عادل نعمان
هذا سؤال نحتاج فيه إلى إجابة واحدة، باتة ونهائية، ليست ملبوسة أو مخلوعة أو باهتة، حادة قاطعة كالسيف، لون من اثنين: أسود أو أبيض، مَن معنا من الدول العربية ومَن علينا منها؟ من الداعم والمعين والسند والصاحب؟ ومن المتقاعس والمتخاذل والمتخلى والمتكاسل؟ من المغيث فى المواجهة ومن المعارض والمتعارض؟ من منهم السليم ومن منهم المتمارض؟ من معنا نكون معه مناصرين ومساندين فى المحن والمصائب، ومَن علينا حتى نخذله ونُعرض عنه يوم الاحتياج والحاجة؟ هذا وقت تحديد المواقف والاتجاهات، دون لف أو دوران، ونقولها بملء الفم: من ليس معنا فهو علينا.

نحن نواجه الآن المصاعب والشدائد والمحن من كل الاتجاهات، من الشرق والغرب والجنوب والشمال، ونحتاج دعم الصديق والخليل، والأوفياء، لم نخذل منهم أحداً يوماً، من تاريخ إبراهيم الخليل أبو الأنبياء إلى يومنا هذا، وهذا أوان الامتحان وسداد الدين، وأولها القادمة من الجنوب، محنة سد النهضة، مشكلة المشكلات ومصيبة المصائب، من إثيوبيا بلد المنبع، جار النهر «سكتنا له دخل بحماره» مئات السنين قابع ساكن ساكت راضٍ بالمقسوم، إلى أن جاء اليوم الذى أفاق منه مهرولاً دون حكمة وعلى حساب شربة مياه مائة مليون مواطن دون تفكير أو روية، وفى تهور يحسد عليه، قاصداً حكاية محبوكة لتعطيش مصر تحت عنوان تنمية إثيوبيا، أو مد مياه النهر إلى إسرائيل، لكن الأقسى والأمَرّ من هذا خذلان إخوة لنا فى الدم والمصير من الأشقاء فى السودان، حتى حين عرضنا الأمر على مجلس الأمن بشكوى وقف المباحثات، وتهرب الجانب الإثيوبى من الالتزامات والعهود والمواثيق والاتفاقيات هو تهديد للسلام والأمن بين البلدين، ونطالب بعودة المباحثات من جديد وفق الاتفاقيات الدولية، بات السودان معترضاً بحجة أن هذا أمر أفريقى من شأن الدول الأفريقية أن تفصل فيه فقط دون غيرها، ونسى الإخوة فى السودان، أن المباحثات تقترب من عامها العاشر، عنوانها تلاعب وتسويف ومماطلة مقصودة ومؤكدة من الطرف الثانى، ومرت السنوات واحدة بعد الأخرى دون حل، حتى أضحى ملء الخزان أمراً قائماً وواقعاً ملموساً فى غضون أيام ويهدد المصريين فى مشربهم ومأكلهم، ولا أدرى ماذا سيقول هؤلاء للتاريخ يوماً عن حرمان مصر من حصة المياه التى وقعت عليها مع مصر، ولماذا هذا التخاذل وهذا التكاسل المريب؟، الغريب فى الأمر أن بيننا فى بلدنا وبين ضلوعنا إخوة وأشقاء سودانيين بالملايين مهددين بنفس المصير، يوماً ما نضطر إلى إرسالهم إلى بلادهم يعطشون أو يشربون تحت سمائه.

والثانية القادمة من الغرب، هذا الاحتلال التركى للغرب الليبى، الذى أصبح يهدد الحدود المصرية، وتلك المحاولات المميتة للاستيلاء على منابع النفط، والزحف حتى سرت والجفرة، وأتصور لإعلانها دولة مستقلة عن بنغازى، وتهديد الجماعات الإسلامية المتطرفة للحدود الغربية لبلادنا، وهو الأمل والرجاء فى زحفهم لإسقاط مصر، تارة من الشرق من غزة والآن من الغرب فى ليبيا، وهو تهديد يستوجب الذود عن البلاد، وعن الجميع، فليس الهدف مصر فقط، بل هى البوابة الرئيسية إذا فتحوها تهاوت كل الجدران والقلاع والحصون، ولا ننكر أننا كشعب ذقنا مرارة الحروب، لا نسعى على الإطلاق لحرب جديدة، إلا إذا دُفعنا نحوها دفعاً، وهو أمر يحتاج إلى حنكة وفطنة، ألا نقترب منها أو نطل عليها، والتضامن العربى فى المواجهة هو السبيل الوحيد لمنع هذه الحرب، فلو شعر الترك والجماعات الجهادية بتكاتف العرب ووقوفهم خلف مصر، واستشعروا قوتها ووحدتها لانسحبوا وعرفوا مصيرهم مقدماً.

أما خطر الإرهاب فى سيناء، فما زال قائماً، ندفع تكلفته كل يوم من أولادنا وفلذات أكبادنا، تمولهم دول عربية، وتستقدمهم من هنا وهناك وتدفعهم إلى سيناء، بوابة الدخول الشرقية، وتتكبد خزينة الدولة الملايين كل يوم، لو وجهت إلى التنمية والتعليم والصحة لكان لنا شأن آخر، وهى تكلفة نتحملها عن الجميع ولكل من الإخوة العرب فيها نصيب، وكما يقولون: قسمة الغرماء بين الأشقاء.

لابد من تكاتف الجهود، ووحدة الرأى والقرار، وصلابة الموقف، ووضوح الهدف، ومصر فيما تواجهه من صعاب جد خطير، وتحتاج من يحمل عنها حملها، ويرفع عن كاهلها بعضاً مما ترفع وتواجه، فى المحافل الدولية، والمنظمات العالمية، والحقوقية، والإعلام العالمى، والدعم المادى والمعنوى، فليس من بعد مصر نصر، وليس بعد جيشها من جيش، وليس بعد حدودها حدود، حماها الله من شر الترك والجماعات الجهادية.. آمين.
نقلا عن الوطن