القمص اثناسيوس فهمي جورج
تحتاج الإدارة دائمًا إلى تحديث وتجديد مستمر؛ لأن الأنظمة تتآكل بالصدأ إذا بقيت في جمود من غير تجديد. وتمتلك الإدارة الكنسية بصفة خاصة ( الجدة والحيوية ) و الآليات الذاتية من داخلها للتقدم إلى ما هو قدام وافضل ؛ فلا ترتد إلى خلف؛ بل تتماهى مع الواقع وتتعاطى معه؛ لأن مسيحها ورأسها جاء ليكون لنا به حياة ولكي يكون لنا به أفضل؛ فبدون تقوية العمل الإدارﻱ الكنسي بالروحانية والمعرفة وهدف الخلاص المشترك ، تتسم الرؤية بالإبتسار الرعوﻱ وبغياب فلسفة العمل الكتابي والكنسي الذﻱ تتأسس عليه؛ تصبح الآليات المستخدمة مجرد مُسكِنات لا تفي بالاحتياجات البنائية اللازمة ، و المتغيرات الرعوية التي تستجد في ازمنة صعبة .
 
وفي أي طرح إدارﻱ للكنيسة القبطية المعاصرة لا بُد أن لا ننسى وحدانية ومجمعية كنيستنا بالرغم من امتدادها أفقيًا ورأسيًا وبالرغم من انتشارها العالمي من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. كذلك لا بُد أن يوضع في الاعتبار في هذا المضمار زيادة عدد الإيبارشيات بل ومضاعفتها.. الأمر الذﻱ يشكل توسعًا ضخمًا في هيكلية العمل الإدارﻱ الكنسي على مستوى الكرازة كلها في الداخل وفي المهجر أيضًا. لذلك لا مناص من مَأسَسَة الكنيسة في هيكلية مؤسسية لا تكتفي بإدارة الأمور على نحو يغلب فيه الطابع الشخصي لا المؤسسي، ولا يغلب فيه الطابع المركزي على الطابع الإدارﻱ الهيكلي؛ خاصة مع تزايد المشاكل والمتغيرات الزمنية والضغوط الإعلامية والاجتماعية والمعيشية وتعقيدات الحياة؛ وما أفرزته من مشاكل أخلاقية وإيمانية واقتصادية واجتماعية .
 
وهنا يأتي دور الإدارة الكنسية الرئيسي في حياتها ورسالتها وتنظيم عملها وإمتداداته بين الكرازة بالانحيل والتعليم الكنسي اللاهوتي المستقيم وخدمة الموائد وخدمات التوزيع والتربية الكنسية والشركة الحية والشهادة.للمسيح وفقًا لتخصيص المواهب العاملة والخُدام لكل مهمة حسب التقليد (رسل - معلمون - آباء – خدام)؛ إذ للكنيسة هرم إدارﻱ (وظيفي) يشكل تنظيمها الإدارﻱ الهيرارخي؛ وهو ترتيب واضح (رئيس لكل خمسين ثم رئيس لكل مائة؛ ثم رئيس لكل ألف؛ ثم موسى النبي) }خر ١٨ : ١٣ { (الاثني عشر؛ جمهور التلاميذ؛ سبعة رجال) }أع ٦ : ١{. انطلاقًا من مَأسسة الكنيسة وإدارتها كجزء أصيل من طبيعة كيانها الكنسي القانوني حسب الدسقولية . وعليه تقع مسئولية تقدم العمل إلى ما هو قدام وافضل أو تعطله (جسد واحد – أيادي – أرجل – أعين) ؛ (رسل – أنبياء – مبشرون – رعاة – معلمون؛ لأجل تكميل القديسين؛ لعمل الخدمة؛ لبنيان جسد المسيح). فهدف التركيب الإدارﻱ وكل الوظائف الكنسية هو (البُنيان) و ( الوحدانية ) و ( استقامة العقيدة + مع استقامة الحياة والسلوك ) .
 
وعمل وكالة الإدارة الأمينة الحكيمة هو اكتشاف و تشغيل المواهب الحُسنى والوزنات الموجودة ، وضرورة احترامها وتفعيلها ، كي تعمل عمل الله؛ إله المحبة والنظام لا إله التشويش، فتتوافق وتتكامل لتعمل كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب حسب المسرة؛ ووفقًا لمشورة الروح القدس الرب المحيي ، الذﻱ ينير عيون الأذهان ويصالح كل المعارف ويوظفها؛ مستأثرًا كل فكر لطاعة المسيح... إذ أن الإدارة ليست هدفًا في حد ذاته؛ لكنها مسئولة عن التجميع والنماء و تكميل رسالة الكنيسة وخدمة حضورها في العالم، في حسن الإدارة (التدبير) الذي هو موهبة من مواهب الروح القدس لبناء جسد المسيح وتكميل القديسين حتى مجيئه ثانية.
 
كل بناء على الصخر لا بُد أن يتم بالصلاة وبطلب مشورة الله ، و بحساب النفقة مع التخطيط العاقل اللازم له (التخطيط – التنظيم – التوجيه)؛ مع وضع الأهداف وفقًا للنتائج المطلوبة ورسم مسارها وبرنامج عملها ، واختيار المسئولين للعمل ؛ كلٌ بحسب ما أخذ من موهبة؛ وفقًا لخريطة تنظيمية توصِّف المسئوليات وتوزع الأدوار بعيدًا عن التحزب والانقسام وتخبط العشوائية والارتجالية؛ لكن بحساب النفقة حتى نقدر أن نكمل؛ وحتى لا يهزأ الناظرون؛ بل يكتمل العمل ويأخذ الراكضون الجعالة وينالوها بيقين.. وكل تدريب واحتمال وكل صبر وأمانة ومواظبة في إدارة الوزنات تحول الأرض الخربة والخالية إلى بنيان مرتفع ضمن المخطط الإلهي؛ إذ أن حساب النفقة يحقق الهدف النهائي في (تكميل القديسين) لعمل الخدمة (لبنيان جسد المسيح) } ١ بط ٤ : ٧{؛ ولمجد الله } ١ كو١٠ : ٣١ .