كتب – روماني صبري 
 
يصادف اليوم 30 يونيو ذكرى ميلاد المخرج المصري الكبير خيري بشارة حيث ولد في مثل هذا اليوم عام 1947 في طنطا، ويعد بشارة الذي عاش كثيرا في شبرا أحد رواد مدرسة الواقعية الجديدة التي انطلقت في ثمانينيات القرن الماضي على يده وعلى أيد كل من المخرج داود عبد السيد وعاطف الطيب ومحمد خان وآخرون،  درس السينما في بولندا وخطى المجال السينمائي بأفلام وثائقية وقصيرة، بعدها قرر إخراج أفلام روائية طويلة.
سينما للبسطاء 
كثيرا من أفلامه تترجم حياة البسطاء ومعاناتهم مع الفقر  دون إصدار أي أحكاما عليهم وتزخر كثيرا بكوميديا سوداء، ونذكر منها : كابوريا بطولة الفنان العبقري الراحل أحمد زكي، آيس كريم في جليم وهو الفيلم الذي كشف أزمة الشباب والأحلام التي تستبد بهم داخل واقع تجذبه العولمة الغربية فبات ملونا، وأيضا يوم حلو يوم مر بطولة سيدة الشاشة الراحلة الفنانة فاتن حمامة، وحرب الفراولة، أمريكا شيكا بيكا، إشارة مرور، من أهم مسلسلاته : بنت اسمها ذات وريش نعام .
تجربته الكبرى وضوء الأيام
تعرض بشارة لازمة مالية كبرى فصام عن الإخراج السينمائي مدة 7 سنوات وذلك بسب زلزال 1992، حيث فقد وقتها شقته فأصابه الحزن كونه بات بلا مأوى، إلى جانب أن زوجته "مونيكا كووالتشيك" والتي أنجب منها ميراندا وروبرت عرفها مرض نادر، ليعود بفيلم سجله عن حياته حمل عنوان "ضوء الأيام الأخرى". 
كيت بلانشيت
 والنجمة العالمية كيت بلانشيت الحاصلة على جائزة الأوسكار عام 2014، وجائزة الجولدن جالوب، كان بشارة أول من جعلها تقف أمام الكاميرا وذلك في فيلم "كابوريا" عام 1990، في مشهد أغنية "أزاز كابوريا" غناء أحمد زكي، وظهرت في المشهد من ضمن الحاضرين للحفل، حيث كانت تمضي أجازة سياحية وقتها في مصر فقال لها شاب من اسكتلندا ما رأيك بالعمل في فيلم مصري كومبارس؟.
السينما أداة للتنوير
بسبب الهجوم الشديد الذي تعرض له فيلمه شديد الواقعية "كابوريا"، كتب بشارة مقال عام 1994 نشر في مجلة "الكتابة الأخرى" قال فيه :" السينما بالنسبة لي من أول فيلم لي وهو "صائد الدبابات"، وحتى آخر فيلم  في حياتي لها علاقة بالتنوير، أكيد أن السينما باعتبارها ظاهرة شعبية لها جانب أساسي هو المتعة ولا بد أن تحدث نوعا من الاتزان النفسي عند المتلقي ولا أنكر أنني مهتم بذلك، ولكنني مهتم بالسينما بالدرجة الأولى كأداة للتنوير وأشعر بأن دوري له علاقة بالتقدم".
ازدواجية المجتمع العربي 
لافتا :" المجتمع العربي ما زال يعيش بساق في القرون الوسطى وساق في القرن العشرين، وأشعر أن المجتمع يعيش فقدانا للاتزان وللأسف كلما تقترب من نهاية القرن العشرين نجد الساق الممتدة في القرن الوسطى تزداد طولاً وبالتالي يزداد فقدان المجتمع العربي لتوازنه، معظم التراث الذي يعيش عيه المبدع والناقد في العالم العربي تراث أساسه أرسطي ويحتل كتاب فن الشعر لأرسطو مكانة تماثل مكانة الكتب المقدسة وتأثيره ينسحب على المجتمع العربي المولع بالحدوتة أو القصة المنطقية ذات الحبكة القوية والتي بها عضوية وثمة ثبات وأنت مطالب بأن تكون مؤمنا أو غير مؤمن بهذا".
أولا لابد من المتمرد من الداخل
ورأى :" ولكي أكون متمردا، على أن أقاوم أي إفلاس أو أي عجز داخلي، أن أقاوم أي ثبات في الأفكار أو الوعي وقبل أن أبدو متمردا من الخارج، على أن أكون متمردا من الداخل، وهذا هو الأساس بالنسبة لي، ففي مجمل عملي الإبداعي أنا متمرد من الداخل وضد ثبات الوعي والأفكار وذلك فيما يتعلق بالحياة أو بالشكل أو باللغة التي أتعامل بها مع الحياة والسينما.
 
