سحر الجعارة
فوجئت بظهور «عبدالباسط السيد» مرة أخرى إلى صدارة المشهد الإعلامى، ليحدّثنا عن اختراعه لعلاج لفيروس «كوفيد 19 المستجد»، لن أذكر أسماء البرامج التى استضافته ليعلن عن اكتشافه لعلاج لفيروس كورونا، احتراماً لعلاقة الصداقة والزمالة التى تربطنى بمقدميها، لكن البرامج موجودة على «يوتيوب» إن شاء «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بتشكيله الجديد مراجعتها.

و«عبدالباسط» لمن لا يتذكره هو صاحب أكبر عملية نصب على مرضى فيروس C، وهى «العلاج بالأعشاب»، وبعد مرور أكثر من 15 عاماً على فضحه وسقوط نظريات «الطب البديل» بالضربة العلمية القاضية، اتضح أنه لا يزال يمارس نشاطه على البسطاء، مستغلاً جهل الفقراء، ويروج لبيع أعشابه عبر موقع «فيس بوك».

لقد ادعى «عبدالباسط» أن أعشابه تعالج: «الأمراض المناعية، والصدفية، والإكزيما، والبهاق، والروماتويد المفصلى، والقولون التقرحى، والذئبة الحمراء».. ودفع ثمن أعشابه المسمومة آلاف المرضى من الفقراء والباحثين عن أمل.. ولم يتبقَ لهذه الأعشاب المجهولة إلا أن تزوج العانس وترد الغائب وتجلب الرزق.. إلخ الهلاوس الشعبية المرتبطة بسراب خادع يُسمى «الأمل».. ولم يكن الطب وقتها فى أحسن أحواله، فقد ظهر طبيب مشهور يعالج فيروس C بقرص النحل!.

إنه ما يمكن تسميته «الاتجار بالأوبئة» ومن يقف خلفها لا يختلف كثيراً عن أثرياء الحروب، فمن يتاجر بسلاح قاتل لا يختلف عمن يتاجر بعلاج «خالٍ من المادة الفعّالة»، معتمداً على نظرية البلاسيبو (Placebo)، أو العلاج بالإيحاء أو الدواء الوهمى.

لقد قام أحد الإعلاميين بتعريف «عبدالباسط» للجمهور بأنه أحد العلماء المصريين، وأنه خبير بالمركز القومى للبحوث التابع لوزارة البحث العلمى والتكنولوجيا، ثم أكمل التعريف بتصريحات صحفية منسوبة إلى تاجر الأعشاب بأنه حصل منذ عدة سنوات على براءة اختراع لدواء يشفى من فيروس كورونا الذى يُهدّد المواطنين فى مصر والشرق الأوسط. وقال «عبدالباسط» إن العلاج المقصود هو (مضاد للفيروس واسع المدى من مجموعات (DNA&RNA)، وأنه أثبت فاعلية ممتازة على فيروس (B)، وتم تطويره وأعطى نتائج جيدة، كما أعطى نتائج مبهرة فى علاج الهربس الجنسى بعد عمل بحث على أكثر من مائة حالة مسجل كدواء بكندا تحت اسم «أنتى فيرين» (ANTIVIRNE) وحاصل على براءة اختراع أوروبية بعد مناقشات ومراجعات بحثية بإنجلترا وألمانيا وفرنسا، بدأت التجارب عليه فى سنة 1996 حتى سنة 2006 بالنشر فى الدوريات العلمية العالمية، ثم التجارب المعملية على مزارع الأنسجة، ثم بالتجارب المعملية على حيوانات التجارب بالنسبة للفيروسات الأكثر انتشاراً مثل فيروس «B»، و«C»، وأكدت الأبحاث عدم الرسمية سلامة استخدامه، وتم التطبيق على المتطوعين تحت إشراف الدكتور محمد ناجى، موضحاً أن الفيروس ينتمى إلى المجموعة الفيروسية نفسها التى أثبت الدواء أنه قادر على القضاء عليها)!.

«عبدالباسط» أكد الكلام نفسه، وقال إن علاجه تم تجريبه فى كندا على (الحزام النارى والجديرى المائى وفيروس B.. وبما أن فيروس كورونا ينتقل عن طريق الخفافيش إلى الجمال ثم إلى الإنسان.. لكن المهم أن «الفأر» قد يكون هو العائل الوسيط)!!.

