محمد حسين يونس
في الحق من مقدار الجنون .. و الخروج عن المألوف .. الذى قرأته عن الفاطميين ..لم أستطيع تصديق صاحب بدائع الزهور و تصورت انه ضحية دعاية سنية ضد الشيعة .. ولكن المقريزى و عدد أخر من كتاب السيرمثل ابوشامة صاحب الروضتين ذكروا أحاديثا مشابها .. فكيف تحمل المصريون حكم هؤلاء المعاتيه لقرنين

الأستاذة دينا حلمي (باحثة سياسية) لها رأى أخر دونته في إضاءات 20 فبراير 2020

((استمر حكم الفاطميين ما يزيد قليلاً عن قرنين من الزمان، نصف هذه الفترة شهدت ازدهارًا بمختلف المجالات، والنصف الآخر كان على العكس فالشدة المستنصرية أتت مجاعتها وفوضاها لتظلم كل ما كان منيرًا قبلها)).

و هكذا فالباحث المدقق سيجد أنه رغم كل علامات الخبل التي سنستعرضها في نهاية الحديث .. إلا أن في زمن الفاطميين لم تجرف أموال المصريين للخارج كما كان يحدث مع الرومان و العرب .. و دارت ضمن العجلة الإنتاجية المحلية لإنتاج مظاهر الترف و الأحتفالات....و الإنشاءات داخل البلاد مما يعني أعمالا و مكاسبا و وسائل حياة للشعب تبعة رواجا .. و إزدهارا إقتصادىيا ..و هو أمر يخالف ما كان يحدث خلال الخمسة قرون السابقة لحكم الفاطميين.

الفاطميون شجعوا الطرق الصوفية .. و هي الصيغة المصرية للإسلام .. و كانت لهم إحتفالات صاخبة خصوصا في موالد أهل البيت (الحسين و السيدة زينب و السيدة نفيسة )..و قد يكون هذا هو السبب في إنتشار الإسلام بكثافة و اللغة العربية ..فلقد كانوا الأقرب للناس .. وفي ذلك الوقت، بلغت حركة التعريب ذروتها. بل و كُتبت العبادات في الكنيسة بالعربية.

كانوا يسكنون قصورا.. و يربون الخيل .. و يوزعون النذور و الحلوى .... و ينفقون ببذخ علي رجال الدين ..لذلك عندما دالت دولتهم... حدث هذا بعد إراقة بحور من الدم .

((في الفترة الأولى، اتسمت مصر بالتقدم بمختلف المجالات. ففي العمارة مثلاً، ارتفعت المنازل حتى بلغ عدد طوابق بعضها نحو 14 طابقًا، اتسعت ليتضم نحو 200 ساكن، وانتشرت الحدائق والمنتزهات العامة و الحمامات و الأسواق و المكتبات ))

((وفي الاقتصاد، بلغت الثروة التي امتلكتها مصر وفاضت عليها حدًا جعلت الرحال والمؤرخ الفارسي ناصري خسرو يقول:إنني لم أستطع حصر ثرواتها، ولم يسبق لي رؤية تلك النعمة في بلد آخر)).

((أما الصناعة، فاشتهرت مصر بصناعة النسيج، حيث شهدت هذه الصناعة مزيدًا من الازدهار، وتم فتح المجالات أمام العاملين بها للإبداع، حتى أصبحت العديد من المدن تشتهر بهذه الصناعة وفي مقدمتها الإسكندرية ودمياط والفسطاط.))

((على الجانب الأمني، بلغ الأمن حدًا جعل الصيارفة والتجار بما فيهم تجار المجوهرات، يتركون أبواب متاجرهم مفتوحة بعد إسدال الستائر عليها حينما يذهبون للصلاة أو قضاء ما يحتاجون إليه)).

((واجتماعيًا، كانت هناك العديد من ممارسات وعادات الفاطميين التي أثرت في حياة المصريين وما زالت موجودة تمارس مثل الذكر و الزار .. و المديح علي الربابة ..و إحتفالات الرؤية في رمضان ، أما الموالد فما زالت موجودة ولها محبوها حتى اليوم.))

((مثلما كان التقدم واضحًا في مختلف جوانب حياة المجتمع المصري بعد الفاطميين، كان واضحًا أيضًا في الجانب الفكري والعلمي ))

((تعدد العلماء والأدباء بمختلف اهتماماتهم: شهد ذلك العصر كوكبة من العلماء والمفكرين والشعراء منهم الحسن بن الهيثم رائد علم البصريات، وأبو الحسن علي بن يونس الفلكي والأديب صاحب كتاب «الزيح الكبير»، الحسن بن زولاق الذي كتب سيرة المعز ونقل عنه الكثير، وأبو عبد الله القضاعى الذي اشتهر بكتاباته عن مصر وآثارها وغيرهم الكثير.))