الفيلم مخلوق جميل مثل المرأة
وفيما يخص نظريتي الإبداعية فهي الاحتياج الذي أكون في توق لإشباعه الشكل الذي أراه بداخلي وما عدا ذلك لا أعبأ بأي نظرية أو بأي فهم ضيق للإبداع ويمكن النظر لفيلم كابوريا على أن شخصياته ليست من لحم ودم وأقرب للكاريكاتير وهناك اعتماد للإكليشهات وغير ذلك ولكن العبرة لدي بالأسلوب وكيف استخدم كل أسلوب والفيلم بالنسبة لي هو مخلوق جميل جداً كامرأة، وأتعامل معه بنفس الروحانية والعاطفية والوجدانية والحسية التي أتعامل بها مع المرأة".
 
وبخصوص ما كتبه على تتر فيلمه "ايس كريم في جليم" :" التركيبة الغنائية والدرامية والأسلوبية والإخراج : خيري بشارة، قال بشارة مستعيدا ذكرياته مع الفيلم الذي يعد واحدا من أهم أفلام الموجة الواقعية الجديدة في السينما المصرية في حقبة التسعينات ، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"،:" المرة الوحيدة التي كتبت فيها اسمي علي التترات بهذه الصورة ذات المغزي كانت في فيلم آيس كريم في جليم ١٩٩٢ ، وظني أن لا أحد التفت إلي ذلك، فلم أكررها من قبل أو من بعد لأن دور المخرج لم يكن في احتياج إلي تأكيد من هذا النوع، وهذا ما ظهر في نهاية تترات مقدمة فيلم آيس كريم في جليم: التركيبة الغنائية والدرامية والأسلوبية والإخراج : خيري بشارة.
 
وتابع :" وللتاريخ أثناء تحضير الفيلم أخذت أحكي وأفيض لابنتي ميراندا وكانت وقتها في الثامنة عشر من العمر عن خيالي لسكن سيف (عمرو دياب) في جراج صغير متواضع بالمعادي وكيف أنني أريده أن يسبح في الألوان والأضواء كما لو كنا في نيويورك لأن مظاهر الحياة الغربية وعلي الأخص مطاعم الفاست فود قد بدأت تغزو القاهرة في مطلع التسعينات. 
وأضاف :" وبالفعل رسمت ميراندا اسكتشاً ملوناً بديعاً إنسجم تماماً مع خيالي، فقمت بإعطائه لمنسق المناظر زكي شريف -وكان هذا هو عمله الأول- وطالبته أن ينفذه بحذافيره، وقد نجح تماماً وأضاف بعض لمساته الرقيقة التي تنسجم مع رسم ميراندا، وكنت وقتها اتصل بالشباب لأعرف كيف يرون الحياة من حولهم وما يحبونه وما لا يحبونه، كنت أريد أن أعكس طزاجة عالم الشباب بأحلامهم وقلقهم الحقيقي، ومن عالمي أطلقت أفراحي وإحباطاتي وتمردي، الشباب هم الذين جعلوني أذهب صوب عمرو دياب الذي يعشقونه وميراندا تحديداً هي التي حمستني للمغنية سيمون التي كانت مفتونة بها هي وصديقاتها. 
 
وأوضح :"وحين سألني صديقي مدير التصوير طارق التلمساني الذي كنت أحتضنه بحماس منقطع النظير عن أسلوب الفيلم قلت له بساطة إنه (السباحة في الضوء)... وكان طارق في أحيان كثيرة يدندن وهو يوزع الإضاءة عبارتي (السباحة في الضوء)... ربما ليذكر نفسه ولا يحيد عن الأسلوب. واختتم :"قاعدتي الذهبية قبل أن تسمع صوتك أسمع أصوات الآخرين، فمن خلال تلك الجدلية سوف يولد عملك صادقا وأمينا.