لاحظ أولاً أنه زعم أن الدواء مسجل كدواء بكندا تحت اسم «أنتى فيرين» (ANTIVIRNE) وحاصل على براءة اختراع أوروبية بعد مناقشات ومراجعات بحثية بإنجلترا وألمانيا وفرنسا.. إلا أنه لم تتطوع أى دولة من تلك الدول بمراجعته أو محاولة تجريبه على المرضى!!.

وإنه لا يزال يحاول إجراء التجارب المعملية على مزارع الأنسجة، وينتظر النتيجة بعد ست ساعات، ورغم لك تم تدشين الفتح العلمى والعلاج الجديد لكورونا «إعلامياً»، دون التثبت من أى معلومة قالها «عبدالباسط»، ولا حتى عرض إحدى الدوريات العلمية التى قال إنها نشرته.. فإن لم يكن هذا هو الدجل العلمى فكيف يكون الدجل؟.

وعلى طريقة «كلام المصاطب»، يقول العالم الجهبذ للإعلامى المنبهر إن علاجه موسّع للشعب الهوائية، وهو ما يشير إلى نجاحه فى علاج فيروس كورونا (ماكانش حد غلب!).

«عبالباسط» لا يزال يجرى تجاربه فى المركز القومى للبحوث، (حاول أن تصدق)، مع فريق بحثى من 39 شخصاً، ومعه الدكتور «مصطفى السلبى» أستاذ النساء والتوليد، ولا تسألنى أنا ما علاقة أمراض النساء والتوليد بالفشل التنفسى؟!.

الآن نسأل المركز القومى للبحوث عن صحة ما قاله «عبالباسط»؟.. وإن كان كلامه حقيقياً، فلماذا لا يعلن عن هذا المجهود البحثى العبقرى.. وإن كان -لا سمح الله- طق حنك، فلماذا لم يصدر المركز بياناً يكذّب فيه ما تردّد فى وسائل الإعلام؟!.

قطعاً لن يتحدث المركز، لأن «عبالباسط» تركه فعلياً، ولا تعرف ما معنى وجود فريق بحثى الآن؟.

والسؤال الأهم: لماذا صمتت وزارة الصحة على هذه التصريحات، ولم تفد مصر والعالم إن كان لدينا علاج أم لا؟.

ما دام علينا أن نكشف بأنفسنا صورة «عبالباسط».. اقرأ مثلاً تصريحاته لصحيفة «الخليج» بصفته «رئيس جمعية الإعجاز العلمى للقرآن والسنة»، (لا تسألنى أين ذهب زغلول النجار)، يقول خبير الأعشاب: (إن بعض أطباء العالم من غير المسلمين أشهروا إسلامهم بعد أن تعرّفوا على كثير من التشريعات والتوجيهات الإسلامية فى المأكل والمشرب، لتوافقها الشديد مع أحدث الأبحاث الطبية)!.

فالحديث عن الإعجاز العلمى للقرآن والتداوى بالأعشاب والطب البديل تجارة من لا تجارة له. كان من الممكن أن أعتبر كلام «عبالباسط» تخاريف عابرة، أو صورة من صور انتحار المنطق وغياب العقل، وهلوسة من تأثير السموم الموجودة فى الأعشاب.. لكننا أمام كارثة حقيقية، لأنها اتجار مباشر بالأرواح فى جائحة لا تستثنى أحداً.. فإن سلمنا عقولنا ومصائرنا لهؤلاء وتركنا برامجه تعاد على السوشيال ميديا، فهذا معناه التفريط فى «مناعة العقل» ضد الخرافة.. فى توقيت لن يجد فيه المريض أسهل من الاختباء فى نفق الخرافة، لأنها تعفيه من معاناة البحث عن الأدوية أو العزل المنزلى أو حتى دخول غرفة العناية المركزة.

نحن فى مرحلة إن تركنا فيها المواطن لتجار الأوبئة، فلا تتوقع إلا أن يستوطن فيروس كورونا فى مصر، لتصبح دولة موبوءة بعدما شُفيت من فيروس C.
نقلا عن الوطن