كتب – روماني صبري 
 
لطالما برع الممثل المكسيكي الكبير أنتوني كوين، في تجسيد الأدوار الصعبة ببراعة يحسد عليها، ما جعله يصيب نجاحا عظيما منذ خطى عالم التمثيل السينمائي، كما برع في تجسيد الشخصيات التاريخية ومنها المناضل العربي "عمر المختار"، في فيلم "أسد الصحراء" والذي تصدى ببسالة للاحتلال الايطالي،  وحمزة بن عبد المطلب في فيلم الرسالة، والفيلمان من إخراج السوري العالمي "مصطفى العقاد"، ليحظى بعدهما بحب واحترام العرب، ولا ننسى تعاونه مع المخرج الايطالي الكبير "فيدريكو فيلليني" عام 1954 ليقدما معا واحدا من أهم الأفلام الواقعية في العالم " الطريق- la strada"، في هذا الفيلم لعب كوين شخصية "زامبانو"، الذي يبدو عليه أنه قد ولد فقيرا وأن الفقر قد سقاه الكثير حتى أصبح رجلا يعتاش من استعراضات القوة في الشارع، نراه  يلف سلسلة حديدية حول صدره ثم يقوم بنفخ صدره العريض القوي حتى تستسلم الحلقة الدائرية المعدنية التي تمسك طرفي السلسلة لقوته فتقع السلسلة على الأرض مهزومة غير مبالية كعادة كل جماد، يصفق له جمهور الشارع من الكادحين مانحا إياه ثمن ما شاهده من قوة، يقوم عمل زامبانو على العنف، وقد قصد فيلليني تقديم شخصية الرجل بسهولة من خلال عمله المرتبط بفكه للسلسلة الحديدية، كثرة ممارسة القوة على الضعفاء وعلى أنثى ستقابله تجعل الرجل ضعيف الروح،  يمتلك زامبانو القدرة الجسدية لتحطيم كل شيء لأنه يرى في ذلك الحل لكل شيء، وزامبانو هو الوجه الحقيقي للواقع القبيح القذر القاسي لكنه رغم ذلك يظل بشريا يستطيع الانهيار كالآخرين، يفضل الرجل الابتعاد عن أي شيء قد يتسبب في إضعاف نفسه مثل الحب وفعل الخير واختيار زوجة، حتى يلتقي جلسومينا الخجولة الضعيفة التي لا تشبهه، أضافت قوة كوين الجسدية هو فارع الطول مصداقية كبيرة للدور.
 
 
 
البداية 
ولد كوين في 21 ابريل عام 1915 في المكسيك، لأب أيرلندي وأم مكسيكية، ما مكنه فيما بعد من تجسيد الكثير من الشخصيات المكسيكية والأيرلندية، شارك في بطولة الكثير من الأفلام الهامة  ذكرنا بعضها، كما شارك في فيلم لورنس العرب، وكان يجيد التحدث بعدة لغات.
 
 
ماذا جنى من ملامحه القوية ؟ 
مكنته ملامح وجهه الصارمة من المشاركة في أفلام باتت من علامات السينما العالمية، وظهر أدائه للشخصيات التاريخية من خلال أدائه التمثيلي القوي الزاخر بالثقة والمتمكن، كان يؤدي الشخصيات بثبات ومهارة وأداء تمثيلي متقن، كانت بداياته من خلال أدوار بسيطة في عدد من الأفلام، ولكن بالتأكيد كانت النهاية مختلفة بهذا الرصيد الهائل الذي تركه من الأفلام والأعمال المميزة والمتنوعة ما بين تاريخية واجتماعية، حربية، كوميدية والتي يقل أن تجد لدى ممثل واحد هذا الكم الهائل من التنوع والعطاء الفني.
 
شارك في أعمال لا تنسى 
ظفر بشهرة كبيرة في خمسينيات القرن الماضي في أمريكا، حيث قدم وقتها عام 1951  الفيلم الدرامي The Brave Bulls وفي 1952 كانت الفرصة التي انتظرها، عندما شارك في "فيفا زباطة" ولعب دور اوفيميو زاباتا شقيق الثوري المكسيكي الشهير اميليانو الذي أدى دوره مارلون براندو، فجنى اعتراف الجمهور بقدرته وموهبته الفنية ويحصل على جائزة اوسكار عن أفضل دور ثانوي وترشح الفيلم لخمسة جوائز أوسكار، ليحقق كوين بعد ذلك سلسلة طويلة من النجاحات لا سيما مع فيلم "لا سترادا" لفيديريكو فليني والذي أتينا على ذكره، في نفس العام جسد دور كازيمودو في "نوتردام دو باري" المقتبس عن رواية فيكتور هوجو "أحدب نوتردام" ثم لورنس العرب وزوربا اليوناني وإعصار في جامايكا والساعة الخامسة والعشرون. 
 
الأوسكار الثاني 
شهد عام 1956 حصوله على الأوسكار الثاني وذلك بعد مشاركته في فيلم حياة الرسام الهولندي فينسنت فان غوخ Lust for Life الذي مثل دوره الممثل الراحل كيرك دوغلاس، في هذا الفيلم كان كوين صديق فينسنيت الرسام بول غوغين الذي كان صاحب المواقف الحازمة والذي أثر في مشاعر صديقه جدا، وترشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار وفاز كوين بجائزته كما كان متوقعا، حصل على بطولة الفيلم الغربي Man from Del Rio مع المخرج التشيكي Harry Horner ولعب دور رجل مكسيكي يحمي بلدته من قطاع الطرق، ورشح 1957 لأوسكار أفضل ممثل في فيلم الدراما Wild is the Wind  اذ جسد  دور رجل يتزوج أخت زوجته بعد وفاة هذه الأخيرة، لكنها تقع في حب أخيه، كانت دراما غريبة قوية، كما ترشح لثلاثة أوسكارات منها أفضل ممثل لانطوني كوين، وتبين للكثير أن أنتوني كوين يتقن أدوار الأفلام الغربية كثيرا لهذا لم يتركها، فمثل في العام نفسه فيلم The Ride Back.في 1958 أخرج كوين فيلمه الوحيد وكان حربيا تاريخيا بعنوانThe Buccaneer. وفي 1959 مثل ثلاثة أفلام Warlock وبعده فيلم Savage Innocents وأخيرا في Last Train from Gun Hill وفي 1960 فيلم Heller in Pink Tights والثاني Portrait in Black. وفي 1961 شارك كوين في أحد أفضل أفلام الحربية في تلك الفترة وهو The Guns of Navaroneوجسد دور الكولونيل أندري ستافورس وترشح الفيلم لـ 7 جوائز اوسكار.
 
 
كيف يختار كوين أدواره ؟ 
قال ذات مرة دون أي يخفي عن جمهوره شيئا :" الجودة ليست دائما معيار خياراتي .. أجسد أدوارا لجني المال من اجل عائلتي لأنهم يحبون الراحة وذلك يكلف غاليا. أما انأ فاستطيع العيش ببنطالين فقط.
 
حياته الشخصية 
 
أحب كوين الممثلة كاثرين دوميل وتزوجا عام 1937 لينجبا 5 أطفال، وفي عان 1965 انفصلا، ليتزوج بعدها مصممة الأزياء الإيطالية جولاندا أدولوري في عام 1966 وينجب منها 3 أطفال، لكنهما انفصلا أيضا عام 1997.
 
 
المرض والرحيل 
 
أصاب السرطان كوين، وودع الحياة في بوسطن، ماساتشوستس بسب فشل الرئة في 3 يونيو عام 2001، تاركا خلفه إرثا عظيما من الأفلام السينمائية التي يصعب نسيانها.