medhatbeshay9@gmail.com
يقول العالم " فرويد " في نظريته حول" نرجسية الاختلاف "، ما يشير إلى أن الاختلافات البينية مهما كانت بسيطة ، فاننا نجعل منها مرتكزاً هاماً في التركيبة الإنسانية الشخصية بعكس ما تم التعارف عليه عند أصحاب شعار " مُلاك الحقيقة المطلقة " ، وعليه فإن اعترافنا بأهمية الاختلافات وتقدير وجودها و دون بخس حق المختلف لإقامة شكل من التواصل الحميم المفيد والمثمر ، هنا فقط تبدو أهمية انضباط عمل الإعلام بشكل عام ، والإعلام الديني بشكل خاص لدعم فكرة القبول بالتنوع وإدارة آلياته بموضوعية و منهجية معتبرة ..
 
وعليه ، فإن توهم إمكانية التوصل لعملية إندماج وطنية دون دعم وجود ثقافة الاختلاف بين كل قوى جماعات الفكر والعمل السياسي كارثة تحيق بعملية السلام الاجتماعي والتوافق الإنساني ..
 
هنالك فضاءات دينية ثلاثة، وهي فضاء الايمان الذي في جوهره تساؤل حول الماورائي والحياة والألم والحب ومعنى الوجود. وهذا التساؤل عالمي حيث المؤمنون في كل الأديان والأزمنة والأمكنة يلتقون في مجالات ومستويات وتعابير مختلفة. وفضاء الدين في الحياة العامة، وهو موضوع حقوقي يتعلق بممارسة الشعائر وتعليم الدين وإنشاء أماكن عبادة، أما الفضاء الثالث فهو فضاء السياسة والسلطة، وهنا ينبغي إدراك ان كل تعبئة وتنافس في الحياة السياسية من قبل رجال دين أو سياسيين وكل تبرير ديني لعمل سياسي مفخخ دائماً ومليء بالمحاذير والمخاطر. 
 
لابد من التحول من شكل الخطاب الديني العاطفي والإعجازي والعلاجي ، إلى خطاب إنساني واقعي يستوعب احتياجات الناس وهمومهم الملحة والآنية التي من شأنها أن تسهم في إعادة الثقة بالخطاب الديني المطلوب ، والارتقاء بمضمون الإعلام الديني.
 
وهنا يذكرنا المفكر الأردني " على الحافي " بما حدث مع المخرج السينمائي العربي مصطفى العقاد الذي أخرج فيلم الرسالة، والذي يُعدُّ من أعظم الأعمال السينمائية التي تعبر عن المضامين الدينية في الإسلام. والمحزن أن نهاية العقاد كانت مع ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية عام 2005، والتي أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسؤوليته عنها! وليس من باب المصادفة أن تكون المرجعية الدينية التي يتبعها هؤلاء الغلاة، تحرِّم السينما والفن والرسم والموسيقى والمسرح، وترى فيها رذيلة وانحرافًا عن الإسلام!
 
وهو ما تكرر عندما احتشد عدد من كهنة التشدد للتظاهر رفضًا لعرض فيلم " بحب السيما " لأسباب قالوا أنها تتعلق بتشويه الديانة المسيحية والكنيسة المصرية وكهنتها ، دون تعيين واقعي لملامح ذلك التشوه وأخذتهم حمية الغضب لإغفال الكثير من القيم والمفاهيم الرائعة التي تضمنتها الجمل الحوارية من قبل الطفل بطل  الفيلم والأب . لقد قدم الفيلم العديد من القيم التربوية والروحية والسياسية والاجتماعية لم يعوا قدرها للأسف ، وهنا كان ينبغي للإعلام الديني المستنير أن يساير ويدعم أهل الإبداع حتى لا يُمنع عرض الفيلم ، ولكن للأسف كانت تبعية مؤسسات الإعلام الديني للمؤسسات الدينية قد حالت دون ذلك ، وهي مشكلة أخرى ينبغي تناولها في مقال قادم ..
 
على الإعلام الديني أن يكون أهم وجل مشاريعه تتعلق بعمليات بناء الإنسان المواطن الصالح ، المحترم لحقوق الإنسان والمناضل من أجل تكريس مفاهيم السعي لتحقيق " المواطنة الكاملة ، ودعم السلام الاجتماعي وتوطيد أسس العدالة الاجتماعية و رفض التمييز بين الناس  ..
 
لابد من رفض التوجه الغريب في العمل على تعظيم عقائد أديان ومذاهب عبر الإلحاح على تقزيم وإهانة الأديان والمذاهب الأخرى من خلال عقد مقارنات مثيرة للشارع المصري الذي بات جاهزاً للاشتعال السريع بعد تغيير المكون الفطري للإنسان المصري على مدى الحقب الأخيرة نتيجة هبوب رياح طائفية مقيتة واردة من بلاد الثقافات البدوية الصحراوية ، وانتشار غباوات تشويه صحيح الأديان ...