محمد حسين يونس
ثم إن صلاح الدين بعد وفاة العاضد و تثبيت أقدامه في مصر قام بمطاردة الفاطميين
(( بدأ بشنق جماعة من أعيان القاهرة بعد أن إتفقوا علي إعادة دولة الفاطميين ))

و (( قبض علي مؤتمن الجيش وقتله فلما ثارت عليه العبيد وكان جملتهم خمسين الفا من أجناس شتي حاربهم لمدة يومين فقتل منهم ما لا يحصي ))
بمعني أنه إستولي علي الحكم بأن قام بإنقلاب عسكرى تقليدى بما في ذلك مطاردة معارضية في سيناريو مبكر لما نعرفه حديثا عن سلسلة الإنقلابات.

قبل أن أكمل حديثي عن الدولة الأيوبية و كم دفع الشعب لتحقيق مطامع الطاغية ....لدى ملحوظه لا أستطيع كتمانها ..

فمن سخف الايام و سخريتها ..أن تقوم حكومة (الناصر) جمال (بتقديم ميزانية مفتوحة لمخرج متوسط الموهبة ).. ليصنع عاهه مستديمه في تفكير و عقلية شباب الستينيات و ما بعدهم بتصويره فيلم الناصر صلاح الدين (مستعيرا تكنيك إخراج المدمرة بتومكين) .. ليبدو كما لو كان صلاح الدين البطل الذى لم تجد الاقدار بمثله (الا شبيهة الناصر جمال بالطبع )

مع أن صلاح الدين كما وصفة (إبن عنين الشاعر ):
((قد أصبح الملك ماله سبب ** في الناس إلا البغاء والكذب ...سلطاننا أعرج وكاتبه ** ذو عمش والوزير متحدب....معايب كلها لو اجتمعت ** في فلك لم تحله الشهب)) ...

أى كان أعرج و لم يكن برشاقة و مهارة وذكاء أحمد مظهر علي الأقل في الثمان سنوات الأخيرة من عمرة التي صورها الفيلم فقد كان يعاني فيها من أمراض عديدة ..ليست موضوعنا

(( ثم أنه أزال ما كان بمصر من العساكر الملفقة و كانوا ما بين صقالبة و مصامدة و ارمن وشناترة العرب وطائفة من العبيد الزنج فمحا هذه الطوائف كلها وإستجد بمصر عساكرا من أكراد كان عدتها إثني عشر الفا )). أى سرح الجيش و إستبدله بإحتلال كردى صريح .. لمصر

مجزرة مهولة أخرى قام بها سبع العرب ( رغم كونه كرديا) اطاح بها بعدد مهول ( لن اذكره حتي لا يقال أن إبن إياس يبالغ) من المناهضين لحكمه في الصعيد .

وهكذا بعد أن عاث في مدن وقرى مصر ذبحا و تقتيلا و تأكد أن الشعب إستكان للشافعية المستجدة و برأ من أمراض الفاطمية .. و لن يقوم عليه .. ترك في الحكم عاملة الخصي (قراقوش).. الذى أصبح بعد ذلك نموذجا لتجبر يصاحبه قلة العقل و غياب المنطق ليحلب ((اللقحة )) بهدف تمويل حروب سيده ..و بناء مقر حكم جديد علي هيئة قلعة بجبل المقطم بأحجار مأخوذة من ((هدم 18 هرما فرعونيًا ))، أو هكذا قال الكاتب يوسف زيدان، مستدلا بماذكره المقريزي بأن ((صلاح الدين حاول تكسير أحجار 18 هرما ليبني بها القلعة)) ..