((إنشاء الأزهر ودار الحكمة: شهد ذلك العصر قيام مؤسسات علمية عملاقة ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، وعلى رأسها بالطبع الأزهر الذي بدأ كجامع لنشر المذهب الشيعي و العلوم الدينية وفي دار الحكمة تم الإهتمام بعلم الفلك والطب. و تجمعت بهذه الأكاديمية مختلف الكتب وتم إتاحتها لسائر أفراد المجتمع باختلاف طبقاتهم. وقد لعبت دورًا في ازدهار الحياة العلمية والثقافية وكرست الدولة جهدها الفكري في تطويرها حتى ذبل دور الأزهر مقارنة بها.))

(( الاهتمام بالمكتبات: كانت أبرز الأدلة على الحركة الفكرية وأصالتها حتى أن العديد من المفكرين الأيوبيين المعادين للفاطمية أقروا بأنه (لم يكن بجميع بلاد الإسلام دار كتب أكبر من التي وجدت بالقاهرة). وقيل أيضًا أن مكتبة القصر الفاطمي بعد تسلم صلاح الدين الأيوبي له وبعد أن نُهب الكثير منها أيام الشدة المستنصرية، كانت تحوي أكثر من 2.6 مليون كتاب.))

ليس معني هذا إن الدنيا كانت ربيع و الجو بديع و قفلي علي كل المواضيع و نرجع الفاطميون يحكمونا .

فالترف والأموال التي عمت مصر التي تحدثنا عنها وعجز المؤرخون عن إحصائها، لم تكن من نصيب الجميع.

فكما هو الحال الان تجد قلة غنية بالمجتمع، بينما الفقر والبؤس من نصيب الاغلبية الساحقة من المواطنين. ووفقًا لهذا الوضع، نستطيع أن نقسم المجتمع إلى فئات وطبقات كالاتي:

- أهل الدولة، وهم من تولوا السلطة وبيدهم مقاليد الأمور، مدنيين كانوا أم عسكريين.
- أهل اليسار من التجار والملاك، وقد تركزت بيدهم الثروة.
- أصحاب الأعمال التجارية المتوسطة من الباعة ومتوسطي الحال من التجار، والذين يلحق بهم الحرفيون الذين يمتلكون أدوات إنتاجهم.
- الفلاحون، ومن بعدهم المعدمين الذين كان من بينهم طلاب العلم وكثير من الجنود، وأخيرا ذوي الحاجة ممن يعيشون على سؤال الناس.

((في ظل الأزمات الاقتصادية التي مر بها المجتمع بعد ذلك ، والتي كانت السمة المميزة لـلقرن الثاني من حكم الفاطميين، كان أهل الدولة وأهل اليسار فقط هم من يستفيدون، و أصحاب الأعمال المتوسطة يحققون الاكتفاء الذاتي أما الباقون فهم أشبه بالميت أو من يشتهي الموت هربًا من تلك المأساة)).. .كأننا نتكلم عن القرن الحادى و العشرين .. نحن نكرر نفس النمط ... مهما كانت الألام و الضحايا .

ما ساعد على هذا التفاوت الاجتماعي .. (نظام إمتلاك الأرض ) و(كثرة الضرائب.) ... إية تاني مش سامع .. (كثرة الضرائب) .:.. أه

ففي ظل سيطرة الدولة علي الأرض ، لم يحصل الفلاحون إلا على القوت الضروري لهم، أما أي فائض في العائد فيرجع إلى الخزانة العامة .. وبالنسبة إلى الضرائب الكثيرة والباهظة فكانت سمة رئيسية من سمات هذا العصر دون أي رأفة بأحوال دافعيها. .. رغم ما امتلكه الفاطميون وما جاءوا به إلى مصر من ثروات هائلة..

وإذا أضفنا لهذا ثمن المحال التي تؤجرها الدولة للتجارفي الأسواق (حقيقي .. و اللة ) والتي بلغت نحو 20 ألف دينارللدكان والمنازل بالعاصمة التي بلغ إيجارها 8 آلاف دينار، إلى جانب المداخل من مرور التجارة الخارجية بسبب أن مصر كانت آنذاك أشبه بالطريق الوحيد للتجارة العالمية، أدركنا الحجم الكبير لدخل الدولة المالي.

ومع ذلك فهذه الأموال كانت مركزة في يد أهل الدولة وأهل اليسار، وتم استنزاف أغلبها في حروب الفاطميين التي وصلت إلى الشام والموصل واليمن وغيرها من الدول رغبة في توسع مدى سيطرة خلافتهم... بحيث عندما جاء الوباء و الغلاء .. لم يجد إلا شعبا مطحونا .( نكمل حديثنا غدا )

#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر