرصة العمل خارج البلاد لشراء شقة تمليك وغسالة فول أوتوماتيك وشاشة تليفزيون 50 بوصة أولوية جارت على تقويم الصغار وتربيتهم وتعليمهم ما يصح وما لا يصح،

إلا أن المجتمع قرر أن يتغاضى تماماً عن تقصير الآباء والأمهات فى التربية، وانتهاج الطريق الأسهل والأرخص، ألا وهو القيام بدور القاضى والجلاد وترهيب من يجاهر بفكرة لا تعجبه أو مظهر غير وارد فى «كتالوج الفضيلة». وما زال المجتمع المصرى يموج بكم هائل من التقلبات والاحتقانات نتاج سنوات التغريب الثقافى والتجريف الأخلاقى. إنها سنوات تخلى فيها المصريون طواعية عن حضارتهم وثقافتهم وتفردهم واعتنقوا خليطاً ماسخاً من الثقافات، مغلفاً بورقة دينية رقيقة منحتهم الراحة النفسية العميقة من وخز الضمير. هو يصلى، إذن هو «بتاع ربنا». هى تغطى شعرها، إذن هى بنت محترمة. هم أقلعوا عن قول «شكراً» و«صباح الخير» ولا يتفوهون إلا بـ«جزاك الله خيراً» و«السلام عليكم»، إذن هم متدينون. هو لا يتعامل مع المسيحيين، إذن هو ملتزم قابض على دينه. هى تركت المسيحية واعتنقت الإسلام، إذن الأمة زادت قوة والدين زاد عزة. هو يعترض على مكبرات الصوت المتطاحنة وأصوات بعض المؤذنين المتنافرة، إذن هو كاره للإسلام مؤيد للصهيونية. هن ينشرن فيديوهات على «تيك توك» وينقلن بعضاً مما يحدث خلف الأبواب المغلقة أو فى غفلة من جماعة الأمر بالمعروف، فلنقبض عليهن جميعاً ونشهر بهن جميعاً ونرهب بهن كل من تسول لها نفسها أن تأتى بما يعلم المجتمع علم اليقين أنه موجود حوله وبكثرة ولا ضرر فى ذلك طالما بقى طى الكتمان. ولأن «تيك توك» هو الصرعة هذه الأيام، فقد تحولت أنظار جماعتنا، جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،

وأفراد المجتمع المدنى الذين نصبوا أنفسهم شرطة لتطبيق الفضيلة بعيداً عن موبقات «فيس بوك» وأهوال «تويتر» ومن قبلهما مخاطر أغنيات الفيديو كليب على أخلاق المجتمع وفضيلته وتقواه، وقبلها الفضائيات التى تدخل البيوت دون استئذان، وقبلها أفلام الفيديو المستأجرة، وقبلها شاشة التليفزيون الأرضى التى تدخل كل بيت دون استئذان. ودعونا لا ننس أن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مرت بكل مراحل التهديد والوعيد والتنديد بكل ما سبق والمطالبة بإغلاقه وتشميعه بالشمع الأحمر، حفاظاً على أخلاق المجتمع المتدين بالفطرة. الغريب أن كل ما سبق إما بقى وترسخ واستمر، بل واستخدمه أعضاء جماعة الأمر بالمعروف، أو سقط بالتقادم بعد ما هرمت تقنيته. وتوقفت كثيراً عند عبارة عرفت طريقها إلى كل وسائل إعلامنا ضمن الأخبار اليومية المتواترة التى تعلن بكل فخر أن «وزارة الداخلية تتعاون مع النيابة العامة فى استهداف كل من يذيع أو ينشر فيديوهات إباحية على مواقع التواصل الاجتماعى ومحاسبة مرتكبيها حتى وإن قام بمسح المحتوى أو إلغاء الحساب الخاص به». والسؤال -أو بالأحرى الأسئلة- التى تطرح نفسها فى ضوء هذه الهمة لحماية الأخلاق، وماذا عن ملايين المتحرشين فى الشوارع والميادين وفى بيوتهم أمام الشاشات؟ وماذا عن قائدى السيارات الذين يقتلون أنفسهم ومن حولهم عبر قيادة بائسة متهورة تقتل الآلاف وتصيب الآلاف غيرهم كل عام على الطرق دون حساب؟ وماذا عن آلاف السيارات المكدسة فى الشوارع والتى يتم إيقافها فى الشوارع برعاية القائمين على أمر القانون وتحويلها إلى جراج كبير وتحول دون وصول المرضى للمستشفيات والناس إلى أعمالهم؟ وماذا عن البعض من رجال الدين الذين يفتون فى السياسة والمرض والصحة والحمل والاقتصاد؟ وماذا عن البعض منهم ممن يفتى إفتاءات خلف الأبواب المغلقة وعلى أثير الإنترنت تحرم تنظيم الأسرة وإلقاء السلام على غير المسلمين وممارسة الرياضة وغيرها؟ وهل تشجيع المجتمع على أن يراقب بعضه البعض، ويبلغ عن بعضه البعض، ويتدخل فى أمور بعضه البعض، ويعتبر نفسه أعلى من بعضه البعض وبناء على هذا الاعتبار ينصب المحاكم والمقاصل للآخرين يصلح من حال المجتمع؟ سؤال أخير إلى المجتمع الذى خدش «تيك توك» حياءه وفضيلته: هل من العدل أن نعاقب عاملة الجنس (العاهرة) ونترك من يشترى منها بكامل إرادته؟
نقلا عن الوطن