الأنبا موسى
تحدثنا فيما سبق عن بنود «حقوق الميثاق العالمى»، والذى أظهر أهمية أن يتحقق للإنسان، فى كل مكان فى العالم، بضعة حقوق، ذكرنا منها:

1- الناس أحرار ومتساوون فى الكرامة والحقوق.

2- حق الحياة والحرية والأمان.

3- لا يجوز استرقاق أحد.

4- لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب.

5- حق التنقل.

6- حق التزوج وتأسيس أسرة.

ونواصل حديثنا عن حقوق الإنسان، لنصل إلى حق التملك..

7- حق التملك.. وعدم التجريد من الملك تعسفًا.. هو حق مكفول فى إطار عدالة الله الشاملة.. وليس فقط عدالة الأرض. وقديمًا حينما ظلم الملك آخاب نابوت اليزرعيلى، وأخذ حقله، حكم عليه الله بالموت بطريقة صعبة، ولحست الكلاب دمه (ملوك الأول 38:22).

8- حق حرية الفكر والوجدان والدين.. مكفول فى كل الأديان، إذ لا إكراه فى الدين، ولا إكراه فى حق التفكير والتأمل.. المهم ألا يخرج هذا الحق من دائرة الجهد الإنسانى المقبول إلى دائرة تحقير الأديان أو الأشخاص.. لذلك فمن حق أى شخص أن يكون له الرأى الخاص والتعبير المناسب، والاشتراك فى جماعات واجتماعات سلمية، والمشاركة فى إدارة الشؤون العامة لبلده، مادام ذلك فى إطار بنّاء، يلتزم بالقانون والتقاليد، وفوق الكل بالدين. وها نحن سمعنا منذ فترة عن ظهور جماعات عبادة الشيطان، ومؤيدى المثلية، تزحف إلينا من الغرب، وقد تعاون رجال الدين والفكر والثقافة مع رجال الأمن فى وأد هذه الظواهر المخربة لأجيالنا الصاعدة.

9- حق الضمان الاجتماعى.. حق مطلوب ومرغوب، فلابد من أن تقوم الدولة بما يسمى «هندسة المجتمع» من أجل أن يهتم الأغنياء بالفقراء، من خلال نظام ضرائبى عادل، وخدمات تقدمها الدولة للفقراء، فمن الطبيعى أن يختلف الناس فى مستوى الذكاء والثقافة والعلم والغنى.. لكن يبقى التكافل الاجتماعى صمام أمن ضد ثورات الجائعين، ودليل صحة وسلامة فى المجتمعات، إذ يسعى الأغنياء- بإشراف من الدولة أو بمبادرات خاصة- إلى مساعدة إخوتهم الفقراء فى القوت والعمل والمرض والشيخوخة واليتم والعجز والترمل. إلخ. وها نحن فى حاجة ملحة الآن، فى ظل وباء كورونا الذى أثر على دخل الكثير من الناس، وفى هذا يوصى:

- القديس بولس الأغنياء، قائلاً لتلميذه تيموثاوس: «أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِى الدَّهْرِ الْحَاضِرِ ألاَ يَسْتَكْبِرُوا.. وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أغْنِيَاءَ فِى أعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أسْخِيَاءَ فِى الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِى التَّوْزِيعِ، مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَِلِ، لِكَىْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ» (تيموثاوس الأولى 17:6-19).

- ويوبخ القديس يعقوب الأغنياء الظالمين، قائلاً: «أَيُّهَا الأَغْنِيَاء/ابْكُوا مُوَلْوِلِين عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَؤهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ،!.. قَدْ كَنَزْتُمْ فِى الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. هُوَ ذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَىْ رَبِّ الْجُنُودِ. قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِى يَوْمِ الذَّبْحِ» (يعقوب 1:5-5).

- وهو يوصينا قائلاً: «إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِىِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِى ذَاتِهِ» (يعقوب 15:2-17).

10- حق العمل، والراحة، والرعاية الصحية، ومستوى المعيشة المعقول، فى المأكل والملبس والمسكن والخدمات، وفى ظروف البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة.. ورعاية الأمومة والطفولة.. كلها تتفق مع الشريعة المسيحية، التى تنادى بأنه:

- «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (تسالونيكى الثانية 10:3).

- «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا» (متى 16:14).

- «بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعضُكُمْ بَعضًا»
(غلاطية 13:5).

11- حق التعليم.. حق جوهرى لأنه أساسى للحياة الكريمة ونمو الفرد والأسرة والمجتمع... والعلم فعلاً كالماء والهواء، لذلك يجب أن يكون متاحًا للجميع، بغض النظر عن الظروف المادية للإنسان.. وكم من فقير مغمور، تعلم، فتقدم، فأعطى، ليس فقط وطنه، بل البشرية جمعاء. ومنذ القديم كان يلحق بكل كنيسة «كتاب» يتعلم فيه الأطفال القراءة والكتابة والحساب والمعلومات العامة، بجوار أساسيات الدين والعقيدة والكتب المقدسة.

12- حقوق الثقافة والفن والعلم.. إبداعات إنسانية، بإلهام من القدير.. وقد تحدث الكثير من العلماء عن «الومضة» (glimpse)، التى تشرق فى ذهن العالم أو المفكر، قادمة من الأعالى، للمنفعة البشرية، فكثيرون رأوا الماء ينسكب من «البانيو» عند النزول فيه، وكثيرون رأوا التفاحة تسقط إلى الأرض من الشجرة، أو غطاء الإبريق يتحرك عند غليان الماء.. ولكن الومضة الإلهية التى أشرقت على أرشميدس ونيوتن.. كانت هى الطريق إلى الاكتشافات والقوانين الطبيعية التى غيرت وجه العالم. لذلك، عندما سئل نيوتن عن شعوره وهو يكتشف قوانين الطبيعة قال: «كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم».. كما قال أينشتاين وهو يكتشف نظرية النسبية وقوانين الطاقة: «كلما ازددت علمًا ازددت إحساسًا بالجهالة».

■ ■ ■ ■

لاشك أن حقوق الإنسان تتفق مع روح أديان التوحيد، التى هدفت أساسًا إلى الارتقاء بالإنسان: من الجهالة إلى المعرفة، ومن الأرض إلى السماء!

ونحن نعرف أن الإسلام كرم بنى آدم، وجعل من الإنسان خليفة الله على الأرض!

ختامًا..

حفظ الله بلادنا والعالم من كل سوء، ومن وباء كورونا، وارتقى بالبشرية فى عصر العولمة إلى آفاق أفضل، حيث:

أ- الروح.. تشبع بالتدين السليم. ب- والعقل.. يستنير بنور كلمات الله.

ج- والنفس.. تنضبط بحفظ وصاياه. د- والجسد.. يتطهر بعمل نعمته.

هـ- والعلاقات.. تنجح بالمحبة المأخوذة منه تعالى.

ولعظمته الشكر الدائم إلى الأبد، آمين.
نقلا عن المصرى اليوم