بقلم :  د.ماجد عزت إسرائيل

 
بعد أن إنتهى الأب متَّى المسكين(1919-2006م) من الدراسة الثانوية التحق بـــ"الجامعة المصرية، بكلية الصيدلية في الفترة مابين (1938-1944م) ،وهى ذات الفترة التي شهدت أزمة دولية اشتعلت خلالها الحرب العالمية الثانية(1939-1945م)؛ حيث اِتَّخَذَ أبونا الطوباوي من منيل الروضة (محافظة الجيزة) مسكنناً متواضعاً له في حارة قرب النيل، وبلغت نفقاته الشهرية خمسة جنيهات شاملة أجرة السكن والكتب وطعام الشهر، ولم يكن يتبقٍ لدية مليماً واحد؛ فكان عليه أن يوازن ما بين إيراداته(ما يتحصل عليه من أبيه) ومصروفاته. وبهذه الحياة،عاش حياته خلال ذات الفترة؛ عفيفاً مسالماً محباً لجميع الفئات دون تفرقة. 
 
  وخلال فترة الدراسة الجامعية بدأ اتصال أبونا الطوباوي متَّى المسكين(1919-2006م)  بـ"مدارس الأحد"،التى يرجع الفضل الأكبر في إنشائها عام(1918م)إلى القديس حبيب جرجس (1876-1951م)، لتعويض النقص الذي يعانيه الطلبة الأقباط في دراسة مادة الدين في المدارس الأميرية وبعض المدارس الأهلية،فإنه وإن كان قد نجح "مرقس بك مليكة" في تقرير دراسة الدين المسيحي في المدارس الأميرية عام(1908 م). لكن عدم وجود أساتذة متخصصين واعتبار مادة الدين إضافية أدى إلى إهمال تدريسه.فحددت اللجنة العُليا لمدارس الأحد هدفها الذي تركز في خلق جيلٍ محبٍ لدراسة الكتاب المقدس والحياة الكنسية، والاهتمام بالرحلات الدينية والخلوات الروحية. فبين عشية وضحاها تقدمت مدارس الأحد بمصر بسرعةٍ فائقةٍ، فصار لها في عام(1935م) نحو (20) فرعًا بالعاصمة القاهرة ، ونحو( 18) بالوجه البحري،و(44) بالوجه القبلي(الصعيد)،و(30) بالسودان.
 
  وقد كتب أبونا الطوباوي متَّى المسكين في مذكراته حيث ذكر قائلاً" ساقتني قدماي مرة - وكنت أقطن وقتها بمنيل الروضة في شقة صغيرة في حارة قرب النيل (حوالي سنة 1940 - 1943) ناحية الكنيسة بالجيزة لكي أقابل زميلاً لي اسمه "عوض باسيليوس" وهو الآن صيدلي بالإسكندرية، قيل لي في المنـزل أنه موجود الآن في الكنيسة بالجيزة. وهناك في الكنيسة كان يحضر اجتماعاً للصلاة، فحضرته، وفي نهاية الاجتماع طلبوا مني أن أُصلِّي، وكانت أول مرة في حياتي وأنا في القاهرة أن أُدعى للصلاة في وسط الكنيسة، فصلَّيت بدون تردد، وكنت متحمساً جداً في صلاتي لأني عندما أُصلِّي أكون صادقاً مع نفسي وأحس بوجودي في حضرة الله. والذي أذهلني أنه بعد الصلاة التفت الجماعة كلها حولي وكانوا نخبة من طلبة الجامعة يدمنون الصلاة والوعظ والخدمة منذ مدة طويلة. وأنا أول مرة أُصلِّي وأسمع عن الخدمة، وبدأوا يسألونني عن اسمي وظروفي، وما الذي أتى بي إلى الكنيسة؟، ففهمت في الحال أن صلاتي كانت مؤثرة، طلبوا مني كلمة وعظ فاندهشت لأنهم غير محتاجين إلى وعظ، ولكني فهمت أنهم يريدون أن يكتشفوني، فتكلَّمتُ كما طلبوا مني.
 
  هنا يجب أن نؤكد على أن أبونا الطوباوي متَّى المسكين(1919-2006م) بدأ يتعلق قلبه بالخدمة بمدارس الأحد بالجيزة، فارتبط بشبكة علاقات اجتماعية مع الشبان العلمانيين الجامعيين الذين قرَّروا أن يُكرسوا نفوسهم للرب، وأيضًا مع بعض مريدى مدارس الأحد،وزادت السهرات الروحية والصلاة  من تعميق هذه العلاقات. فتعرف أبونا الطوباوي متَّى المسكين على الحقوقي "سعد عزيز" فيما بعد المتنيح الأنبا(صموئيل)(1920-1981م)، الذي كان منزله مكاناً لعقد السهرات الروحية والصلاة. وأيضًا تعرف على "ظريف عبد الله" (القمص بولس بولس)، والحقوقي "وهيب ذكى"(القمص صليب سوريال)، وكذلك رائد الموسيقي القبطية الدكتور راغب مفتاح (1898-2001م). ومما لاشك فيه أن هذه المرحلة كانت بداية للتكوين الروحي، ومنها دعا الرب الطوباوي متَّى المسكين للخدمة الكبرى.  
 
 بالحق نقول أن أبونا الطوباوي متَّى المسكين(1919-2006م) ترك بصمة في الحياة الرهبانية لدى تلاميذه ومحبيه ومريديه، وأيضًا في الحياة العامة حيث أصبح معروفاً في مصر والعالم.وهنا نريد أن نرصد أهم مؤلفاته وهو كتاب"حياة الصلاة الأرثوذوكسية" الذي كتب مقدمته معلم الأجيال المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك رقم(117)(1971-2012م)، هذا الكتاب الذي أصبح مرجعاً لا يستغنى عنه ملايين من المسيحيين في العالم، من أجل معرفة حياة الصلاة من الكتاب المقدس، من حيث عمقها ودرجاتها وأنواعها، ومعوقاتها، وأيضًا التعرف على معنى الدموع في الحياة الروحية، وضبط الفكر في الصلاة،وكذلك السجود،وصلاة يسوع،وانسحاق الروح،وتنقية القلب ليتلامس مع قلب الله.