المتأمل لسلوك حكام مصرعلي مر الزمن يدهش .. من الذين بمجرد تمكنهم من اللقحة .. يبدأون في بناء مقر جديد للحكم مستنزفين فيه موارد البلد و قوة عملها

حدث هذا مع (أحمس و بناء طيبة .. و إخناتون وبناء (أخيتاتون – تل العمارنة ) و الإسكندرو بناء الأسكندرية ..و إبن العاص و بناء الفسطاط .. ثم العسكر التي بناها (صالح بن علي) أول الولاة العباسيين الذين حكموا مصر ..و القطائع ابن طولون و القاهرة المعز .. و القلعة صلاح الدين الأيوبي .. ثم القاهرة الخديوية .. فمدينة السادات.. فشرم الشيخ .. فالعاصمة الإدارية الجديدة الجارى إنشاؤها بحماس شديد لتكون مقرا شتويا .. و أخرى كمقر صيفي ..في مدينة العلمين..رغم الديون المتلتلة .. و الكورونا المنتشرة و الشعب اللي طالع عين أهلة من الغلاء )

بناء مقر للحكم جديد معناه إستنزاف طاقة عمل أهل البلد .. في تكويم حجارة سيأتي حاكم أخر و يتجاهلها أو يراها غير مناسبة .. فيبني مقرا جديدا.

حروب صلاح الدين التي قام المصريون بتحمل أعباء تمويلها .. لم تتوقف... حتي مغادرته الحياة عن سبعين سنة تاركا ..إمبراطورية.. تعيش علي الخوف و الرهبة... فتفككت حال وفاته و تقاتل اهلها ثم قسمت بين أولاده ( 17 ولد ذكر ) و اخية العادل

كانت مصر من نصيب إبنه (العزيز بالله عماد الدين عثمان) الذى تفوق علي خصي والدة (قراقوش ) فزاد من الضرائب و المكوس ((وزاد من شناعتها و تجاهر بالمعاصي حتي غلا سعر العنب لكثرة ما يعصر منه و (تم حماية ) بيوت المزارة و الحانات و اماكن الحشيش)) بمعني الخمارات و بيوت الدعارة و الغرز ..(( ووقع في أيامه الغلاء بمصر وإضطربت الديار))

قال إبن المتوج (( جاء الي الملك العزيز رجل أعجمي فأوحي إليه أن الهرم الصغير المكسو بحجر الصوان تحته مطلب وكان الملك عنده خفة فوجه إليه القطاعين فأقاموا نحو شهر ولم يهدم منه الا اليسير فهرب الاعجمي وعجز الملك عن هدمه ))

(( في عهد السلطان العادل سيف الدين رابع سلاطين بني أيوب حصل الضرر الشامل للبرية وأكلت الناس بعضها بعض وإستمر النيل علي إنخفاضه لثلاث سنوات فوقع القحط و عدمت الاقوات فصار الناس من شدة الجوع يأكلون الكلاب و القطط و الحمير حتي لم يبق بمصر دابة ثم تزداد الامور حتي صار الرجل يذبح إبن جاره ولا يستهجن.. ومات من أهل مصر مالا يحصي عددهم . )) ...

الشدة المستنصرية تتكرر في دورات ( تجمع القحط و الغلاء و الوباء في نفس الوقت )) بسبب سوء إدارة الحكام فيتحول المصريون الي أكلي لحوم البشر .. إذا أردت أن تعرف المزيد إرجع لصفحات 254 و 255 من كتاب إبن إياس

و هكذا .
كما ضلل يوسف شاهين اجيالا كاملة بخصوص صلاح الدين ..قام مخرج إيطالي ((إنريكو بومبا ومساعده أندرو مارتون و شادى عبد السلام )) بنفس العمل.. في تقديم شجر الدر (اخر سلاطين الايوبية ) وزوجها الملك الصالح ومماليكهما في فيلم (وإسلاماه ) في ميلو دراما غثة تعكس أكثر صور التضليل لنتصورنحن شباب الستينيات زورا أن ( عماد حمدى و محمود المليجي و أحمد مظهر و رشدى أباظة ) هم الأنجاس المناكيد الذين ملكوا مصر لثلاثة قرون ..و أنهم كانوا بالنسبة لها الامل و الرجاء و انهم فرسان عظام ..زادوا عنها وعن المنطقة ضد غزو الفرنجة والمغول مشكلين حائط صد منيع لحمايتها وأنهم كانوا عزها و فخرها بالرغم من ما سنعرفة و مدون بكتب الأولين عن حقيقة أن ما أتوا به من عنف وصراع و تدني كان بداية الكسرة الكبرى للمصريين.(( نكمل حديثنا باكر. ))

#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر