د. مينا ملاك عازر
يدخل حلف شمال الأطلانتي "الناتو" الذي تأسس من قبل أمريكا وإنجلترا وعدة دول أوربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كجزء من حلقة خططت لها أمريكا لتكوينها لاحتواء وتكبيل الاتحاد السوفييتي وسياساته الشيوعية المعادية للرأسمالية التي تنتهجها دول الحلف والمعسكر الغربي، أقول يدخل الحلف هذا الباقي من بين سلسلة الأحلاف التي تكونت أو التي حاولوا تكوينها آنذاك اختباراً جديداً غير ذلك الذي مر به، ويلقي بظلاله للآن بعد التباعد التركي الأطلسي الذي عبر عنه ماكرون الرئيس الفرنسي قائلاً لقد علمنا من وسائل الإعلام بالاجتياح التركي لشمال سوريا معبراً عن استيائه من هذا، وعن ضيقه من أن دولة عضو بالحلف تفعل هذا دون علم باقي أعضاءه، كان واضحاً حينها أن ثمة تباعد يحدث بين تركيا وباقي دول الأعضاء بالحلف، حتى أن ترامب نفسه لم يكن موافق علي ذلك، وكاد يحدث الصدام، كما أن دول بالحلف، وأقصد هنا الزعماء، عبروا عن تباعدهم عن شخصية ترامب وهو رئيس دولة كبرى بالحلف، تساهم في تمويله بأكبر نسبة خاصة وأنه قد حاول غير مرة الضغط على باقي دول الحلف بأن تزيد من نسب تمويلها لقدرات الحلف المالية والعسكرية، وهنا يكمن الاختبار القادم الذي يدخله الحلف على الأرض الليبية والمياه الليبية، والاختبار تضع أسئلته تركيا.
 
والسؤال الأول هل ستفضل دول الحلف البحث عن مصالحها الاقتصادية على حساب وحدة الحلف؟ أي هل ستقف فرنسا المستفيدة من الموقف المصري والعلاقات المصرية مع حفتر أم أنها ستضحي بمصلحة أكبر شركة نفط وغاز فرنسيه توتال لمصلحة وحدة الحلف وتقف مع تركيا؟ نفس السؤال تطرحه تركيا على إيطاليا، بشركة التنقيب عن الغاز والنفط الإيطالية إيني، أين ستقف؟ مع العلم أن الهلال النفطي تحت سيطرة حفتر ومن ورائه مصر والإمارات والسعودية الدولتين الكبيرتين في مجال النفط والغاز.3.
 
السؤال الثاني والذي تطرحه تركيا مرة أخرى، هل اجتياحها لليبيا الغير المعلن والذي لم تخبر به الدول الأعضاء بالحلف كما فعلت في سوريا سيكون مقبول من باقي دول الحلف؟ 
 
السؤال الثالث مطروح على الولايات المتحدة الأمريكية، هل ستدعم تركيا سكرتيرها العام ومندوبها في ليبيا كما أسلفنا في مقال سابق خاصة وأنها تحافظ على مصالحها الاقتصادية في ليبيا، وتغض الولايات المتحدة النظر عن أن تركيا تدعم مجموعة من الإرهابيين نقلتهم وتحركهم وتسلحهم على الأرض الليبية ما يعني علنا أنها راعية للإرهاب التي تقول أمريكا أنها تحاربه، وتغض النظر عن أن حفتر مدعوم من قوات روسية وخبراء روس بل ربما مسلح بسلاح روسي.
 
السؤال الرابع الذي تطرحه تركيا أيضاً، هل ستتدخل فرنسا عسكرياً ومعها إيطاليا في صف حفتر أم صف حليفهم الاستراتيجي في حلف الناتو؟ 
 
السؤال الخامس والذي يطرح على ألمانيا بالتحديد، والتي تختلف اختلاف جذري وأيديولوجي مع أردوغان، يقول السؤال، هل ستغلب ألمانيا مصلحة الحلف على مصالحها المعادية لأردوغان؟ هل ستضع يدها بيد عدوها والمختلفة معه أم تدعم المبادرة المصرية السياسية التي أعلنت قبولها فيما يعرف بإعلان القاهرة؟ ماذا سيكون موقف ألمانيا الرافضة لسياسات ترامب وضغوطه التي يمارسها على كل أعضاء الحلف ومعايرتهم لهم بالدعم المادي والعسكري الكبير الذي يقدمه للحلف. 
 
آخر سؤال تطرحه تركيا بما ستفعله في ليبيا وبعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا، حيث يجد الحلف كله يقف بين طرفين أعضاء إيطاليا واليونان من جانب وتركيا من جانب آخر تتعارض مصالحهما الاقتصادية في شرق المتوسط، فأي منهما يؤيد ويدعم ويساند؟
 
هذا هو الاختبار الذي فجرته تركيا بأطماعها الاقتصادية وأحلامها السيادية والاستعمارية والتوسعية، وبناء على ما تقدم من أطروحات اقتصادية أبني توقع أتمناه أن يعلو صوت العقل ويكبل الحلف تركيا ومنعها عن تورط في حرب لا طاقة لها بها اقتصادياً مع تهاوي ليرتها أمام الدولار، وسخط شعبي واسع وجائحة تهدد حياة مواطنيها، وإن كنت أتمنى وأتوقع هذا، لكني لا أستبعد خيار الحرب خاصة مع وجود زعماء ليس لديهم إنسانية ولا رحمة، وكرامتهم وأطماعهم وشهواتهم تحركهم.
 
المختصر المفيد الخطر داهم برغم من احتمالات تخطيه إن وقع أو حتى عدم وقوعه.