د. مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال السابق عند نقطة النصب المحلل لاستعادة المسلوب في مسلسل لأعلى سعر، وكنت قد أشرت إليه التبيين الفارق بين الانتقام الغير قائم على الشر في لأعلى سعر والقائم على الشر في خيانة عهد، وأنا هنا أتساءل، هل قتل الابن يبرر هذا الشر؟ وهل عجز القانون على إثبات العملة الفظيعة هذه، وهل أصبح مجتمعنا يقبل تماماً فكرة الانتقام هذه، بشتى صورها، لكن وما دمنا قد وصلنا لمسألة النصب، فعلينا تحليل مسألة خطيرة في مجتمعنا الذي يكره النصب والشر والسارقين وما شابه، نراه يتعاطف مع عصابة حمادة وتوتو، وعزمي أشجان، وتجد أن مخرجي السينما والتليفزيون ومعهم المؤلفين لا يستطيعوا إنهاء العمل بأخذ النصابين عقابهم بل بفرارهم، ويخرج الجمهور مهللاً ومصفقاً.
 
أما في العمل الجميل إخراجياً، وكتابة وأداءً "100 وش" نجد أن الجمهور يكاد يجن لو قبض على العصابة، ويتفاعل معهم بشدة، مع أنهم مدركين أنهم نصابين، نعم يا سادة نصابين، إذن فلماذا هذا التعاطف المبهر والمذهل والمؤسف معهم؟ والرغبة الجامحة بأن يفروا، والتعاطف الغريب معهم، حينما وصلوا لسويسرا واكتشفوا أنهم تم النصب عليهم من شريكهم، ومن الرجل الذي يهرب لهم الأموال للخارج، الجميع بانتظار الجزء الثاني لكي يتابعوا مغامرات مجموعة من النصابين خفاف الدم والأذكياء والمتعاونين، وكأنهم مجموعة من المغامرين الذين يقرون القانون ويعدلون من المايلة مثلاً. 
 
ولو أعملنا مبدأ الانتقام الذي كنا نتحدث عنه في المقال الماضي في عمر الجزار النصاب، وانتقامه من باسم الأمير في نهاية الجزء الأول، ولكن لم يستطع التمتع بثروته التي سلبها نصباً لأنه سلبت منه هو الآخر بواسطة أحد شركاءه، دعك من بعض الأخطاء البسيطة في السيناريو، فهذا ليس موضوعي، فقط أنا هنا أناقش ما جرى في مجتمعنا الذي بات يقبل تماماً الانتقام الغير مرتكز على الأعمال القانونية، والنصب المنافي للقانون، والسؤال الان الذي يمكنني توجيهه لجمهور الشعب المصري، هل لو استطاع باسم الأمير الانتقام من عمر الجزار لاستعادة ثروته التي استولي عليها عمر مثلاً ستتعاطفون معه، فهو هنا ينتقم ويقاوم الشر، أظن أن الإجابة لا، ولأكرس للفكرة التي أريدها، سأضع حقيقة لمستها من كل المحيطين بي، الكل لم يكن متعاطف مع الشرطة للحظة، وهي تشحذ ذهنها وتحاول الوصول للنصابين والعصابة التي نصبت على كثيرين من بينهم أُناس لا ذنب لهم إلا محاولتهم الجادة في الزواج أو الوصول لحضانة جيدة يدخلون بها أولادهم أو شراء عربات فخمة بأسعار لقطة زي ما بيقولوا، والأخطر أنهم نصبوا على مجموعة من الجواهرجية منتحلين صفة رجال الشرطة، لكن المشاهد أبداً لم يتعاطف مع المنصوب عليهم، ولم يتضامن مع الشرطة في جهودها للوصوللحقيقة وكشف لثام الجرائم المتتابعة هذه. 
 
أظن هذا يعود في وجهة نظري لنجومية النصابين ولخفة دمهم، ولطريقة إخراج العمل ولجودة واتقان العمل، ما دفع المتفرج أن يكون متورط في مناصرة النصاب على حساب المنصوب عليهم، أما ولو كان المتفرج نفسه واحد من هؤلاء المنصوب عليهم في أرض الواقع، أبداً لن يكون حاله هكذا، علما بأن لو قلنا أن المجموعة كرست نصبها للانتقام من الشر هذا لم يحدث إلا في حالة رجل الأعمال باسم الأمير، أما الباقين المنصوب عليهم فهم بشر عاديين، إما مأخوذ ورثهم أو حالمين بحضانة جيدة أو سيارة فخمة أو جواهرجية  مضحوك عليهم أو حالمين بالزواج من زوجة جميلة.
 
آخر القول، أظن أن المقالتين هاتين جرس إنذار لكل علماء الاجتماع وعلم النفس ليعيدوا ويدرسوا ما جرى بمجتمعنا الذي بات ينظر للوجوه ويقيم العمل من خلال الشخص الذي قام به، وليس العمل نفسه، كما يقيمه من خلال مدى الأذى الذي قد يقع عليه، لذا فنحن بصدد أمر خطير لو تعلمون.
المختصر المفيد النصب والانتقام بالشر أعمال مرفوضة قانوناً، كما أن علي بابا سارق مثله مثل الحرامية الذين سرقهم.